تعديل الميزانية
القرار الصادر من رئيس الجمهورية يرفع الحد الأدنى للأجور إلى (425) جنيه طبقاً لإعلان البروفيسور إبراهيم غندور رئيس اتحاد نقابات عمّال السودان بعد اجتماع مطول مع الرئيس غاب أو غُيّب عنه السيد علي محمود وزير المالية أضفى ابتسامة مؤقتة على محيا قطاعات عريضة من العاملين في القطاعات الحكومية مدنيين وعسكريين وباتت الميزانية التي أجازها المجلس الوطني الشهر الماضي في انتظار تعديل كبير في بنودها لمواجهة الاستحقاقات الجديدة الواجب الوفاء بها.
وزير المالية الذي رفض زيادة الأجور وتصدى للدفاع عن قانون أجازه مجلس الوزراء ثم البرلمان ولكن الجميع (اعتبروه) شأناً خاصاً بوزارة المالية ولم يواجه البرلمان أو مجلس الوزراء عاصفة نقابات العمال التي قادها البروفيسور غندور بحنكة ومهنية عالية وتحيز كامل لقطاعات البؤساء والفقراء حتى أصبح غندور نجماً لآخر ساعات العام الماضي.. وكاد أن يصبح بطلاً لولا أننا في عصر مات أبطاله قديماً ولم تبق غير الأشباح والصور.. حيال ما حدث من تعديل في الميزانية بقرار من الرئيس فإن وزير المالية (رجله في عنقه) سيُقدم تعديلاً جديداً لقانون الاعتمادات المالية والرجل يبدو أمام خيارات محدودة وصعبة جداً لمواجهة استحقاقات مصروفات الدولة من تعديل في الأجور وحرب (تستنزف) كل الموارد وهياكل حكم (تضخمت وبنود صرف (تمددت) وطموحات شعب لا سقف لها!
هل يتّجه وزير المالية لرفع الدعم عن الوقود والمحروقات كخيار أول له تبعات في الشارع العام لما يترتب عليه من تصاعد في أسعار السلع بلا استثناء وزيادة تعريفة النقل وبذلك تضع الدولة أعباءً ثقيلة أخرى على أعناق شعب هده التعب ونال من قواه الفقر.. أم تتجه المالية لإجراءات أخرى بخفض الإنفاق على الصحة والتعليم والقطاع الأمني والسيادي حتى تفي باستحقاقات التعديل الجديد على مشروع الموازنة.
إذا لجأت المالية لزيادة أسعار المحروقات.. وهذا الخيار الصعب طرحه وزير المالية من قبل ووجد مقاومة ورفضاً شديداً من البرلمان والصحافة والرأي العام، فإنّها ستضع حكومتها في (المحك) وتسير بها على حافة الهاوية فالشارع العام قد يثور إذا بلغت الروح الحلقوم وفقد الناس الأمل في الإصلاح وتحسن الأوضاع، ولكن أمام المالية خيارات أخرى ولكنها خيارات سياسية وليست اقتصادية أن تتجه الحكومة نحو (تجفيف) منابع الدم بوقف الحرب في المنطقتين ودارفور والإقبال على تسويات مع الجارة الجنوبية بأخف الأضرار وفي هذه الحالة يمكن الاستفادة من (وفورات) المال الذي خصص في الميزانية لمواجهة الحرب.
الخيارات التي أمام المالية جميعها صعبة جداً ويحتاج إنفاذها لإرادة حقيقية وتماسك جدي لمكونات الحكومة وإقلاع عن (المشاحنات) التي (صبغت) أداء وسلوك الحكومة في نهايات العام الماضي والتراضي على برنامج إسعافي لإنقاذ الاقتصاد من محنته الحالية بعد أن أصبحت المعالجات الجزئية لا تجدي نفعاً والمُسكّنات ضعف مفعولها لجسد أضناه التعب!