الوطن لن يموت!!
أسفر صبح (السبت) عن تسلم ولاة عسكريين جدد زمام قيادة الولايات، بعد إزاحة الولاة السابقين من مواقعهم التنفيذية والسياسية وبتعيين ثمانية عشر والياً فقد المؤتمر الوطني رؤساءه في الولايات بصورة مفاجئة دون إعداد نفسه لها.. والخطوة تمثل تنازلاً كبيراً من الوطني لصالح الوطن.. وتفتح الباب واسعاً لتسويات حقيقية تجعل كل المناصب والمواقع التنفيذية مفتوحة ومشاعة لكل أبناء السودان بعد أن كانت مناصب الولاة (حاكورة) لا يمكن الوصول إليها لغير حاملي بطاقة حزب المؤتمر الوطني، الذي خسر مواقع تنفيذية وكسب المستقبل إذا ما نظرنا بموضوعية وتجرد عن أهواء النفس لما أقدمت عليه القيادة السياسية من قفزة في الفضاء السياسي من غير اتفاق مع المعارضة ولا حتى تفاهمات مع دول الإقليم التي تفاجأت بإعلان “البشير” عبر منصات الإعلام.
هل فقدان المؤتمر الوطني لمواقعه في الولايات والحكومة الاتحادية يعني الموت المعلن؟؟ أم الحياة والعافية الجديدة؟؟ بالطبع المؤتمر الوطني لن يموت!! وما أقبل عليه الرئيس “البشير” خطوة لصالح الوطن وفي ذلك مصلحة المؤتمر الوطني الذي يملك قاعدة جماهيرية واسعة وقيادات مدربة وكفاءات تمثل نخباً سياسية تملك خبرة تراكمية .. تعينها على الحياة خارج جلباب السلطة.. وللوطني رصيد لا تعصف به رياح الشتاء ولا نوازل الدهر.. وإذا أقبل الحزب اليوم قبل الغد على تعديل لائحته ورسم مساراً لنفسه وتأسيس خطابه لمرحلة ما بعد 2020 م التي ستشهد انتخابات تعددية في مناخ معافى من شوائب الأمس، فالمؤتمر الوطني وحلفاؤه قادر على أن يصبح لاعباً جوهرياً في أي تغيير.. أما النحيب على الماضي وذرف الدموع ولطم الخدود .. والاتكاء على الظنون وانتظار المجهول فلن يحقق للوطني عافيةً ولا للوطن مردوداً..
تعيين الولاة العسكريين خطوة أولى نحو فك الارتباط بين منصب الوالي ورئيس حزب المؤتمر الوطني، وهو عين ما ذهب إليه الفريق “صلاح قوش” الذي قدم شروحات مهمة للصحافيين فسرت غموض بعض الأشياء، وفك الارتباط في الولايات يعقبه فك الارتباط بين منصب رئيس الجمهورية ومنصب رئيس حزب المؤتمر الوطني، وقديماً في انتخابات العام 2015 م طُرح سؤال هل يجلس “البشير” تحت ظل شجرة المؤتمر الوطني؟؟ أم تستظل شجرة الوطني تحت رئيسها؟؟ وبعيداً عن ذلك وضع الرئيس الجميع أمام مسؤوليات كبيرة فالمؤتمر الوطني أتيحت له فرصة تأسيس خطابه الجديد.. واختيار مساره لوحده.. وتجديد قيادته والاستعداد للانتخابات القادمة بمرشح غير “البشير”.. ليمتحن الحزب علناً.. ويمحص عضويته ليبقى الصادقون ويذهب طلاب المناصب والمنافع حيثما لاح بريقها وازدهر سوقها.. ويبقى “البشير” واحداً من الخيارات القومية حال أثمرت جهود التوافق السياسي عن فترة انتقالية لترتيب الساحة برؤية كلية تساهم فيها الكتل السياسية الثلاث: المؤتمر الوطني وحلفاؤه.. وقوى الإجماع الوطني وتشكيلاتها.. ونداء السودان وفصائله.. وإذا ما تواضعت الكتل الثلاث على قواعد لعبة ديمقراطية وتعايش بالرضا من غير إقصاء وإبعاد، فإن بلادنا تستشرف عهداً جديداً يقوده “البشير” بدلاً من الاتجاه الذي كان يمضي نحو جعل “البشير” هدفاً للتغيير.. كل ذلك والمؤتمر الوطني يبقى رقماً صعباً في المعادلة السياسية لا يموت ولا يندثر، ولكنه يتجدد وفق مطلوبات العصر..
(نواصل)