(المجهر) في زيارة خاصة لمنزل الزعيم "الأزهري" 2
الزعيم “إسماعيل الأزهري”، له مكانة خاصة محفورة داخل ذهنية كل فرد سوداني، ارتبطت بالتضحية والنضال وحب الوطن، ومن ثم بتاريخ السودان الذي وثق لمشروع الرجل القومي إلى أن جاء باستقلال نظيف، أو كما قال الزعيم (جئنا باستقلال نظيف لا فيهو شق ولا طق). بعد رحيله درج السودانيون على إحياء مآثر الزعيم كلما مرت ذكرى استقلال السودان، والاحتفاء في منزله بأم درمان، حيث يتدافع الناس بصورة عفوية إلى هناك. هذه المرة وقبل أن تحين الذكرى استبقت (المجهر) هذه الذكرى بزيارة خاصة إلى أسرة الزعيم “إسماعيل الأزهري” للاستماع إلى ما بقى في الذاكرة من روايات وأشجان وأحداث ومشاهدة إرهاصات ما قبل الاحتفال بالعيد (57) للاستقلال.
تحركنا مساء (الجمعة) حسب المواعيد المضروبة، وجدنا الأسرة في انتظارنا، وبوابة المنزل مفتوحة كالعادة، لكن قبل أن نبتدر الحوار دخل معتمد أم درمان ومعه طاقم إعلامه، وعندما استفسرنا بنت الأزهري “جلاء” قالت إنها زيارة راتبة اعتادت الحكومة في مثل هذه الأيام الدفع بمعتمد أم درمان للتحية ومباركة العيد للحاجة “مريم مصطفى سلامة” زوجة “الأزهري”، وبالقرب منا كان هناك شباب يترنمون بأناشيد الاستقلال وحركة دؤوبة داخل المنزل، قالوا لنا الغرض منها التحضير للاحتفال بيوم الاستقلال.
كان الجو معتدلاً، والخضرة والنجيلة من حولنا، والشاي والبلح والماء، كل شيء كان كما يريدون ونريد، قالوا لنا فيما سيدور الحوار؟ قلنا هي زيارة خاصة وونسة، نتناول فيها سيرة الزعيم السياسية والاجتماعية. الجلسة ضمت “جلاء إسماعيل الأزهري” السياسية المعروفة، وابنها القادم من بريطانيا “لؤي عبد الرحيم” حفيد الزعيم، وزوج بنت الأزهري “سمية” الأستاذ “الفاتح حمتو”، وعمنا “السر الرفاعي” الذي تربطه علاقة خاصة بالأسرة و”الأزهري”، تحتفظ ذاكرته بحكاوٍ استثنائية توثق لكل شيء في حياة “الأزهري”، بساطته وحبه للوطن، وعلاقته بالمستعمر، ورؤيته للجنوب وحكم السودان متعدد القبليات والإثنيات. حاولنا الدردشة مع الحاجة “مريم”، لكن لم تسمح الظروف بذلك، فكتفينا برد التحية وبقراءة عامة لاحظنا أنها مازالت منفعلة بذكرى الاستقلال.
“الأزهري” كان يستمع للموسيقى ويهوى السباحة
رغم طول الفترة، لكن تبقى في الذاكرة أشياء جميلة، من الأشياء العالقة بذاكرتنا عن والدنا “الأزهري”، إنه كان إنساناً منظماً وصبوراً، يستقبل زواره بصدر رحب، وكان إنساناً يتسم بالهدوء والبساطة، نحن تعلمنا منه احترام الآخر، هكذا حدثتنا ابنته “جلاء” وهي تمضي وتقول: أذكر أنه يظل في المنزل فترات قصيرة، وأغلب الوقت يخصصه لأسرته الكبيرة، وهي الشعب، عندما يعود في أغلب الأحيان يجدنا نيام.
كيف يحتفل الزعيم بيوم الاستقلال؟
سألنا “جلاء” عن كيفية احتفاء “الأزهري” بيوم الاستقلال، قالت: الاحتفال يتم بصورة بسيطة، يتوافد الناس إلى منزلنا للتهنئة، ونقوم نحن بتقديم الشاي والبلح، وأذكر أن الوفود تستمر في التوافد طوال يوم الاستقلال، وإذا كانت هناك احتفالات خارج المنزل يشارك والدي فيها، ونظل نحن في استقبال الضيوف من الخرطوم والأقاليم. كان الزعيم يبدأ يومه عادة بقراءة القران والاستماع إلى المذياع، ومغرم بالأناشيد الوطنية، ويستمع إلى الموسيقى الهادئة، وفي جامعة (بيروت) كان رياضياً يهوى السباحة.
* الزعيم اختار اسم “جلاء” قبل ولادتها
وحول علاقاته السياسية والاجتماعية، أكدت “جلاء” أن الأزهري رغم مشغولياته كان لا ينقطع عن المناسبات الأسرية والرسمية، ويخصص وقت الظهر والعصر(للفاتحة) إذا كان هناك مأتم، أو للمشاركة في مناسبات الزواج، وكان لا يميز في اجتماعياته بين الشخصيات المسؤولة والعاملين في القطاعات المختلفة، قلنا لها لاسم “جلاء” دلالات أليس كذلك؟ فردت: أنا ولدت في نوفمبر 1955م وصادف يوم جلاء آخر جندي بريطاني، وكانت الوالدة تتهيأ لاستقبال مولودها، وقتئذ الزعيم “إسماعيل” قال المولود القادم إذا كان ذكراً أو أنثى سيكون اسمه “جلاء” رمزاً لجلاء المستعمر من السودان، وهنا تداخل العم “السر الرفاعي” الذي تربطه علاقة صداقة قديمة بأسرة “الأزهري” وأحد الحضور، مشيراً في بداية حديثه للعلاقة التي ربطته بـ”إسماعيل الأزهري”، وصفها بأنها علاقة أسرية قديمة، وتواصل لم ينقطع، وأنا منذ أن تفتحت عيناي على الحياة وجدت نفسي في بيت الزعيم، وكذلك أخي الكبير “أحمد حسين الماحي” والدنا قال للناس ( أنا هديتو للرئيس ما تسألوا عنه)، ولهذا السبب أصبحت علاقتي سياسية روحية أسرية إسماعيلية، ولا تنسوا أن “الأزهري” هو(إسماعيل الولي) “إسماعيل الأزهري إسماعيل سيد أحمد الأزهري”، ولهذا السبب نحن تربينا وترعرعنا على كل شيء يحدث في هذا البيت وخارج البيت وفي السياسة وخارجها. بعد ذلك توجهنا بالسؤال إلى حفيد الأزهري ابن “جلاء” الأستاذ “لؤي عبد الرحيم” وهو مقيم ببريطانيا وموجود بالسودان في إجازة، و”لؤي” يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويهتم بالسياسة كما الحال بالنسبة لوالدته “جلاء”
حفيد ” الأزهري” “لؤي”: بحثت عن سيرته في بريطانيا
سألناه إن كان قد حاول التوثيق لسيرة جده “الأزهري”، فقال هناك عدد من الناس سبقوني في هذا المجال، وأنتجوا كتباً متميزة عن الزعيم حوت سرداً دقيقاً، وبالنسبة لي يبقى التوثيق هو توثيق نفسي في عقلي، من خلال ما أطلعت عليه وما سمعته وقرأته تأكد لي أن أي شخص لديه حدث مختلف مع “الأزهري” عن الشخص الآخر، لذلك أصبح التوثيق بالنسبة لي توثيقاً كاملاً يشمل ما كُتب في الكتب، وما تحفظه ذاكرة الناس، وقال قابلت شخصاً في (بريطانيا) حدثني عن أن جدي مازال يحتفظ بورقة مروسة تحتوي على (دين طالبوا) الأزهري لـ(10) مزارعين بمشروع الجزيرة، وكان عبارة عن (50) جنيهاً من كل مزارع، وهذه الرواية لأول مرة أسمعها وسمعتها في الخارج.
قلنا له أنت الآن موجود في البلد الذي استعمر السودان، هل حاولت البحث عن سيرة السودان في (بريطانيا)، أكد لنا “لؤي” أنه حاول تتبع السرد التاريخي، وهناك جهة تملك تفاصيل تاريخية حاول الاتصال بها، لكن في (بريطانيا) لابد أن تلتزم بالهدف الذي من أجله حضرت إلى (بريطانيا)، إذا كان دراسة لا يكون مسموحاً لك بالدخول في مسارات أخرى، حتى إذا قلت أنا حفيد الأزهري، وأريد الإطلاع على ما كتب عن تاريخ السودان. وهناك منطقة في (شمال بريطانيا) لم يسعني الزمن للذهاب إليها، كذلك حاولت الذهاب إلى مكتبة الوثائق البريطانية، لكن مع تفجيرات 2011م أصبح من الصعب جداً الحصول على إذن دخول، إلا بعد إجراء عملية فحص دقيق، لاسيما أن مسألة التفجيرات أصبحت مرتبطة بالخرائط التاريخية والوثائق والفحص يتطلب زمناً.
“جلاء” ترد على “وصال المهدي”
انتقلنا إلى “جلاء”، والسؤال كان حول حديث “وصال المهدي” لصحيفة (المشهد الآن) الذي قالت فيه إن “الأزهري” هدفه كان الوحدة مع مصر وليس الاستقلال، والإمام “عبد الرحمن” لعب دور كبير جداً في استقلال السودان، والتاريخ ظلمه، فقالت: لا نود تفنيد كلام الآخرين، والحقيقة التي نعلمها ويعلمها عمنا “السر الرفاعي”، وموثقة في مذكرات “أبو حسبو” رحمه الله و”محمد سعيد” هي في البداية كان هناك فعلاً توجه للإتحاد مع مصر، على أساس أنها خطوة إستراتيجية لما بعد ذلك، ويمكن أن نسميها فكراً ثاقباً يسبق الأشياء، لكن بعد قيام الزعيم بجولة شملت كل السودان، قرأ فيها رأي السودانيين في ذلك الوقت، ووجد أن الأغلبية ترجح الاستقلال، انحاز بعد ذلك للرأي الغالب، وأعلن استقلال السودان من داخل البرلمان، هذه هي الرواية التي نعلمها وموثقة تاريخياً في الكتب، وهنا قاطعها العم “السر الرفاعي” مذكراً أن هناك دراسات عملت وأسئلة قدمت من شاكلة (يا إسماعيل كيف ستعملون الإتحاد مع مصر) وتكررت الأسئلة من (5) اتجاهات ومن الزعامات والناس، و”الأزهري” رجل ديمقراطي فقال لهم إتحادنا مع (مصر) اتحاد الند للند والمستقل للمستقل والحر للحر والسيد للسيد، وعادت “جلاء” لتقول إن هذا الحديث لا يجعلنا ننكر أن الإمام “عبد الرحمن” والآخرين من الزعماء، كان لهم دور ويد في عملية الاستقلال، وهذا يعني أن هناك مجموعة من الأشخاص تعاونوا لإنجاز عمل.
المصريون ذهبوا للجنوب لضمان الإتحاد مع مصر
من جانبه كشف “السر الرفاعي” عن عمل كبير قام به المصريون آنذاك لأجل الوحدة وجر الجنوب عليهم من خلال ذهابهم إلى الجنوب، أردوا بهذا العمل أن يضمنوا موضوع إعلان الإتحاد مع مصر، وهذا العمل كان مؤثراً، ثم حدثت أحداث الجنوب الدامية، وبعض الناس اقترحوا على “الأزهري” إعدام من قاموا بهذا العمل، لكن “إسماعيل” ذكرهم بوجود العدالة والقضاء، وقال لهم: (نحن نريد معالجة المشاكل حتى يخرج المستعمر من السودان).
ووفقاً لرواية “لؤي” مستنداً على الأشياء المذكورة في الوثائق، أن آخر اجتماع لـ”الأزهري” كرئيس وزراء في الحكومة الانتقالية للاستقلال (الحكم الذاتي)، ذكرت المحاضر أن “الأزهري” عندما زار (بريطانيا) في تلك الفترة وجلس مع رئيس الوزراء البريطاني، كان الحديث عن استقلال كامل وليس وحدة مع (مصر)، لأن البريطانيين كانوا معترضين على موضوع الوحدة مع مصر، وهذا كان قبل نزوله إلى الشارع واستطلاعه لآراء الشعب، وبعد ذلك بنى الاستطلاعات على ما تم من حديث مع البريطانيين، ليس لدى محضر لكن يمكن أن يوجد هذا في الأرشيف البريطاني – والحديث للؤي – وعن صيغة الاحتفال قال: هناك أشياء طبيعية، تتم زيارة ضريح الرئيس “الأزهري” وما إلى ذلك، لكن الشارع يريد سماع الرسالة السياسية القوية، ويعتقد أننا ظللنا ثابتين في مكاننا.
“السر” يعتقد أن ذكرى الاستقلال ليست شيئاً نمطياً، إنما للدين ضحوا وماتوا في سبيل الوطن، وتركوا لنا المبادئ والفكر والحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر والذكرى لهذه المدرسة التي تربينا على مبادئها ووفاء للذين ضحوا بأجسادهم والطريق الذي رسموه.
علاقة الأزهري بالمستعمر
وحول طبيعة العلاقة مع المستعمر والمغالطات التاريخية التي تتحدث عن علاقة بعض رموز الأحزاب به، قال “السر” ليست لدينا فكرة للتعامل مع المستعمر، أبداً شوفوا الذين تعاونوا معه وقدموا لهم هذا السؤال، وتدخلت “جلاء” رداً على هذا السؤال: أقول نحن لا نجيب نيابة عن الآخرين، إنما نجيب عن الاتحاديين، الاتحاديون لم يتعاونوا مع المستعمر وما عندهم علاقة، ودلفت إلى ذكر تفاصيل حادثة وقعت آنذاك توضح طبيعة العلاقة بين الزعيم والمستعمر، وقالت “الأزهري” كان لا يدخن السجائر، وكان التدخين ممنوعاً للأساتذة في كلية “غردون”، وكان المفتش الإنجليزي يدخن، “إسماعيل الأزهري” لا يدخن، لكن أراد أن يرسل رسالة للمفتش وللأستاذ الانجليزي فقام وأشعل سجارته، وهنا كانت رسالة الند للند والإرادة الحرة، شخص أراد أن يقول (أنا وأنت واحد)، وكرر “الأزهري” هذا الشيء، والإنجليزي عرف أن “الأزهري” لا يدخن، لكنه أراد كسر هذه القاعدة والأوامر التي تمنع التدخين في هذا المكان إلا للإنجليز، هذه هي الحرية والديمقراطية التي نادى بها الرئيس “إسماعيل” (الحرية نور ونار، ومن أراد نورها فليصطلي بنارها، وقال طريقنا وعر حتى يخرج المستعمر)، وأكد للشعب أنهم جاءوا باستقلال نظيف مثل صحن الصيني (لا فيهو شق ولا طق) و(الآن السودان مليان شقوق وطقوق وهنا ضحك الجميع).
وفي السياق جزم “السر الرفاعي” بعدم وجود علاقة بين الأزهري والبريطانيين عندما قال: حينما كان الناس يتابعون جلاء أخر دفعة للمستعمر من السودان جاء أشخاص إلى “الأزهري” وقالوا له حديثاً عن النواب في إشارة إلى أنهم يتحركون في إتجاهات ربما تقود إلى إسقاط حكومته، فرد “الأزهري”: (خلو قطار الخواجات يتحرك من السودان، وبعد ذلك لو سقطت الحكومة ما في مشكلة لأنها ستأتي بسوداني)، ومضى يستشهد بحدث آخر حينما قال ذات مرة جاءه المفتش البريطاني ليبلغه بقرار نقله إلى (حنتوب)، فأجابه “الأزهري” (حنتوب حنتوب لكن (مش) حنتوب)، كذلك عندما اعتقل عقب مشاركته في تظاهرات حكى لنا آنذاك مدير سجن أم درمان عمنا “رحمة الله” أن “الأزهري” كان يقول لنا قبل أن تعطوا المعتقلين الزلابية، أعطوا المفتش(زلابية وشاي)، هذه الشواهد تدل على طبيعة علاقته بالمستعمر.
من هن بنات الزعيم؟
سألنا “جلاء” عن بنات “الأزهري”، فأشارت أن للزعيم خمس بنات هن: “آمال” متزوجة الدكتور “معتصم حبيب الله الحسن” ويقيمان بـ(الإمارات)، والدنا كان يكنيها بـ(آمال السودان) ويقول ستنجب من يزيل الجهل والألم من البلد، “سامية” زوجها الأول كان “عثمان أمين” رحمه الله، والثاني كابتن “حسن شريف”، “سمية” متزوجة السيد “الفاتح حمتو”، “سناء” مقيمة بأمريكا زوجها “كمال جعفر حسون”، وشخصي الضعيف وزوجي بروفيسور “عبد الرحيم السيد كرار” الشهير بـ”برعي”، وابن الزعيم الوحيد هو المرحوم “محمد الأزهري”. قلنا لها من منكم تأثر بالزعيم، فقالت: “محمد” كان نسخة من الوالد في طبائعه وعاداته، كما ورثنا جميعاً حب الناس، ومنذ نشأتنا وجدنا البيت مفتوحاً والناس حولنا والسياسة كذلك تجري في دمائنا كلنا، أنا عندما كان عمري (3) سنوات كنت أقوم بتوزيع البلح على المجتمعين ويعرفونني كلهم، والزعيم كان يحرص على أن نكون مجاملين ومحترمين لكل الناس.
قلنا لـ”جلاء” ما هي الوصية التي تركها “الأزهري” للبيت الكبير؟ قالت: أبقوا عشرة على الأمانة هي السودان، والحاجة زوجته “مريم”، ومضت تحكي في مآثرها: والدتنا ناضلت وأسهمت في مسيرة الزعيم السياسية والاجتماعية، ووقفت إلى جانبه وكانت الشخص المباشر لخدمة ضيوفه وترتيب حاجاته، وكثيراً ما تحكي لنا عن بساطة الزعيم وتواضعه وانشغاله بأسرته الثانية (السودان) لدرجة أنني – والحديث لجلاء – عندما وضعتني أمي في نوفمبر 1955م “الأزهري” لم يكن موجوداً كان مشغولاً حينها باحتفالات، لكن قبل ولادتي قال هذا المولود إذا كان ذكراً أو أنثى سيكون اسمه “جلاء” تزامناً مع جلاء آخر دفعة من الجنود البريطانيين.
ماذا عن آخر احتفال حضره الزعيم
ثم انتقلنا إلى كيف كان شكل أخر احتفال حضره “الأزهري” ومتى؟
“جلاء” أشارت إلى أن أخر احتفال بالاستقلال حضره “الأزهري” كان في يناير 1969م وعمرها آنذاك (12) عاماً، وبعد ذلك حدث انقلاب “نميري” منهياً أخر عهود الديمقراطية. وقالت الجزئية الأولى من الاحتفال كانت في المنزل كما درجت العادة مفتوح لكل الشعب السوداني، وبعدها ذهب الزعيم إلى القصر لاستقبال ضيوفه وعمل المراسيم التقليدية الرسمية. وتحدثت كريمته عن أن الرئيس “إسماعيل الأزهري” لم يرحل عن منزله أبداً طول الفترات التي حكم فيها السودان رغم أن كل الأماكن كانت متاحة له، لكنه فضَّل البقاء في بيته.
وحول حزنهم على إنفصال الجنوب والتعبير عن ذلك بالسواد أكدت “جلاء أنهم عند انفصال الجنوب شعروا كأن جزءاً من جسمهم قد تم بتره، لكن قالت رغم حزننا قلنا الانفصال لا يعني أننا شخصان منفصلان، ولا يعني أننا لا نريد الحرية لإخواننا الجنوبيين، وإنما نتمنى أن ينموا بلدهم ونحن مستعدون لذلك، وبالمقابل نتمنى أن يعود السودان موحداً شماله وجنوبه ولو بعد حين. العم “السر الرفاعي” أكد بدوره أن قناعة الزعيم ورؤيته لحكم السودان كانت أن يأخذ كل ذي حق حقه (شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ووسطاً) على نطاق السودان الموحد.
إختتمنا اللقاء برسائل طلبنا من “جلاء” إرسالها لمن تشاء، فقالت: الرسالة الأولى للشعب السوداني، نتمنى له الخير ونقول له ربنا يفرجها.
الرسالة الثانية نتمنى من القائمين على أمر البلد، وقف الحروب والأسباب التي تؤدي للفرقة والتشتت.
وفي السياق تمنى “السر الرفاعي” أن تعم الديمقراطية، وبحسب السر أن هناك (نوافذ) بدأت تفتح للديمقراطية، وأن تفتح أبواب وكباري وتعم كل السودان حتى يعبر أي فرد بحرية تامة.
“الأزهري” كان يواظب على مطالعة كاريكاتير “عز الدين”
وعلى ذكر الديمقراطية، أشارت “جلاء” إلى أن “الأزهري” كان يدعو لها وتمثل مسلك حياته ويسمح بها لكل فرد، والدليل على ذلك أنه كان يواظب على مطالعة كاريكاتير “عز الدين” بصحيفة (الأيام) آنذاك، بل يطلب هذه الصحيفة في كل صباح، ويقرأ الكاريكاتير الذي عادة ما ينتقده ويضحك، وكانت الحاجة والدتنا “مريم مصطفى سلامة” تسأله كيف تضحك على كلام شخص ينتقدك وأنت رأس دولة، فقال لها: هؤلاء أبناؤنا إذا لم نسمح لهم التعبير بالطريقة التي يريدونها وفي بلدهم، أين سيعبرون، هذا يدل على أنه كان يحترم الصحافة والرأي الآخر، هذا الاحترام جعله يستمتع بالكاريكاتير المنتقد له، وكان يتقبله بصدر رحب، ولم يغير في طريقة إدارته للحكم.