ربع مقال

ثقوا في الله يرزقكم من عدم

د. خالد حسن لقمان

.. اشتاق “حاتم الأصم” في إحدى السنوات شوقاً شديداً للذهاب إلى الحج، إلا أنه لم يكن يملك ما يكفيه مؤونة سفره، كما لم يكن يملك نفقة أسرته في غيابه ومن المعلوم أن الحج لا يجب دون أن يضع صاحبه نفقة أبنائه ودون أن يرضوا بخروجه.
فلما أقبل الموعد رأته ابنته حزيناً
باكياً فقالت له: ما يبكيك يا أبتاه؟
قال لها: الحج أقبل.
فقالت: ومالك لا تحج؟
فقال: النفقة.
قالت: يرزقك الله.
قال لها: ونفقتكم؟
قالت: يرزقنا الله.
قال: لكن الأمر إلى أمك.
قالت: لا عليك.
وذهبت مسرعة لتذكر أمها التي كانت مليئة بالخير فجمعت أبناءها وجاءت بهم لزوجها
قائلة له: اذهب وسيرزقنا الله.
وبالفعل ذهب تاركاً لهم نفقة (3) أيام فقط وليس معه ما يكفيه من المال فكان يمشي خلف القافلة.
وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة، فسألوا من يقرأ عليه ويداويه؟ فأشاروا إلى حاتم، فجاء وقرأ عليه فعافاه الله من
ساعته، فقال رئيس القافلة لحاتم: نفقة الذهاب والإياب عليّ.
فقال حاتم: اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي.
ومرت الأيام الثلاثة وانتهت نفقة الأسرة والأبناء وقد بدأ الجوع يقرص عليهم فبدأوا يلومون ابنتهم التي تسببت في خروج والدهم فأعجبهم ضحكها ..!!
فقالوا لها: ما يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا ؟!
فقالت لهم: أبونا هذا رزاق أم آكل
رزق؟ قالوا: آكل رزق، وإنما الرزاق هو الله.
فقالت لهم: إذاً فقد ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق.
وفي هذه الساعة وأثناء حديثها هذا فإذا بأحدهم يقرع الباب.
فقالوا: من بالباب؟
فقال الطارق: إن أمير المؤمنين يستسقيكم.
فملأت ابنتهم القربة بالماء وقدمتها فشرب الخليفة، فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها.
فقال: من أين أتيتم بالماء؟
قالوا: من بيت حاتم الأصم.
فقال: أين هو لأجازيه.
فقالوا: هو في الحج.
فخلع أمير المؤمنين منطقه وهو (حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر) قائلاً: هذه
لهم، ثم قال: من له عليّ يد – بمعنى: (من يحبني).
فخلع كل وزير وتاجر منطقه
فتكومت المناطق أمامهم فاشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهباً يكفي أهل حاتم حتى الموت وأعاد المناطق إليهم.
فاشتروا الطعام وهم يضحكون فبكت عندها ابنة حاتم!!
فقالت لها الأم: أمرك عجيب يا ابنتي، كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين، أما وقد فرج الله علينا فمالك تبكين؟!
قالت الابنة: هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا «الخليفة» نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت فكيف بمالك الملك إذا أعطى؟!
الله أكبر.. هذه هي الثقة بالله.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية