الديوان

الخياط "عم الأمين"… من (الرحط) إلى فساتين "فاتن حمامة"!!

تعتبر الخياطة من أقدم المهن التي عرفها الإنسان حتى صار لا يستطيع الاستغناء عنها، بل ودأب على تطويرها وتحسينها من حيث التصميم حتى غدت (موضات وصرعات) يومية، وفي هذا الخصوص عرف السودان الخياطة بشكلها الاحترافي إبان العهد التركي (التركية السابقة)، وامتهنها الكثيرون واحترفوها وأبدعوا في إتقانها، لكن مع مرور الوقت تخلى العديد من (الترزية المهرة) الذين يضاهون بأعمالهم مصممي الأزياء العالميين عن مهنتهم وهجروها مفسحين المجال لغزوات (الملابس الجاهزة) المستوردة، التي أطاحت بثقافة الخياطة وأغلقت مشاغلها ومصانعها.
فلاش باك
(المجهر) وفي سياق تقصيها عن مهنة الخياطة وما حل بها وحاق، التقت بالسيد “الأمين الكامل المبارك” الذي ظل وحتى اللحظة يمارس مهنة الخياطة بشقيها (نسائي ورجالي) لأكثر من (30) عاماً، لم ترهقه السنوات الطوال، ولم تزحزحه من على كرسيه المتواضع، ولم تهن عزيمته وتفتر.
يقول  العم “الأمين” إنه تنقل بين عدد كبير من مدن السودان حاملاً (مهنته) إلى أن استقر به الحال في الثورة الحارة (17) في محل يبدو متهالكاً، رغم أنه ظل يستأجره زهاء (20) عاماً، ويضيف: بدأت عملي صبياً ثم رويداً رويداً اكتسبت الخبرة على أيدي ترزية كبار ومحترفين في مدينة (شندي)، حتى تمكنت من افتتاح محل خاص بي وأصبحت ترزياً معروفاً، في حي “الصلعاب”، ومضى قائلاً: بدأت مسيرتي المهنية بتركيب الزراير، وشيئاً فشيئاً حتى جلست على ماكينة الخياطة، وبعد عدة سنوات جئت إلى الخرطوم والتحقت ترزياً بسلاح المهمات بقوات الشعب المسلحة، أفصِل وأضبط اللبس العسكري لـ(17) عاماً، وأحلت إلى التقاعد برتبة رقيب أول.
من (الرحط) إلى الموضات الحديثة
ولأن الخياطة كانت مهنة رائجة والطلب عليها كثير، وكانت للترزي هيبته ومكانته في المجتمع، بدت علامات الغضب على وجه العم ” الأمين” في معرض رده على سؤالي عما إذا كانت مهنة الخياطة اندثرت حيث قال: منو القال ليك الترزيه انتهوا، هم موجودون لكن الجاهز أبعد عنهم الناس، وأكد أن الملابس المستوردة لا ترضي أذواق الكثيرين، فيضطرون (للمثول) أمام الترزي ليصلح ما أفسده الجاهز.
ويمضي العم (الأمين) متحدثاً عن التفصيل فقال إنه كان يفصل للنسوة أثوابهن من فساتين وثياب، أما الرجال فكانوا يفضلون الزي البلدي السوداني المعروف (الجلابية، العراقي، السروال والطواقي)، وأضاف: النساء كنا يلبسن “الرحط” وهو مشغول من الجلد وثوب يسمى رقبة (الجمل) ولكن بعد ولوج العديد من الأقمشة وانتعاش التجارة الخارجية وتوفير الترزية أصبحت رغبة النساء تفصيل الفساتين، مؤكداً أنها فقط الموجودة في عالم التفصيل، لا توجد قصات غيرها وتفضلنها النساء قصيرة، وتعرف لدى كثيرات منهن “بالجلابية” وإن (الأسكيرت والبلوزة والعفريتة والبناطلين النسائية) كانت غير موجودة على الإطلاق في السابق.
قصات “فاتن حمامة” و”ليلى مراد”
 الأقمشة يقال إنها تأتي في العاصمة وربما مقصود بها (لندن) عاصمة الضباب لدولة بريطانيا أو عواصم الدول المزدهرة في صناعة الأقمشة آنذاك، ومنها “السيتان” الذي يفضلنه العرائس خاصة لفستان (رقيص العروس) العادة السائدة في الزواج سابقاً، بجانب “الترفيرة” الراقية التي يفضلنها بنات الأثرياء والزعماء، إضافة لـ(البوبلين) المعروف بالتترين وأقمشة البردعي والشيفون والجورسي، مشيراً إلى أن الدمورية كانت تفضل للنساء كبيرات السن. وعن القصات يقول “العم الأمين” لم تكن هنالك مجلات أو أجهزة كمبيوتر يرى فيها الترزي القصات كما اليوم، كانت من وحي خيالهم الخلاق وقال كنا أذكياء إضافة إلى الاهتمام بدخول السينما ومشاهدة الأفلام التي بها أرقى قصات الفساتين الخاصة بنجمات السينما المصرية أمثال “ليلى مراد” و”فاتن حمامة” و”شادية” و”صباح” و”أم كلثوم”.
حليل زمن (الخياطة) الماضي!!
وفي ختام حديثه تأسف “عم الأمين” على حال الترزي الذي ضايقه الزي المستورد، وأيام زمان التي كانت تضيع بالعمل والحبوبة والتمتع بالتفصيل للأطفال والنساء والرجال، وقال إن الترزي كان الشخصية الوحيدة التي يسمح للفتيات الذهاب إليه في زمن لا تخرج فيه المرأة إلى أي مكان على الإطلاق.
العم الأمين أصبح يختصر عمله الآن رغم جلبه لماكينات حديثة للخياطة والتطريز كما الترزي الحديث في المستورد وخياطة الملايات والستائر في الأسواق والتفصيل لقلة لا يرغبون في الجاهز، بجانب تدريب بعض الفتيات اللاتي ينوين العمل في مجال الخياطة والتطريز، ولم تسعف عم الأمين ذاكرته استرجاع أغانِ قديمة تُغنى للترزية (المهنة) التي امتهنها الكثيرون من أهل الفن على رأسهم الراحل “عثمان حسين”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية