هنالك تشويش واضح من قبل حكومة الإنقاذ حول موقفها من تطبيق روشتة رفع الدعم عن السلع الأساسية أو بعضها على المواطنين! تارة تقول دائرة نافذة في الحكومة إنها ربما ترجع إلى صيغة رفع الدعم في التوقيت الذي يسمح بذلك، بينما تؤكد أجنحة أخرى في الحكومة بأنها لن تطبق سياسات رفع الدعم مهما كانت الظروف والتعقيدات.. من نصدق؟.. ولماذا هذا الاضطراب الدائم في هذه النقطة الجوهرية والحساسة؟.. بل بأي منطق ترتكز الفلسفة الحكومية التي تضن على الشرائح الغنية الاستفادة من مكتسبات رفع الدعم بحجة تمتعهم بالبحبوحة المالية؟ وهم أكثر الفئات التي تقدم للدولة الضرائب والجبايات المالية.
فلسفة الروشتة القديمة والوصفة القاتلة تقوم على أن رفع الدعم يساعد على تقوية ميزانية الدولة، ويقوي الإنتاج ويحفظ المدخرات الحكومية من الامتصاص، وبذلك يتعافى الاقتصاد بالتدرج والواضح أن هذه الروشتة الكلاسيكية جربها بعض وزراء المالية في الحكومة، حيث قاموا برفع الدعم على العديد من السلع بمستوى مقدر، فكانت المحصلة تدهور مريع في الاقتصاد الوطني وغليان خطير في ضروريات الحياة، باستثناء فترة تصدير البترول للخارج.. يقول البعض إن الحكومة بعد أن تهدأ عواصف الاحتجاجات لن تحتمل الدعم الحكومي الذي يصل إلى مبلغ (35) مليون جنيه في اليوم للرغيف، وأنها قد تتنصل من ذلك من خلال مصفوفة جديدة تخفض الدعم أو تبتكر معالجة قاسية على المواطن، وبذات القدر ربما تفكر الحكومة على رفع الدعم عن الوقود من خلال صيغة تقوم على تقنين وتعميم نظام الكروت وإمكانية فرض أسعار تجارية على الأغنياء، فالشاهد أنه تم تطبيق هذه التصورات فإن الأوضاع سوف تزداد كارثية وقتامة على الجمهور المسكين، فالوصفة القاتلة في كل تجربة يتضح عدم فاعليتها وبؤسها وضعفها، وأنها تمثل حلاً للسُلطة المفلسة من الإبداع والمعالجة الحياتية في أي مكان.
من الواضح أن الوضع الاقتصادي في بلادنا الآن على مفترق طرق.. إما التوغل في دهاليز الفشل والهلاك أو الخروج من عنق الزجاجة، وفي ثنايا هذا الموقف الملحمي يداعب خيال الإنقاذ إمكانية معالجة الإشكالية الاقتصادية بأسلوب رفع الدعم كحل سريع ومتاح ومجرب، لكنه يرتكز على الكلفة الباهظة والفاتورة الثقيلة.. وأغلب الظن أن الإنقاذ بعض ظهور الاحتقان الواضح في الساحة السياسية سوف تفكر كثيراً في تطبيق صيغة رفع الدعم الكارثية، سيما وأن الدول التي راهنت على هذه الصيغة شربت المقلب واكتسبت غضب الشعوب.. بناءً على هذه المعطيات يترائى أمام الإنقاذ أن السُم القاتل موجود في رفع الدعم، وبذلك سوف تتعامل السُلطة بكثير من الحذر والتحوط في تبني هذه الصيغة البالية التي أضرت بالعديد من الحكومات والشعوب على صعيد القارة الأفريقية والدول الآسيوية وبعض الأقطار الأوروبية، وأمامنا ما فعلته روشتة صندوق النقد الدولي مع اليونان وتركيا ونيجيريا والجزائر، فقد حولت العُملات الوطنية في هذه الدول إلى أوراق باهتة لا قيمة لها في سوق البورصات والمضاربات والتعامل النقدي، ومهما بلغت فوائد رفع الدعم في أي دولة فإن مستواها سيكون على شاكلة قفزة الضفدعة وهو مستوى يتصف بالضحالة والقصور ولا يقدم المستحقات الإيجابية في دنيا الاقتصاد والحياة المعيشية لأي قطر في هذه المعمورة.