دارفور – يوسف عبد المنان
قيادات الجنينة لن يقرر مصيرنا أولاد شمبات وبري!!
بدأت الجنينة (دار أندوكا) ومقر سلطنة المساليت التاريخية شاحبة يخنقها غبار شهر فبراير.. وتناثرت طائرات الأمم المتحدة في الفضاء الغربي من مطار الشهيد صبيرة.. وتلاشى وجود الطائرات العسكرية المقاتلة التي كانت تحتل نصف ساحات وقوف الطائرات وهي في حالة استعداد للقيام بعمليات جوية دفاعية أو هجومية للحيلولة دون وصول المتمردين للمدن الكبيرة.. أطلت الجنينة وتداعت ذكريات خاصة للنفس أحداث تاريخية.. من دفاتر السلطان “تاج الدين”.. ووجوه غيبها الموت، ولكنها حاضرة في دفتر يوميات البلدة التاريخية يطل من نافذة الطائرة السلطان “تاج الدين” بقامته ولحيته الدائرية وبشرته التي تشبه تراب الأرض ما بين السمرة والسواد، ويغرد “محمد مفتاح الفيتوري” ذلك المزيج بين صحراء ليبيا وغابات دارفور الجنوبية الغربية، ينشد الدنيا التي لا يملكها من يملكها!! وتتداعى الصور لشخوص وأحداث.. وأشلاء.. وضحايا.. وأبطال.. ولا بطولة بطبيعة الحال دون خيانة!!
تذكرت هنا.. أحداث ملى قبل سنوات.. وانقسامات المجتمع إلى جاهلية تقاتل جاهلية.. وكيف هي الجنينة اليوم.. بذات النقاء.. والأمل في مجلس سلطان دار مساليت تجد “مسار” زعيم عرب الرزيقات.. و”أبكر منصور فرشة” دار ملي، والمدينة قد غسلت يديها من الدم ومسحت عن وجهها الأحزان.. ولم يعد الأمن هاجساً يحول التواصل ما بين فوربرنقا في أقصى الجنوب الغربي.. وكرينك على حدود زالنجي.. ووالي غرب دارفور “حسين يسين أبو سروال” يقتطع مبلغ (10) مليارات شهرياً من عائدات رسوم الأسواق وبقية الموارد لبناء مستشفى تخصصي ظل حلماً.. وقواعد على الأرض وضعها مولانا “أحمد هارون” حينما كان وزير دولة بالداخلية، ومرت سنين عليها.. والولاة تشغلهم النزاعات القبلية.. والحروبات وهموم التمرد على القرى.. ونهب الجنجويد لمزارع المساليت.. وثلاثة أرباع موازنة الدولة تذهب للأمن والثلث الرابع رواتب دستوريين ومخصصات تنفيذيين.. والآن تبدلت الأولويات في الصرف.. وتغيرت جغرافيا الأرض أمنياً.. وأخذ الأمل يدب في النفوس بعد يأس وقنوط.
{ فوربرنقا أول المحطات
أختار د.”فيصل حسن إبراهيم” مساعد رئيس الجمهورية رفقاء رحلته إلى ولايتي غرب وسط دارفور بعناية شديدة.. الوزيرة المهندسة “وداد يعقوب” هي سيدة أعمال تفكر بطريقة لم نعهدها في وزراء الإنقاذ التكنوقراط والأمنيين والتنظيميين..!! ولها فلسفة في دعم الفقراء والمنتجين ربما عجلت بأيامها في الوزارة.. وربما عبرت بها إلى مقامات رفيعة في مقبل الأيام “الأمير أحمد سعد عمر” القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي تمتد جذوره ما بين الجبل والنيل.. وما الجبل إلا جبل مرة وجده السلطان “علي دينار” وما النيل إلا أرض الجعليين في الكتياب وجبل أم علي!! ومثلث المرأة (بنت) الناظر “هباني” (قمر) وهي امرأة تقع بين جيلين الشباب والشيخات!! وتمازج بين الحداثة والنظام الأهلي.. و”يوسف بشير” رئيس دائرة غرب دارفور بالاتصال التنظيمي وأمين الطلاب د.”هشام التجاني” أحد تلاميذ الراحل “صلاح ونسي” النجباء.. و”تاج الدين” مفوض العودة الطوعية.. و”محمد صالح الأمين بركة” الذي يمثل البرلمان سابقاً وبنك الثروة الحيوانية الآن.. والدعم السريع.. ومكون القبائل العربية.. والمقاتلين.. ود.”محمد عبد الرازق” الأمين العام لديوان الزكاة الذي أنفق على ولاية وسط دارفور وحدها (20) ملياراً من الجنيهات للفقراء والمساكين عبر مشروعات كبيرة وصغيرة!! من مطار الجنينة.. استغل الوفد طائرة مروحية إلى محلية فوربرنقا.. من أعلى ظهرت قرية كأس كدق.. ثم جبل ترليلي ثم جبل جيون وأيون وصولاً لمحلية هبيلا التي لا يعرف هل الاسم الأصلي كردفان من جبال النوبة أم دارفور من جبال دار مساليت!! هبطت الطائرة في محلية فوربرنقا الواقعة على الحدود مع دولة تشاد.. يفصل بين الدولتين مجرى مائي تعبره العربات التي تجرها الخيول والحمير، ولا وجود لبوابات عبور ولا فحص لأوراق القادمين من هناك.. والراحلين إلى بلاد نصف سكانها أصولهم سودانية والنصف الآخر يعشقون السودان أرضاً وشعباً!! (وفوربرنقا) تمثل أكبر ثقل اقتصادي في دارفور زاخرة بالتجارة والمنتجات.. كل مراكيب جلود النمر التي (يلبسها) الأغنياء تأتي من فوربرنقا.. كل جلود (الأصلة) والثعابين من فوربرنقا.. أكثر من بليون جنيه سودان تجوب الأسواق خارج النظام المصرفي.. مدينة فوربرنقا المدينة الوحيدة التي تم تخطيطها وتنظيم شوارعها بفضل المهندس ابن المنطقة “يونس الشريف”!! قبل مخاطبة اللقاء الجماهيري ومخاطبة أول مؤتمر للمحليات في السودان، وهي المرحلة الوسطى لبناء هياكل المؤتمر الوطني.. عاد النظام المصرفي لتلك المنطقة النائية البعيدة.. بافتتاح بنك النيل فرع فوربرنقا.. بعد أن غادر المدينة بنك فيصل في سنوات الحرب والجفاف بدارفور من أخبار فوربرنقا التي كشف عنها معتمد فوربرنقا “محمد عمر عبد الفضيل” عودة ألف لاجئ سوداني من تشاد لفوربرنقا.. وهؤلاء اللاجئون العائدون بعضهم أختار الانضمام للمؤتمر الوطني والبعض الآخر ذهب لأحزاب أخرى لكنهم عادوا مثل عودة “مصطفى السعيد” في رواية موسم الهجرة للشمال.. ليس مهما من أين جئت ولماذا جئت وكيف جئت، ولكن المهم إنني عدت!!
قال د.”فيصل حسن إبراهيم” وهو يخاطب أهالي فوربرنقا إن قرار جمع السلاح قد أسهم في استقرار الأوضاع وإشاعة الأمن والسلام، ومن فوربرنقا خاطب د.”فيصل” قضايا سياسية في قلب الخرطوم حينما أوصد الباب برفق أمام دعاة تكوين حكومة انتقالية بديلة للحكومة الحالية.. وقال د.”فيصل” إن الحديث عن حكومة انتقالية لا يعدو أمنيات لبعض قادة الأحزاب الذين (يتخفون) و(يندسون) وراء لافتات هلامية مثل تجمع المهنيين واثنان وخمسون شخصاً في الخرطوم لا يعرفهم أهل فوربرنقا، ولكننا نعرفهم بعضهم شيوعيين.. وبعضهم علمانيين.. وثالثهم إسلاميين (مغبونين) اتفقوا على برنامج سياسي وأحلام لا شأن لنا بها.. ويقولون إنهم يريدون حكومة انتقالية بديلاً لحكومة شرعية منتخبة من الشعب.. نحن نقول لهؤلاء حكومة انتقالية (مافي) من يريد الحكم يقدم نفسه إلى الشعب في انتخابات 2020م.. إذا اختاره الشعب نحن مستعدون لتسليمه السُلطة.. وكان الأمير “أحمد سعد عمر” وزير شؤون مجلس الوزراء قد تحدث عن ضرورة الاهتمام بتنمية المناطق الطرفية من السودان.
وفي المؤتمر الذي عقدته محلية فوربرنقا بعد اكتمال انعقاد مؤتمرات الأساس كأول مؤتمر لمحلية في السودان شارك في مؤتمرات الوطني بمحلية فوربرنقا (12) ألف من الرجال و(16) ألف من نساء من جملة سكان المحلية البالغ عددهم (98) ألف نسمة، وقال المؤتمر الوطني إن عدد منسوبيه يفوق الـ(33) ألف نسمة.. إلا أن السجل المدني يقف حائلاً دون مشاركة سودانيين كُثر في الانتخابات القادمة، إذا لم يعتمد له مالاً حتى ينال كل سوداني رقماً وطنياً.. وليت السجل المدني تخلى عن رومانسيته وفرض رسوماً على طالبي الحصول على الرقم الوطني حتى تصبح إدارة السجل المدني قادرة على الوصول لمناطق مثل فوربرنقا التي لا يمكن الوصول إليها حالياً حتى شركات الاتصالات خدماتها (رديئة) جداً.
{ العودة للعصيدة والكسرة
إذا كانت دعوة وزير المالية الأسبق “علي محمود عبد الرسول” بالعودة إلى الكسرة والعصيدة بعد أن شعر الوزير بأن نصف موارد الميزانية تذهب لدعم القمح ودقيق الفينا، وتعرض وزير المالية حينذاك إلى حملة انتقادات واسعة في الرأي العام.. وبعد سنوات اكتشف نصف الذين انتقدوا “محمود” بصحة موقفه.. ولكن (بت ناظر الحسانية) “قمر هباني” حينما خاطبت مؤتمر حزبها بمحلية فوربرنقا أعلنت عن مبادرة من نساء المؤتمر الوطني للعودة للعصيدة والكسرة والقراصة بدلاً عن الرغيف الذي يبلغ سعر الرغيفة الواحدة بفوربرنقا (5) جنيهات.. لكنها رغيفة كبيرة الحجم مثل رغيف السبعينيات والثمانينيات، ويتم نقل الرغيف إلى تشاد علناً ولا يهرب.. وقالت “قمر هباني” إن أغلب المتظاهرين في الخرطوم من العنصر النسائي (الشابات) ودعت لحوار مع الشباب حول قضاياهم بعيداً عن الهتافات والشعارات.. ولكن مبادرة “قمر هباني” للعودة للعصيدة أطلقتها في منطقة محافظة جداً على ثقافتها الغذائية!! وتعتبر العصيدة الوجبة الرئيسية، فهل تعيد “قمر هباني” إطلاق دعوتها لنساء أحياء العمارات وأركويت وبري وشمبات!! أم تدرء عن نفسها سهام النقد لمثل هذه الدعوات، وقال د.”فيصل” إن المؤتمر الوطني يمشي واثق الخطى وليس هناك ما يجعله يطأطئ رأسه وكتاب إنجازه تخريج (7) ملايين طالب وطالبة وتخريج (6) آلاف طبيب سنوياً، وفي السابق كان عدد الخريجين من الأطباء (180) فقط، وكشف عن تمويل السفارات بالخرطوم وبعض الدول التي لم يُسمها المساعد للتظاهرات الأخيرة وتوفير المال لها من أجل إسقاط النظام، وإن دولة مثل فرنسا نشرت (85) ألف عسكري من الشرطة لمكافحة أعمال الشغب التي قام بها أصحاب (السترات الصفراء)، وقال إن بعض السفارات والدول (ستمول) الانتخابات القادمة من أجل إسقاط المؤتمر الوطني، وإنهم لا يملكون مالاً لدفعه للناخبين ولا يفعلون ذلك ويتركون للناس خيار التصويت بكل حرية.. وعاد وتحدث عن مذكرة (52) وقال لن نلغي شرعيتنا من اجل هؤلاء.. وشن هجوماً عنيفاً على تجمع المهنيين.. بقوله من هم المهنيون الذين يمثلهم هؤلاء الحيارى، كلنا مهنيين ولنا نقابات شرعية معلومة ولا ننتمي لمثل هذه الأجسام التي لا شرعية لها.. ولا أصل لها.. وعبارة عن أحزاب حائرة متخفية عن الشعب تريد خداعه بشعارات مثل ما فعلت ما بعد أكتوبر والانتفاضة.
{ دار أندوكا الجديدة!!
الجنينة في واقع اليوم تختلف عن الجنينة في أيام الحرب الذين كانوا يقودون المليشيات المقاتلة أصبح بعضهم ولاة عليها، مثل “أبو القاسم إمام” الوزير الحالي الذي تمرد مرتين وصاح مرتين.. والجنينة الولاية الوحيدة التي تنازل المؤتمر الوطني عنها للحركات المسلحة، ولكنها لا تزال تقف مع المؤتمر الوطني، بل إن شخصية مثل “أبو القاسم الأمين بركة” ومثل السلطان “سعد بحر الدين” و”أبو القاسم إمام”.. و”حيدر قالوكوما” مرشحين فوق العادة ليختار المواطنون من بينهم والياً على الجنينة في مقبل الأيام!!
تبدلت اهتمامات وانشغالات الناس من شغف بكيف يتحقق الأمن وتطمئن القلوب.. وتتوقف حمامات الدم إلى المطالبة بتحسين مناخ الاستثمار وضرورة أن تنهض مصانع تحويلية بالجنينة لصناعة الشعيرية والطحنية والزيوت لتغطية احتياجات دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، بدلاً من الاعتماد على المصنوعات القادمة من الخرطوم، وطالب بعض المتحدثين في لقاء الفعاليات السياسية الذي استمر حتى الساعات الأولى من الصباح بإيقاف الدعم عن الخبز معتبرين سياسة الدعم غير عادلة ويستأثر بالدعم الأقلية من سكان المدن.. بينما الريف محروم من دعم إنتاجه.. ويقتصر الدعم على مزارعي القمح دون الذرة مع أن الذرة هو غذاء أغلب سكان البلاد.
وفي رده على أسئلة بعض قادة الأحزاب والفعاليات ومنظمات المجتمع المدني قال د.”فيصل” إن بعض الولايات لم تخرج متظاهرة لأنها استطاعت (معالجة) نقص الدقيق.
وعن الأساتذة الذين وقفوا احتجاجاً على الأوضاع من جامعة الخرطوم قال د.”فيصل” إن جامعة الخرطوم لا تختلف عن بقية الجامعات وأساتذتها مثل أساتذة جامعة الجنينة، ولا مبرر لتصنيف أنفسهم فوق الآخرين ولا أوصياء عليهم، وبالتالي الذين وقفوا احتجاجاً يمثلون أنفسهم ولا يمثلون كل أساتذة الجامعات، وطالب أهل دارفور بالتمسك بأمنهم الحالي.. واختيار من يمثلهم في الانتخابات القادمة بمحض إرادتهم.. وقال بعض المتحدثين في اللقاء إن مصير السودان لا يقرره أولاد شمبات وبري لوحدهم.. ونحن في الجنينة لنا رأي ومع بقاء “البشير” لدورة قادمة!! ولكن د.”فيصل” قال إن الذين تظاهروا في بري وشمبات (جاءوا) من أحياء أخرى وما شمبات وبري إلا مسرحاً فقط استغلته المعارضة..
ونواصل..