رأي

العلاج بالنكتة

أمل أبوالقاسم

يعجبني في هذا الشعب الصابر، روحه الطيبة وسرعة البديهة التي يتمتع بها فنجده وعند كل كارثة تحل به مهما كان ثقلها ووقعها وقبيل أن تنفض أو تراوح مكانها تجده وفي تعايش تام قد اقتبس منها ما يعينه ورفاقه على تجاوزها نفسياً حتى وإن كان ذلك عن طريق المزاح والنكتة، وقد اعتاد الشعب أجمع على الرقص فوق حلبة الألم علهم يتناسون ولو لبرهة ما يحيق بهم في وضع أشبه بفرفرة المذبوح.. اندلقت الأيام الفائتة مجموعة من الطرف والنكات لم تخرج عن سياق الأحداث التي يمور بها جوف الساحة الآن، وتنم عن ذكاء متقد وحاد أجاد صياغتها شباب تفتقت عقولهم عن وعي كما تفتقت عيونهم على أوضاع غلبهم احتمالها فسعوا لتغييرها مهما كلفهم ذلك من ثمن.
(2)
النكات والطرف التي اندلقت على حوائط وشوارع مواقع التواصل الاجتماعي ورغم أنها وليدة لحظة أو وقت بعينه، ورغم أنه تم تأليفها على السجية مجاراة للأوضاع التي تمر بها البلاد من أزمات إلا أن لذلك دلالة نفسية، ففي أدبيات علم النفس اعتبرت النكتة وسخرية الإنسان من حاله الذي يراه مزرياً، نوعاً من آليات الدفاع النفسي التي يستخدمها الإنسان دون وعي منه كطريقة للتأقلم وحماية النفس من الوقوع في فخ الاكتئاب. وهو في الغالب ما يمكن قبوله كتفسير أقرب لموجة النكات والسخرية المستمرة والمتصاعدة في الحيز الاجتماعي والتي غذاها وساعد على انتشارها السريع مواقع التواصل الاجتماعي أو كما قال علماء النفس.
(3)
قلت بالرغم من النكات التي أطلقت لتجاري الواقع الراهن بعفوية إلا أن ذات الحال حدث إبان ثورة الربيع العربي حيث احتلت النكتة والبرامج الساخرة مكانة خاصة في الحيز الاجتماعي وقتها. فعلى الرغم من الأزمات المتلاحقة والحروب التي تلحق أضراراً نفسية عميقة الأثر بالناس إلا أن إنتاج النكت والسخرية على ضيق الحال وانعدام الحل السياسي أصبح الأداة الفعالة والمجانية للحفاظ على صحة الإنسان النفسية ولو بالحد الأدنى.. إذن فما أحوج الناس في هذه الفترة لهكذا نوع من الطرف حتى لا ينفرط ما تبقى من عقد تماسكهم النفسي.
أيضاً فقد كان للنكتة السياسية نصيب الأسد في معارك هذه الأيام اللفظية والكتابية وتلك التي يعبر عنها بالكاريكاتير والرسومات تستهدف النيل من الطرفين حكومة ومعارضة، ولأن القنوات الرسمية من المؤسسات الإعلامية تحجر وتحجم نشر هذه المواد، فقد راجت في منصات التواصل الاجتماعي وهي لا تخلو من تهكم وسخرية.
(4)
المهم في كل ذلك أن أولئك الشباب الذين يتمتعون بكل هذا القدر من الذكاء والهمة والمسؤولية الاجتماعية، والتي شهدنا بها في عدد من المحافل مع التحفظ على تصرفات البعض، حري به أن توليه الدولة اهتماماً أكثر في كافة المجالات ابتداءً بالتعليم وليس انتهاءً بالوظيفة، فهم وبلا شك عماد الأمة وقادتها القادمون.. وبالمقابل على الشباب الواعي والمتفهم أن يزايد على وعيه وهمته من لدن الوطن الكبير وأن يضعه في حدقات العيون وفق ما يمليه الضمير والنظر إليه بحيادية مطلقة. والأهم أن يتنازل عن الأحلام العريضة التي لا تتأتى بين ليلة وضحاها ، فمشوار الحياة طويل وصعود الدرج يحتاج لنفس طويل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية