“بوقبه” بعد “هارون”
#عندما خاطب الرئيس “البشير” جماهير منطقة أندرابة بمحلية جبرة الشيخ الشهر الماضي إعلاناً باكتمال طريق الصادرات ومعه انتهت ثلاثية “أحمد هارون”: الماء والمستشفى والطريق ، قلت لأخي “بكري مدني” ونحن في طريق العودة للخرطوم ، اليوم انتهت مهمة “هارون” في شمال كردفان وإن شئت الدقة في كردفان، لأن الرجل كانت تجربته وعطاؤه قد غطى الإقليم من تندلتي شرقاً حتى المجلد غرباً ومن تلودي جنوباً حتى سودري شمالاً.
ولحظة مخاطبة الرئيس لأهل كردفان من جبرة الشيخ لم يقدم وعداً بإسناد “هارون” في المرحلة القادمة كما كان يفعل في كل زياراته لكردفان والرئيس كان يدرس بعناية خطوات الانتقال الحالية، لكنه آثر الصمت واللعب بهدوء لاكتشاف أرضية الميدان قبل إطلاق مبادرته.
يوم (الجمعة) أمس الأول فاضت مشاعر المصلين بمسجد الأبيض الكبير، مشاعر من الود والحزن ممزوجاً بالإحساس بالرضا وابن المدينة يغادرها في رحلة لا يعرف كيف يعود منها مرة أخرى لأرض الدعاش واللالوب والأبنوس والناس القيافة.
خرج “أحمد هارون” من مطار الأبيض وأخر امرأة جاءت لوداعه رفعت يداها أعلى من رأسها وهي تقول (ودعتك لي الله يا وليدي )كانت لحظات صعبة، دموع الرجال تهاطلت مثل خريف الصعيد ، والناس مشفقين ، وقد تسلل إليهم الخوف على ابنهم المرفوع لمرتبة القيادة العليا في بلادهم ، والخوف أن تعود الأبيض لعصور الانحطاط الخدمي مرة أخرى.
صحيح الطريق اكتمل وبات المسافر لفاشر السلطان يدخلها قبل صلاة الظهر ، والمتجه لكادقلي يبلغها قبل الواحدة ظهراً، ولكن احتياجات الإنسان متجددة وطموحه لا سقف له وبعد “أحمد هارون” جاء الجنرال “المرضي صديق المرضي” وهو شاب مؤدب وإنسان شفيف وحازم في ذات الوقت تخرج مهنياً في المؤسسة العسكرية وسياسياً في مدرسة “أحمد هارون” اختاره كوزير وقبلها معتمداً وراهن على نجاحه ولم يخيب الرهان وارتجى منه العطاء ولم يخذله.
يوم (الخميس) الماضي وأنا أتجول في سوق الأبيض أمسك بيدي رجل الأعمال “محمد الحسن السنوسي” وارتشفنا الشاي أمام دكان القبطي الكردفاني “أيوب” صاحب بوهيات أيوب الشهيرة، كان القلق بادياً على “محمد الحسن” وهو سياسي من الإسلاميين الذين ظلوا على عهدهم مع الترابي حتى تخطفته المنية، وقلق “محمد الحسن” على مشروع سياسي بات في المحك هل يبقى ؟أم يذهب ؟ويسأل لماذا يبقى المشروع ؟وكيف يبقى ؟وهل يصبح مجرد ملك تحميه القوة أم القيم؟ وما مصير مشروعات النهضة بعد مغادرة “هارون” ؟
قبل أن نفترق جاء “شريف الفاضل” آخر معتمد لجبرة الشيخ قبل قرارات إعفاء الحكومات الأخيرة ونائب رئيس الحزب في فترة سابقة وأحد رهانات المؤتمر الوطني لأية استحقاقات انتخابية في قادم الأيام والسنين، كان يمشي رجلاً، بيده قليل من البسكويت، تسامرنا والرجل بدا زاهداً في العودة لكراسي السلطة ومتفائلاً بأن غداً ربما أفضل من اليوم، وهو من أكثر الناس يقيناً بأن المؤتمر الوطني في مقبل الأيام سيزدهر وأن “هارون” سينجح في إعادة تنظيم الحزب، وجعله أكثر فاعلية من قبل ابتعاد الرئيس عنه لضرورات اقتضاها راهن الحال.