ربع مقال

أعيدوا النقل الميكانيكي .. !!

د. خالد حسن لقمان

.. بالأمس القريب حدثني أحد الشباب النبهاء العاملين ضمن جهاز المراجع العام عن قصة دخول سيارات البدفورد الإنجليزية الشهيرة للسودان، وذكر لي بأنه عندما عزمت الحكومة السودانية في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي على شراء سيارات نقل كبيرة لتغطية احتياجاتها في نقل المؤن وغيرها عكفت وعبر لجنة مختصة من مصلحة النقل الميكانيكي لاختيار الماركة الأفضل للسودان من كافة الجوانب خاصة البيئية والمناخية بجانب طبيعة الحاجة منها و حتى الذوق السوداني والمزاج العام للناس كان حاضراً ضمن معايير الاختيار الذي وقع علي شركة البدفورد الشهيرة، وبالفعل تمت مخاطبة الشركة الإنجليزية مع تضمين طلب مُلفت وهو ضرورة قيام الشركة المصنعة بإرسال نسخة من هذه السيارات لإجراء اختبارات عليها في السودان ومن ثم التقرير بشأنها وهو طلب ألح عليه أعضاء من لجنة النقل الميكانيكي بشدة .. تلقت الشركة الإنجليزية الطلب السوداني ولم تبد أي امتعاض تجاهه بل على العكس سارعت بالرد الفوري مبدية استعدادها لتنفيذ الطلب مع إرسال مهندسين بريطانيين للاستماع للجانب السوداني عقب إجرائه للاختبارات التي طلبها للسيارة الإنجليزية .. وبالفعل وصل المهندسون البريطانيون ومعهم السيارة ( النموذج ) التي اختبرها المهندسون السودانيون وأبدوا من بعد ملاحظاتهم عليها بل وأضافوا لهذه الملاحظات تعديلات طلبوا إدخالها على السيارات التي ستتعاقد عليها حكومة السودان من الشركة الإنجليزية وفي خلال الفترة المحددة للتسليم وصلت السيارات للسودان وتم التأكد من تضمين كافة ملاحظات وتعديلات لجنة النقل الميكانيكي، وأخيراً تم إدخالها للخدمة فبقيت تعمل لعقود طويلة جداً وبكفاءة عالية بل إن عدداً من هذه السيارات لا زالت تعمل حتى الآن بكفاءة وجودة مرضية .. استمعت لهذه القصة من الشاب أمين ( الأمين على وطنه وأهله ) وتعجبت كيف تهاوت بِنَا الأيام من ذاك الزمان الزاهر إلى زمان بيعت فيه النفوس وبيع فيه النقل الميكانيكي نفسه وبقى فيه بعض من منعدمي الضمير يتكسبون من ( كموشينات ) الصفقات الحكومية المريبة عبر استجلاب الفاسد ليس من السيارات فقط ولكن من كل شيء يعود أثره على حياة الناس الغلابة والوطن الجريح المهيض الجناح بنفوذ هؤلاء وجبروتهم .. والآن وقد أعلنت الحكومة نيتها مواجهة هذا النوع من الفساد الخطير والمدمر لاقتصاد البلاد، فلماذا لا يعود النقل الميكانيكي كما كان بقوته وسيطرته المطلقة على كل مشتريات وحاجات الدولة وصفقاتها لتسد على هؤلاء المنتفعين كل منافذ الفساد من سرقة لمال البلد وسلب لعرق أبنائه .. ؟؟!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية