أبناء الإسلاميين (2)
نجحت المعارضة بالجامعات في إحكام سيطرتها على المنابر السياسية والثقافية، وانشغل طلاب الإسلاميين بالأنشطة ذات الطبيعة الدعائية.. وجفت المنابر من الخطباء.. والمتحدثين، وبات طلاب الاتجاه الإسلامي في الجامعات يستجدون الوزراء وقادة الحزب.. للحديث في الندوات داخل الجامعات، ولكن قادة الإسلاميين شغلتهم السلطة عن مسؤولياتهم (التنويرية) والتثقيفية.. ونضب معين بعض القيادات وفقد الإسلاميون نجوماً في الساحة الطلابية مثل “ابن عمر محمد أحمد” و”حسين خوجلي”.. و”المحبوب عبد السلام” وآخر الخطباء جيل حاج “ماجد سوار” و”ماجد يوسف”.. وأنجبت تجربة الإنقاذ أجيالاً يغلب عليها الجانب (العملي) وتفتقر إلى النظري، وتأثر الخطاب الإسلامي بالثقافة العسكرية ومفردات القتال.. وفشلت النخبة التي تقود الإسلاميين بعد رحيل المفكر “الترابي” في تقديم دراسات علمية موضوعية لواقعها ومستقبلها كله، أو حتى بعضه واعتبرت الأعمال النقدية والتقويمية خيانة وتم إهمال البحث العلمي ولا تجد في جدول أعمالها إلا الشغف بالمؤتمرات الشكلية وبعض الحركة الارتجالية والتأليف السطحي، وأنصب جهدها في كيفية حماية نظامها واستدامة وجوده الوظيفي.. وليس وجوده الفكري والثقافي في ساحات الطلاب والمهنيين.
إذا كان “محمد نافع علي نافع” قد جهر بصوته عالياً وسط الإسلاميين منتقداً الأوضاع حتى في وجود والده، اعتبر البعض أن يقول “محمد نافع” قناعاته بمثابة شهادة في غير صالح والده، ومثل “محمد نافع” مئات الشباب الرافضين لمنهج الحُكم وغياب الرؤيا، فلا عجب أن خرج بعضهم مع المتظاهرين رافضين لما يحدث في الساحة.. بل المعارضين في الجامعات يمارسون إرهاباً فكرياً وقطيعة اجتماعية لمن يقف مسانداً للنظام، وبات وسط الشباب من لم يعارض السُلطة (خائناً) يستحق المقاطعة.. والحرمان من مجالس الأنس الطلابية.. وفي مثل هذه المناخات والأرض المبتلة بالماء فإن انطواء بعض أبناء الإسلاميين للأحزاب اليسارية أو السير في ركبها أمراً غير مثير للدهشة مطلقاً.
من جهة أخرى فإن الشباب الذين وصفهم “صلاح قوش” في حديثه لضباط جهاز الأمن بمنطقة الخرطوم بأنهم أبناء الإنقاذ وينبغي الالتفات الجاد لقضاياهم الحقيقية ومطالبهم الموضوعية، هذا القول ينبغي قراءته من غير تسرع مخل وتأمل أبعاد مثل هذه الاعترافات.. التي جاءت من أحد قيادة التيار الإسلامي (المستنير) قيل إن موقعه الوظيفي في الدولة، فقضايا الشباب ليست مجرد وظائف في الخدمة العامة ولا أندية مشاهدة ومقاهي لـ(الشيشة) على شارع النيل.. وإلغاء لقانون النظام العام أو تعديله، القضايا الحقيقية سياسية وفكرية واقتصادية وثقافية.. الشباب يحلمون بدولة عصرية لا يقهر فيه صاحب رأي ولا تنتهك فيها حقوقاً.. ولا تمارس السلطة رقابة على المطبوعات وتفتح أبواب المشاركة للجميع، وقبل كل ذلك أن تغذي الحكومة شرايين الساحة الوطنية بالآمال وأن لا تسود خطابات الوعد بالقتل وإراقة الدماء، وهذا الجيل من الشباب ينظر لمستقبله بعيون مفتوحة.. ومن جهة ثالثة فإن مشاركة أبناء القيادات في الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية يشير أيضاً لوجود شريحة من الحاكمين تعاني مثلما يعاني كل الشعب، وليس كل وزير ومسؤول في الدولة يعيش الحياة المترفة ويسكن مساكن الذين ظلموا أنفسهم!!