رأي

العاقل من يتدبر

أمل أبوالقاسم

تأخذني الدهشة وهي لا تنفك تتعلق بتلابيب ذاكرتي ثم توسعها نهشاً وتمحيصاً بحثاً عن تحليل منطقي ومقبول، ومصدر هذه الدهشة هو ما تقول وتقوم به الشرطة السودانية وحكومات الولايات بالشروع في التحري عن المتسببين في قتل الأفراد الذين سقطوا قتلى أثناء الاحتجاجات، وهذا يعني أنها ليست من قام بذلك_أعني الذين شاركوا في فض الاحتجاجات_ ولست راضية عن ما يحدث.. وهو الأقرب للمنطق الذي يرفض هكذا سلوكيات من شأنها أن تضاعف من كره الشارع الناقم أصلاً على الحكومة حد وصفها بالدموية، إذ ليس من المعقول أن تكرس لهذا الفهم على المستويين الداخلي والخارجي. ما يفتح الباب واسعاً للتكهنات: من صاحب المصلحة في قتل متظاهر من الشباب واليافعين أو اثنين خلال كل مظاهرة.. لكن هذا لا ينفي إطلاق الرصاص الذي يطلق في الهواء للحد الذي تطيش فيه الرصاصات وتتسور المنازل، فكم من منزل شهد بذلك وكم من زجاج سيارة تقف أمام منزل اخترقتها رصاصة، ولكن عناية الله أنه لم يكن بها أحد، كما لم تقنص رصاصة طائشة أحد، بيد أن (العيار الما يصيب يدوش) أو كما يتمثل بذلك إخوتنا المصريين. وفي الوقت نفسه فإن الذين سقطوا قتلى أثناء مواكب الاحتجاجات كانت معظم إصاباتهم إما بالرأس أو الصدر مباشرة ما يعني أن القاتل سدد على هدفه بعناية محكمة. وضبابية الأحداث هنا تضعف الحقيقة على الأقل بالنسبة لنا كمتابعين، لكنها قطعاً لا تخفى على لجنة التقصي التي يتابعها النائب العام وتلك التي شكلت للوقوف على حجم الخسائر التي تعرضت لها بعض الولايات ومن ثم جبر الضرر.
(2)
سبق وأن قلنا بأن حالة من التلفيق والتزوير والادعاءات المغرضة تعتري البعض، بعضها منظم ومقصود لأجندة بعينها وبعضها محض خوض مع الخائضين من الذين يعتلون الموجة (ساي) وهؤلاء أغلبهم يسخنون الساحة من شرفة مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم (يلبدون) لكل ما من شأنه تعزيز العبارة التي سارت بها الركبان (تسقط بس) سواء باعتقال أفراد أو مجموعات أو سقوط قتلى ثم وكأنهم يتلذذون وإن ما حدث كسب يعينهم لشتم وسب السلطة، وإمعاناً في التقليل منها ينبري كل من يجلسون خلف مقود الكيبورد والكواليس وليس ميدان النزال في نشر صورة الشهيد مثلاً يترحمون عليه من جهة وهو ما وجب علينا جميعاً ويشعرون فيه من جهة ثم يصبون من خلاله جام غضبهم على السلطة متوعدين وشاتمين، لكن ما فات عليهم إن المدبرين والرؤوس الكبيرة لا ينفكون يتلاعبون حتى في صور الموتى من أجل إشباع نهمهم من الاستقطاب من جهة ووغر الصدور من جهة أخرى، ما يضطر أهل المدعي عليهم موتاً أن يبرروا ويوضحوا الملابسات. و ما صورة الطفل (فرناندو بييرا روشا) والذي نسبت صورته لاسم وهمي (محمد العبيد) قيل إنه سقط في المظاهرات واستغلتها جهات أخرى، خير شاهد على زعمهم منزوع المصداقية.. مضافاً إلى ذلك تزوير البيانات ونسبها للكيانات المهنية، وليس آخرها البيان حاد اللهجة الذي روج له باعتبار صدوره من لجنة المعلمين التي تدعو لإضراب شامل، وكغيره من البقية انطلى على عدد مقدر بمن فيهم المعلمون أنفسهم إلى أن سارعت النقابة لنفيه باعتبارها الجسم الشرعي. وبين هذه الحواشي أيضاً تضيع الحقيقة لكن العاقل من يتدبر.
(3)
الوطن ومنذ أمد مثخن بالجرح وقبل أن تلتئم أخرى تتفتق أخرى.. ونزيفه من الموارد الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لا يقل عن نزيف القلوب التي أدماها وأوجعها الفقد لحظة غدر مع سبق الإصرار والترصد ليبقى الفاعل مجهولاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية