من جوبا.. وقائع رفع العلم على لسان شاهد عصر
في ذات اليوم واللحظة التي تم فيها رفع العلم السوداني في صبيحة 1/1 /1956م بالعاصمة الخرطوم إيذانا بشروق شمس الاستقلال، كانت في الجانب الآخر مدينة جوبا بجنوب السودان وقد خرج أهلها من جنوبيين وشماليين، عسكريين وقيادات الخدمة المدينة، يحتفلون برفع العلم من أمام مبنى المديرية. وكان مشهد الناس وهى فرحة سمة ذاك الاحتفال الذي توافد إليه المواطنون.. العم “علي عبد الله علي” الملقب بـ”كركوري” كان شاهداً على العصر، فقد كان قائداً لموكب الاستقلال في جوبا وهو يتقدم بعربته العسكرية (الاسكودا) الإنجليزية الصنع ضمن سرية المساعدة التابعة لسلاح النقل، العم “كركوري” الذي التحق بالعسكرية في العام 1947م حكى لنا تفاصيل تلك اللحظات بعد (75) عاماً مضت في حوار قصير جسد لنا ذاك اليوم من موقع الحدث، ويظهر في الصورة والعربة المراسمية التي يقودها في المقدمة وعلم السودان يرفرف أمام مبنى المديرية بعد رفعه.
{ مراسم رفع علم السودان في مدينة جوبا
يحدثنا العم “علي”: في 1/1/1956م وهو نفس اليوم الذي تم فيه رفع العلم السوداني في احتفال كبير بالخرطوم بعد جلاء الإنجليز، كانت جوبا تحتفل برفع العلم، وقد جرت نفس المراسم هناك، حيث تجمع المواطنون، جنوبيون وشماليون وقيادات وأعيان، أمام مبنى المديرية بجوبا بالقرب من جبل (نقوشد).. ويمضي إلى أن مدير المديرية “علي بلدو” وهو من أبناء الأبيض، وقائد المنطقة العسكرية وقتها اللواء “الطاهر عبد الرحمن” كانا في ذلك الاحتفال، وقام “بلدو” بأخذ التحية العسكرية من القيادة العسكرية، ثم قام برفع العلم السوداني في السارية وإنزال علم الإنجليز، وتم تسليمه لممثل بريطانيا الذي شهد الاحتفال.
{ لحظة رفع العلم
يقول العم “علي” إن الجميع كانوا فرحين في تلك اللحظة، وبكى البعض من شدة الفرح، وقد عبر الجنوبيون عن فرحتهم بطريقتهم الخاصة وهم يرقصون على أنغام آلاتهم المحلية.
{ قصة الصورة
بعد انتهاء الاحتفال الذي أقيم أمام مبنى المديرية، ونحن في طريقنا إلى النُزل (الاستراحة) نادني شخص- والحديث للعم “علي كركوري”- وعندما التفت إليه وجدته الأخ “ود البصير” وهو أحد أبناء أم درمان، وكان مصوراً وقد حضر مع الوفد الرسمي من الخرطوم لتصوير الاحتفال وأخبرني بأنه سيسلمني صورة تذكارية تخصني في الاحتفال وأن أقود العربة العسكرية في مقدمة الموكب المراسمي، وبالفعل تم ذلك وقد فرحت بتلك الصورة خصوصاً أنه في ذلك الوقت لا توجد مكاتب للتصوير، حتى الاستعلامات كانت لدى القيادة العسكرية.
{ مشاعر الإنجليز وهم يغادرون
في جنوب السودان، كانت أعداد القوى العسكرية البريطانية والمسؤولين قليلة بالمقارنة مع الخرطوم، فعدد منهم قد غادر جوبا قبل يوم الاستقلال، والبعض الآخر بقي حتى ذلك اليوم ثم ودعنا.
{ عصيان عسكري بعد الاستقلال
يقول العم “علي” إنه وفي يوم 18 أغسطس 1956م حدث عصيان عسكري، وهو التمرد الأول أي بعد شهور قليلة من الاستقلال، وترجع الأسباب وراء التمرد الذي قاده الملازم “ألبينو” أحد أبناء الجنوب إلى الإنجليز، ويشير إلى أن سياسة المناطق المقفولة هي التي أشعرت الجنوبيين أن هناك اضطهاداً يُمارس عليهم.