بكل الوضوح

من مفكرة نقابي سابق

عامر باشاب

{ مساحة بكل الوضوح أفردها اليوم للنقابي المعتق الأستاذ “السر أحمد عمر” منسق عام التنظيم الشيوعي في الفترة بين 1984م – 1990 الذي يبدو أنه بدأ في التوثيق لتجربته في العمل النقابي بالإضافة إلى ماضي ذكرياته من الحزب الشيوعية بعد أن تركها خلف ظهره. فإلى مضابط كلماته :
{ كانت الفترة التي جاءت بعد ثورة أكتوبر 1964م، فترة ازدهار للفكر الماركسي خاصة واليساري بصفة عامة، واستطاع العسكر الماركسي أن يستقبل المشاعر العامة المعادية للإمبريالية في فترة الستينيات ليمد نفوذه في شتى الأقطار التي كانت تزرع تحت نير الاستعمار الغربي، فكانت كل قيادات حركات التحرر الوطني قيادات يسارية وانزاح هذا النهج على كل النقابات بما فيها نقابات العمال هنا في السودان التي كانت تتزعم طبقات العمال الكادحة والتي عاشت ردحاً من الزمان في غشاوات هذه الأحلام الوردية.
وكنا نحن في المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللا سلكية في خضم هذا الضباب وما كنا بمنأى عن التأثير الشيوعي الماركسي الذي كما قلنا كان متغلغلاً في كل نقابات العاملين في السودان.
وكان العمل النقابي الذي نقوم به في المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللا سلكية عملاً حرفياً لا علاقة له بالأيديولوجية الماركسية التي كانت هي منهج الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في الفترة التي سبقت دخولنا للتنظيم، وفيما بعد تغيرت رئاسة الاتحاد، أو تقلص النفوذ الشيوعي فيها بعد مقتل “الشفيع أحمد الشيخ” في المحاولة الانقلابية التي حدثت عام 1972م، في أوائل العهد المايوي، وكنا عند دخولنا التنظيم على وهم كبير بأن هذا الحزب أو هذه الماركسية هي الحل الأمثل لإزالة معاناة الطبقات الكادحة، وهي المنهج المثالي الذي يمكن أن يضع البلاد كلها في رغد وتطور وتقدم، ولكننا بعد دخولنا في دهاليز هذا التنظيم اكتشفنا أموراً لم نكن نتخيلها، فوجدنا بأن التنظيم بأفراده وخلاياه لم يكن بالتنظيم المثالي الملائكي الذي كنا نظنه، ووجدنا أن هيكله على مستوى القاعدة وما فوقها كان محكوماً بأشخاص معنيين لهم الأمر والنهي في كل ما يتعلق بالعمل السياسي والنقابي، وبعد مرور أكثر من ست سنوات داخل التنظيم وصلت إلى قناعة أن هذا التنظيم لا يمكن أن ينجح في حل مشاكل الطبقات الكادحة، وأن كل ما كان يقوله عن المجتمع الذي تسود فيه طبقة العمال وتزول الفوارق الطبقية بين المجتمع ويحدث التقدم الهائل للدولة تحت حكم طبقة العمال لم تكن إلا أوهام وأحلام لا يمكن أن تتحقق في عالم الواقع – هذا بجانب أن الفكر الماركسي نفسه قد فشل في مسقط رأسه وأنكمش وأصبح كأي حزب سياسي معارض ومشاكس، كما هو حال الحزب الشيوعي في روسيا الآن، بالإضافة إلى تصريح دولته الكبرى وتفتتها وعودة الاستقلال إلى الدولة التي كان يهيمن عليها سابقاً.
أقول أخذت الغشاوة تزول من أمام أعيننا جميعاً، فما كان مني ومن غيري من العمال إلا أن نكون صرحاء مع أنفسنا، فتركنا الشيوعية خلف ظهورنا وأعلنا انسلاخنا الكامل عنه ضاربين بهذه الأوهام عُرض الحائط، وكانت الصدمة مؤلمة (الرفاق) واهتموا بي وسألوني عن سبب تركي للتنظيم فأوضحت لهم أن قناعتي بالمبدأ الشيوعي قد تلاشت وأنني لم اعد أؤمن بجدوى الشيوعية في إنقاذ الكادحين والطبقات العاملة مما تعانيه، وأنني قررت أن أشق طريقي بعيداً عن أوهام الشيوعية وتخرصاتها، وأن أبحث عن منهج يتفق مع فطرتي كمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.
وبعد أن تأكد لدى الجهة التنظيمية المسؤولة عني في منطقة السجانة والديم بعدم جدوى محاولة إقناعنا للعودة للتنظيم، بدأت الحرب النفسية الشرسة ضدي خاصة بعد أن أحلنا للصالح العام وأصبحت حراً في عملي واتخذت كشكاً أعمل فيه في منطقة الخرطوم وسط غرب حديقة القرشي، فكان الرفاق يأتون إلى الموقع ويقومون بحركات استفزازية في تسيير أمورها، أو أسلوب الحياة لإنقاذ الضعفاء والكادحين والمسحوقين من براثن قوى الشر التي تهيمن على كل مفاصل الدول خاصة في عالمنا الثالث، بل في العالم كله وأن تفاوت الأمر من دولة لأخرى ومن منهج حكم لآخر – ولكن الشيوعية كما عرفنا هما أشر أنواع الهيمنة والاستعمار لأنها في الأساس لا تؤمن بوجود إله رحيم رءوف جعل الرحمة صفة من صفاته ووعد لمن يرحم من في الأرض برحمته التي لا تنقطع في الدنيا والآخرة.
السر أحمد عمر
نقابي سابق بالمؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللا سلكية

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية