قصص الريدة القديمة.. – القلب لامن يشوف البنت يدق .. زي “نوبة”.. “طار”
قبل هجمة (الفيس) و(الواتس آب) والأجهزة الذكية
الخرطوم_ المجهر
في زمن الحُب الجميل، كان العشق صافيًا للقلوب، ومن أجله يضحي الجميع بالغالي والنفيس لكي يظفر بقلب نقي عاشق مخلص لصاحبه، وليس قلبًا مجنونًا يمر بكل ألوان الطيف في الساعة الواحدة وليس اليوم الواحد، وربما في الدقيقة الواحدة تتغير مشاعره من حب إلى غضب إلى غيرة إلى كره إلى هجران إلى نسيان.. الحُب في الزمن الجميل كان شعاره «تقديس المحب»، وهذا المحب أو الآخر إنسان واحد فقط لا غير وليس بعدد خطوط وأرقام الهواتف النقالة. الحُب في الزمن الجميل يختار المرء إنسانة واحدة من بين عشرات أو مئات الأخريات، وهي كذلك تختار فارسها من بين المئات، ويظل هو الحبيب والرفيق، وليس مجرد رقم أو اسم وهمي في قائمة الاتصالات على الهاتف المحمول من بين أسماء وهمية أخرى.
..قصص تشكلت قبل ثورة المعلومات وقبل ظهور الأجهزة الذكية القادرة على الاتصال بالمحبوب في كل وقت ورؤيته.. وهي قصص على ألسنة أبطالها الحقيقيين، تحكي عن قدسية الحُب في زمن مضى، وقد انتهت معظم هذه القصص بالنهاية المنطقية وهي الدخول إلى قفص الزوجية ..قصة عبر عنها الشاعر الكبير “هاشم صديق” بقوله:
– القلب لامن يشوف البنت يدق.. زي”نوبة”.. “طار”.
تحدٍ
بداية يحكي لنا (ع) الذي تجاوز العقد الخامس من العمر قصة حُب حقيقي توِّجت بالزواج، وهو الآن أب لخمسة من الأبناء والبنات .. ويحكي (ع) أحببتها وأحبتني وضحت من أجلي بكل من تقدم لها طالباً الزواج، بالرغم من أن بينهم أثرياء وأصحاب مراكز اجتماعية مرموقة.. رفضتهم وتحدت أهلها من أجلي.. وأنا بادلتها التضحية وتزوجتها رغم رفض أهلي ومقاطعتهم لي.. وذهبت وحيداً في ليلة عرسي بدون أهلي، ولكني لم أكن حزيناً، فقد كنت مقتنعاً بأن من اخترتها تستحق هذه التضحية.. ويعود إلى بدايات القصة عندما التقى (س) في مناسبة زواج قريب لهم، ومنذ أن وقعت عينه عليها لم يدر ماذا حدث له، تبادلنا النظرات ولم استطع رفع نظري عنها طوال الحفل، ولكن لم يكن من سبيل للتكلم معها.. هذا كان أول لقاء بيننا وبداية لقصة حُب طويلة استمرت لسنوات كنا نتبادل فيها الخطابات، حتى جاء يوم سمعت طرقاً على باب منزلنا، وكان الوقت متأخراً، ففتحت الباب لأجدها تقف أمامي بشحمها ولحمها، وقالت لي بصوت لاهث وسط دموعها (أبوي داير يعرسني لي تاجر من أم درمان وأنا رفضت وهربت من البيت) ويواصل (ع) سرده المهم: أقنعتها بالعودة إلى بيت والدها، وجلستُ مع والدها وشرحتُ له القصة كلها، وقد أكبر تصرفي بإعادتي ابنته إلى البيت، وقبل بزواجي منها.. إلا أن المفاجأة أن أهلي رفضوا فيما بعد، بحجة أنهم يريدوني زواجي من قريبتي، إلا أنني رفضت أن أخذل هذه الإنسانة التي ضحت من أجلي، وتزوجتها رغم ممانعتهم، ولن تصدق أنني كنت وحيداً في ليلة زواجي .
تضحية
(خ) رجل سبعيني لديه قصة وقعت أحداثها قبل أربعين عاماً من الآن وهي قصة تستحق عن جدارة (التضحية) عنواناً لها.. ويقول (خ) أحببتها وأحبتني حباً عفيفاً قوياً استمر لأربع سنوات .. التقينا في معهد لتعليم الكمبيوتر بالخرطوم، ووقعنا في الحُب من أول نظرة، ولم نتفارق بعدها.. كانت صادقة في حبها لي لدرجة أنها كانت تجلس بالساعات في انتظار قدومي للمعهد دون كلل أو ملل، حتى أن أحد العاملين في المعهد كان يشفق على حالها ويحضر لها الماء، وعندما أحضر أنا كان أول ما تفعله هو أن تُخرج منديلاً من حقيبتها لتنظيف حذائي من أثر الغبار، وتلاحقني بالأسئلة عن صحتي وهل تناولت طعامي؟ وهل وهل.. كان حبا قوياً.. حتى جاء اليوم الذي جاءتني وفي ملامحها شيء غريب ينبئ بأن كارثة ما قد حلت.. تحدثت معي دون أن تنظر في وجهي فطلبت منها أن نذهب إلى مكاننا المعتاد على شارع النيل لتفصح لي عن سر حزنها، فأخبرتني أن شخصاً يعمل في إحدى الدول الأوربية قد تقدم لخطبتها وأهلها وافقوا وانخرطت في البكاء.. صمت لفترة من هول المفاجأة ثم استفسرتها عن هذا الشخص عن عمله وأسرته وشكله ووضعه المادي، فأخبرتني بما أردت، ففكرت قليلاً في حجم الفرق الكبير بينه وبيني، فأنا ما زلت في بداية الطريق بلا عمل ثابت ولا بيت، وقلت في نفسي إلى متى ستنتظرني هذه المسكينة، وكيف سأسمح لنفسي بأن أقف حائلاً في طريقها.. وبعد صمت قلت لها وهي مطرقة في صمت (وافقي يا زولة) فرفعت رأسها تنظر إليَّ بخوف وحيرة، فقلت لها الحُب هو أن ترى من تحبه سعيداً، وأن تضحي من أجله بأغلى شيء، وأنا قررت أن أضحي بسعادتي من أجلك.. فبكت بصوت مسموع وبكيت وتفارقنا .
بين زمان و(هسه)
يقال إن الفرق بين الحُب اليوم والحُب أيام زمان بحسب تقرير أورده موقع (الوطن) أن الحُب سابقا كان ينبع من القلب.. أما اليوم نزل إلى المعدة.. وكان الرجل إذا أحب امرأة.. ضحى بالغالي والرخيص كي يتزوجها. أما اليوم إذا أحب الرجل امرأة.. ضحت هي بالغالي والنفيس كي يستر عليها ولا يفضحها.. وكان الحُب يوصل إلى الجنون من شدته.. بينما اليوم.. فمن الجنون أن تحب..! لأن الحُب للمراهقين. وكانت المرأة إذا أحبت.. بان ذلك في عينيها ووجهها.. أما اليوم بان ذلك من قصر فستانها وفحش مكياجها.. وكان الرجل إذا أحب امرأة آثر العزلة عن الخلق كي لا ينشغل عن حبيبته.. بينما اليوم إذا أحب الرجل امرأة تعرف على صديقاتها.. وكان الرجل إذا أحب امرأة وأراد أن يغازلها شبهها بالنسيم العليل ووجه القمر.. بينما اليوم.. إذا أراد أن يغازلها شبهها بالهمبرغر والبوظة والبيبسي.. وكان الحُب أيام زمان هدفه الزواج.. بينما الحُب اليوم هدفه لقطع تذكرتين في مؤخرة صالة السينما بعد إطفاء الأنوار.. وكانت لغة الحُب بالعيون.. فأصبحت لغة الحُب اليوم السلو والديسكو.. وكانت المرأة يعجبها من الرجل رجولته وشجاعته وأخلاقه.. بينما المرأة اليوم يعجبها من الرجل جيبه ومنصبه وخفة دمه.. وكانت غيرة الرجل على المرأة مؤشر ودليل حُب.. بينما غيرته اليوم دليل رجعية وظن ومركب نقص.