العلاقات بين دولتي السودان يحكمها القرار الدولي (2046)!!
مستقبل العلاقات بين الخرطوم وجوبا غير مُبشّر، حيث هناك المشاكسات والمكايدات السياسية وانعدام الثقة والشك المتبادل في النوايا ومراقبة كل طرف للآخر، كما أشار إلى ذلك “دينق ألور”.
وكان ذلك هو المناخ السائد بين الطرفين طيلة الفترة الانتقالية التي تعطّل فيها دولاب العمل بالدولة، لأن جوبا كانت تقوم بدور المعارضة للحكومة التي تشارك فيها!! والقضايا العالقة بين الدولتين كان يمكن حسمها خلال الفترة الانتقالية لو تمسّكت الخرطوم بعدم إجراء الاستفتاء والانتخابات قبل طي كل الملفات العالقة. وفك الارتباط الذي تنادي به الحكومة اليوم كان ينبغي حسمه خلال العام الأول من اتّفاقية السلام الشامل التي نصّت على انسحاب القوات شمالاً وجنوباً خلال عام واحد من توقيع اتفاقية السلام الشامل.. فالخرطوم قامت بسحب قواتها من الجنوب إلى شمال حدود أول يناير 1956م، أما الحركة الشعبية فإنّها لم تسحب قواتها من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وهذا أكبر خطأ إستراتيجي وقعت فيه الحكومة التي أصبحت اليوم تدفع ثمنه غالياً!! فبقاء الفرقة التاسعة بجنوب كردفان والفرقة العاشرة بجنوب النيل الأزرق بعد انفصال الجنوب يعتبر غزواً خارجياً، إذا فشلت المفاوضات السياسية في معالجته كان ينبغي أن يتم حسمه عسكرياً. ولو نفّذت القوات المُسلحة إنذارها الشهير لقوات الحركة الشعبية الموجودة بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق بعد إعلان الانفصال مباشرة لما أصبحنا اليوم نتحدّث عن فك الارتباط!!
وفك الارتباط أصبح اليوم مهدداً لكل جولات المفاوضات بين الطرفين، والغريب في الأمر أن فك الارتباط هذا لم يتم النص عليه صراحة في اتفاقية الترتيبات الأمنية التي تم توقيعها مؤخراً بأديس أبابا ضمن اتفاقيات التعاون المشترك!! وقد صرّح رئيس حكومة الجنوب بأن عملية فك الارتباط مستحيلة كما صرّح كذلك باقان أموم بأن هذه القضية شمالية تخص السودان!!
هكذا أصبح المفاوض الحكومي يصنع الأزمة ويفشل في إدارتها.. وإصرار الحركة الشعبية على عدم فك الارتباط ناجم عن عدم وجود نص واضح وصريح في اتفاقية الترتيبات الأمنية التي وقعت مؤخراً بأديس أبابا، هذا بالإضافة إلى أن جوبا ربما تكون قد منحت الجنسية للمقاتلين الشماليين الموجودين ضمن الفرقة التاسعة والعاشرة، حيث إن الفرقتين من صلب تنظيم الجيش الشعبي ولا ينطبق عليهما النص الوارد في اتفاقية الترتيبات الأمنية (عدم دعم وإيواء قوات التمرد للطرفين)، وتلك هي الحجة القوية التي ربما تكون جوبا تعتمد عليها في عدم فك الارتباط. والخرطوم اليوم تُعاني من الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها وفودها المفاوضة التي لم تتحر الدقة في النصوص والتعابير الواردة في الاتفاقيات التي وقعت عليها.. والجهود الدبلوماسية التي تبذل حالياً لتمديد فترة المفاوضات قبل رفع الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى تقريرها الختامي لمجلس الأمن الدولي، هذه الجهود غير مُجدية حتى ولو كانت المهلة الجديدة (6) سنوات أخرى، فإنه سوف لن يحدث أي اختراق في هذه المفاوضات العبثية!! وذلك نسبة لأن جوبا تدرك جيداً أن علاقاتها بالخرطوم أصبح يحكمها القرار الدولي (2046) الذي جاء لصالحها، ولهذا فإنّها قد أصبحت تسعى بقوة لتدويل القضايا العالقة لأن المجتمع الإقليمي والدولي يدعمها في هذا الإطار.
وجوبا أصبحت اليوم تراهن على عامل الزمن في مفاوضاتها مع الخرطوم حتى تتمكن من بناء خط أنابيبها الجديد عبر كينيا وبناء قدراتها العسكرية عن طريق توظيف كل عائدات بترولها لتحقيق هذه الغاية، لأنه لا توجد لديها أي التزامات نحو شعبها. وجوبا تسعى لكسب الزمن، ولهذا فإنّها سوف تظل تماطل في المفاوضات حتى تكمل خط أنابيبها الجديد وإنشاء سلاحها الجوي حتى تكون قد حققت توازناً في القوة العسكرية مع الخرطوم.
وجوبا ظلت تستعد للحرب الجديدة منذ الفترة الانتقالية!! حيث إنّها قد وظفت كل عائدات بترولها لبناء قدراتها العسكرية عن طريق امتلاكها لأسلحة هجومية متطورة. و”سلفا كير” صرّح خلال زيارته لإسرائيل بأنّه يعتبر دولة إسرائيل نموذجاً لبناء دولته الوليدة، والمعروف أن إسرائيل دولة عدوانية تتوسع في أراضي جيرانها.. وجوبا تتبع ذات الأسلوب الإسرائيلي باحتلالها لأربع مناطق شمالية لم تنسحب منها بالرغم من توقيعها على اتّفاقية الترتيبات الأمنية الأخيرة التي تلزمها بالانسحاب.
إذن فالحرب أصلاً مفروضة على السودان، وعليه أن يحدد زمانها ومكانها، والمفاوضات لو نجحت فإنّها سوف تقود إلى حلول وسطية تحقق سلاماً بارداً غير قابل للاستمرار. وفك الارتباط يتم عن طريق تنفيذ القوات المسلحة إنذارها الشهير، والمناطق الأربع الجديدة التي احتلتها جوبا لا تحررها المفاوضات، لأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وتحرير هجليج خير مثال لذلك.
الحرب أصلاً مفروضة علينا، وحتى نكسبها ينبغي أن لا نعطي العدو الفرصة الكافية للاستعداد لها، فالعدو اليوم في أضعف حالاته وتلك هي فرصتنا الأخيرة بعد أن ضاعت كل كروت الضغط التي كنّا نملكها.
خلاصة القول جوبا لا ترغب في إقامة علاقات تعاون إستراتيجية، وعداؤها السافر للسودان نابع من عداء إسرائيل للعرب، والقوات المسلحة كانت تسيطر على كل عواصم الولايات الجنوبية، واليوم بفعل الساسة أصبحت تبحث عن توسيع دائرة التأمين لبعض عواصم الولايات الشمالية!! يا لها من مفارقات غريبة وعجيبة!!
ختاماً ادعموا القوات المسلحة وارفعوا معنوياتها واسألوها بعد ذلك عن إصلاح ما أفسده الساسة.. وبالله التوفيق.
فريق أول ركن
زمالة كلية الدفاع الوطني
أكاديمية نميري العسكرية العليا