{ كثيراً ما نكتب عن معاناة المبدعين وأهل الفكر في سوداننا الحبيب، وأذكر في آخر حديث لي عن الأحوال والأوضاع التي يعشها أهل الفكر والمبدعين بصورة عامة ذكرت حكاية ذلك الرجل الذي ظل ينقل القمح من قرية إلى قرية أخرى على ظهر حمار، وكان يضع على الجانب الأيمن من المحمل (الخُرج) كيس القمح، وعلى جانبه الأيسر كيساً مليئاً بالحجارة لكي يوازن بين كفتي المحمل حتى تستقيم حركة حماره، وذات يوم أوقفه أحد المثقفين من أهل الفكر كان يراقب حاله وأسرع إليه ناصحاً بالقول: (لو أنك قسمت كمية القمح هذه على طرفي محمل حمارك لخف الحمل عليه ومن ثم أسرع في مشيته وعندها تتمكن من نقل كميات أكبر من القمح في وقت وجيز)..
الرجل صاحب القمح فكر ملياً ثم استجاب لمقترح المثقف، فخفت مشية الحمار وتمكن من إنجاز أدوار أكثر في نقل القمح، وجاء صاحب الحمار في اليوم التالي يبحث عن هذا المثقف وما أن وجده حتى وجه إليه هذا السؤال: كم عندك من التجارة ..؟
فأجابه المثقف على الفور: (ما عندي منها شيء)، عندها عمد الرجل إلى حماره فأعاد كيس الحجارة إلى مكانه وقال للمثقف: (فهمك كان بينفع كان نفعك إنت).
{ ومن خلال هذه الحكاية الطريفة نستطيع أن نؤسس لكثير من الموضوعات الشائكة حول قضية الفكر وأهمية الإبداع، وحول دور الدولة وقيادات المؤسسات الثقافية والإبداعية والإعلامية ورجال الأعمال وواجبهم تجاه أصحاب الفكر وأهل الإبداع، وبالتالي دور المجتمع وواجبه تجاه منتجي الفكر والإبداع الذين ظلوا يقدمون من العطاء الفاعل الذي يرى بالعين وما لا يرى بالعين المجردة، ولكنه بالتأكيد يمثل محوراً رئيسياً في حياة الأمم ورقيها وبناء ثقافتها وفكرها وتشكيل وجدانها الجمعي.
وقد يعلم الذين أتيحت لهم فرصة الحياة والعيش في مختلف دول العالم المتحضرة إلى أي مدى تحتفي تلك الدول بهذه الفئة من رموزها في مختلف المجالات، وأخص هنا أهل الإبداع والفكر الذي يخاطب الروح ويحرك الوجدان من شعراء وأدباء ومفكرين وكتاب ودراميين وتشكيليين، وغيرهم من قيادات الفكر والإبداع، الذين أضافوا إلى تاريخ هذه الأمة إضافات خالدة لا يزال نفعها كشجرة وارفة ترتاح الأجيال على ظلالها.
أما الناظر إلى حال أهل الفكر والإبداع والثقافة عندنا في سودان اليوم بمختلف فعالياتهم، يلحظ معاناتهم الدائمة والمستمرة من ظلم الدولة لهم وتجاهل المسؤولين عن الشأن الثقافي والإبداعي لحالهم، ولا يخفى على أحد أن أغلب مبدعينا ومفكرينا من شاكلة الذين (تحسبهم أغنياء من التعفف)، لذلك نجدهم دائماً يقعون فريسة للظلم والتجاهل حتى من ذوي القربى
} وضوح أخير
{ بالفعل ليس هناك أمل في انصلاح حال الأوساط الإبداعية لأن من يقودون المؤسسات المعنية بالفكر والإبداع والثقافة غالبيتهم بلا فكر، وليست لديهم القدرة على الإضافة ولا حتى على القيادة.. يعني بالواضح كده (خاويين)!!
{ تخيلوا معي أن أمين أمانة الفكر والثقافة بالحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) هو المدعو “الفاتح عز الدين” صاحب لغة العنف الصريح وتصريحات (التهديد والوعيد) التي أغضبت كل الشعب السوداني!!
{ يا سبحان الله صاحب التهديد والوعيد يقود الفكر والثقافة!!
{ حقاً.. إنها من محن ومهازل وإحباطات هذا الزمان!!