تقارير

من يختار الوزراء وكيف رُشّح هؤلاء لمناصب وزراء وأمناء؟

"البشير" في عطبرة يجدّد دعوته لحاملي السلاح لتقاسم السلطة

حديث السبت – يوسف عبد المنان
بعد بصات الوالي.. ولاية الخرطوم تستورد نفايات سعودية وقطرية جديدة

عندما رشحت الحكومة لمنصب وزير المعادل في الحكومة الحالية د. “مضوي إبراهيم” أستاذ الهندسة بجامعة الخرطوم رغم انتمائه السياسي لليسار العريض.. ومواقفه الداعمة لحركات دارفور واعتقاله لشهور عديدة، وتقديم حيثيات القبض عليه لنيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة، وإصدار الرئيس عفواً رئاسياً وإطلاق سراحه وترشيحه لمنصب الوزير، كانت الحكومة تبحث عن الكفاءات النادرة بغض النظر عن مواقفها السياسية لشعورها بضرورة الاستفادة من كل خبرات أبناء الوطن والانفتاح على الآخر بغير (عُقد) وتصنيفات أرشيفية، واعتذر د. “مضوي إبراهيم” لابن عمه د. “فيصل حسن إبراهيم” الذي يتولى (مطبخ) التعيينات ولائياً واتحادياً.. وجاء ترشيح الدكتور “عبد الله حمدوك” لمنصب وزير المالية مفاجئاً حتى لأعضاء المكتب القيادي.. وإذا كانت (الإنقاذ) قد تمسكت بوزارة المالية عند التوقيع على اتفاقية سلام “نيفاشا”، وكادت الشراكة أن تنهار بسبب (الطمع) في وزارتي المالية والطاقة والتعدين، فقد تخلت عنها من تلقاء نفسها ورشحت لها كفاءة اقتصادية وتخطيطية نادرة، ولكنها أساءت (الإخراج) ووضعت الدكتور “عبد الله حمدوك” أمام خيارين، إما القبول بالوزارة بعد إجازة تعيينه ضمن وزراء المؤتمر الوطني والدخول بعد ذلك في (مغالطات) هل هو (مؤتمرجي) أم مستقل، أو الاعتذار عن المنصب والإصغاء لنصائح المعارضين من اليسار الذي ينظر للحكم بعين السخط.. وضاعت على البلاد فرصة الاستفادة من خبرات د.”عبد الله حمدوك” في التخطيط ورسم خطى المستقبل اقتصادياً.
والحكومة التي تبحث عن الكفاءات ولا تنظر لبطاقات انتماء تلك الكفاءات هي من جاءت في التعيينات الأخيرة بالرجال غير المناسبين في المكان غير المناسب، كما وصف ذلك الأستاذ “عبد الماجد عبد الحميد” في مقالته التي راجت في الأسافير.. والتعيينات الأخيرة تطرح سؤالاً من يرشح القيادات التنفيذية وقادة الخدمة المدنية؟ هل الحزب؟ أم كل قيادي متنفذ في السلطة يحمل كشفاً بأسماء (حوارييه) وأصدقائه والمخلصين له، ويتولى الدفاع عنهم وتزكيتهم، والبحث لهم عن سبل كسب عيش ووظائف تعينهم على مجابهة مصاعب الحياة، بغض النظر عن قدراتهم وإمكانياتهم؟
في زمانٍ مضى واندثر، كان الشيخ الراحل “حسن الترابي” يحتفظ بأرشيف (معلوماتي) عن الموالين والناشطين في الحزب المخلصين والمؤيدين وحديثي العهد بالحركة الإسلامية والحزب.. ويسأل “الترابي” “الشريف أحمد عمر بدر” عن القيادات في الجزيرة.. و”موسى حسين ضرار” و”عبد الله أبو فاطمة” عن القيادات من شرق السودان، ولا يعين جنوبياً في منصب دستوري قبل موافقة الراحل “مبارك قسم الله” و”أحمد الرضي جابر”.. وعن قيادات كردفان يسأل “عمر سليمان آدم” و”أحمد الشين” الوالي.. ودارفور “سليمار مصطفى أمبرو” و”الشفيع أحمد محمد”، ولا يعين سفيراً بالخارجية قبل أن يقول “إبراهيم السنوسي” نعم.. ولا يتولى مدير شركة عامة قبل أن يشير بذلك الراحل “مجذوب الخليفة”.. وبعد الانفصال وتأسيس المؤتمر الوطني من غير زعامة روحية بات الدكتور “نافع علي نافع” مرجعاً في الاختيار والتعيين.. وللقطاعات المتخصصة حق ابتدار الترشيح، وللقيادة الرأي الأخير في قبول الترشيح أو رفضه.. ويناقش المكتب القيادي الترشيحات لمناصب الوزراء بكل حرية وإعمال مبدأ الجرح والتعديل.. فهل إذا كان للمختصين اليوم الرأي وللحزب حق الجرح والعديل، ستصدر القرارات كما صدرت الأسبوع الماضي؟ وهل تعيين أمناء المجالس المهنية من اختصاصات وصلاحيات الرئيس أم صلاحيات رئيس الوزراء؟
{ كل مسؤول في غير مكانه
شاعر مؤتمر الخريجين في خمسينيات القرن الماضي قال كلماته المأثورة (كل امرئ في السودان يحتل غير مكانه، المال عند بخيله والسيف عند جبانه).. والكاتب الفرنسي الشهير “فكتور هيجو” عندما خط يراعه رواية (البؤساء) كان يبكي عندما يخرج في الصباح إلى نهر السين ويشاهد العمال يغدون ويروحون ويشعر بإحساس الشاعر المرهف كيف ينال الرهق والتعب من هؤلاء البسطاء في سبيل الحصول على قطعة الخبز.. “فكتور هيجو” لو عاش في مقرن النيلين لمات منتحراً مثل “عبد الرحيم أبو ذكرى”.. ولو عاش “علي نور” شاعر مؤتمر الخريجين حتى زمننا هذا ماذا كان سيقول إن قرأ عن تعيين أمين الشباب السابق “السني” في وظيفة الأمين العام لمنظمة إقليمية معنية بالتنمية في أفريقيا، وهي وظيفة للتخصص الدقيق في قضايا التنمية وحقوق الإنسان والشفافية والتعاون المشترك بين بلدان القارة، والأمين العام شاب لم يسبق أن تولى منصباً في (الحكومة) ونائبه صحافي شهير ومعتمد سابق بولاية الخرطوم.. ويتنقل السفير “العبيد أحمد مروح” من السفارة السودانية في دولة تونس إلى منصب المدير العام للإذاعة والتلفزيون، وعندما (يُغضب) أداء التلفزيون المسؤولين في القصر يتم نقله إلى الطيران المدني الذي بطبيعته مؤسسة فنية حافظت على خصوصيتها تلك.. فما هي الخبرات التي يمكن أن يستفيد منها الطيران المدني من وجود نائب المدير العام (المختص) بالإعلام والصحافة والدبلوماسية؟ وكيف يتم إعفاء رئيس شورى المؤتمر الوطني البروفيسور “كبشور كوكو” وهو عالم ومثقف واسع الإطلاع من منصب (هامشي) كمدير عام لدار الوثائق القومية، وسكب بروفيسور “كبشور” العرق وبذل الجهد للارتقاء بالأداء في الدار، ولكنه تفاجأ بتعيين الشاب “ضياء الدين” الذي لم يتدرج يوماً في الخدمة المدنية وكل خبراته من قطاع الطلاب إلى سد مروي، ومن شركة “سدكو” التي تنافس في تجارة الزيوت والدقيق والأسمنت والسيخ إلى مجلس الوزراء الذي خسر خبرات الأمين العام السابق، وكان مناسباً وضرورياً تعيين شخص مثل “حاتم حسن بخيت” أفنى زهرة شبابه في الخدمة المدنية وصعد لمكتب الرئيس وأرغم على تقديم استقالته بعد اتهامه في قضية تمت تبرئته منها بعد ذلك وبالتالي نظافة صفحته الشخصية رسمياً بقرار النائب العام، ولكن في التعيينات الأخيرة ذهب لمجلس الصداقة الشعبية الذي يمثل واحدة من الواجهات التي تخدم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وعلاقات الشعوب.. فهل “حاتم حسن بخيت” هو الرجل المناسب في مجلس الصداقة أم في منصب الأمين العام لمجلس الوزراء أو وزير دولة بمجلس الوزراء، حتى يصبح البحث عن الكفاءة والخبرات حقيقة وسياسة عامة وليست لحظات وعي عابر للمسؤولين بضرورة ترقية الأداء في الدولة التي تحتاج الآن للخبرات أكثر من حاجتها إلى أهل الولاء من غير قدرات ومن غير إمكانيات؟!
{ ما ضاق السودان يوماً بأهله
ما ضاق السودان يوماً بأهله ولكن كراسي السلطة هي التي تضيق!! والرئيس “البشير” في خطابه وسط جنوده المقاتلين بوادي الحمار (الثلاثاء) الماضي دعا الذين يحملون السلاح إلى العودة، وقال عبارة ذات دلالة مهمة: (تعالوا البلد بتشيلنا وبتشيلكم وترحب بكم، تعالوا لنتعاون مع بعض لبناء الوطن).. مثل هذه الدعوة الصادقة لم تجد من يقرأها في مناخ الاستقطاب الأيديولوجي والعراك السياسي، وفي كل يوم تصدق رؤية المفكر الإسلامي د. “التجاني عبد القادر حامد” حول الثنائية المميتة ما بين (إسلامي وعلماني) و(شيعي وسني) و(صوفي وسلفي) و(زنجي وعربي) و(شمالي وغرابي)، تلك الثنائيات التي صنعت واقع المواجهة المهلك للأوطان.. ولكن الرئيس “البشير” يخاطب من عرين الجيش ومن ميدان التدريب القوى التي تحمل السلاح ويدعوها بصدق لتضع سلاحها وتأتي لتتعاون مع الرئيس من أجل بناء وطن بـ(يشيل) الجميع، وحتى كراسي السلطة تسع كل من يرغب فيها من واقع نظام الحكم الفيدرالي الحالي، بغض النظر عن التشوهات التي اعترته والتخليق التكويني الذي يناقض مبدأ الفيدرالية المعافاة من أمراض التحكم والسيطرة المركزية.
والرئيس “البشير” حينما يطلق دعوة للمصالحة وتقاسم السلطة مع حاملي السلاح، فإنه يذهب إلى الطرف القصي جداً.. ويعلن جهراً رغبته في التسوية التي تنهي الصراع العدمي في البلاد الذي أنهك قواها، وأقعد باقتصادها حتى عجزت الدولة عن توفير الخبز الحاف، وأصبحت تنتظر وصول طائرة تبرع بها أحد المحسنين لإطعام السودانيين القادرين على إطعام أفريقيا إذا ما توقفت أصوات الرصاص وتم توظيف الموارد للزراعة والصناعة والثروة الحيوانية، وتجفيف الصرف على شراء عربات اللاندكروزر، التي يطلق عليها اسم (تاتشر) تشبهاً برئيسة وزراء بريطانيا السابقة “مارغريت تاتشر” لصلابتها في المواقف.. ودعوة “البشير” لحاملي السلاح تجاهلها الجميع، حتى الحكومة التي يرأسها انصرفت لغيرها من الكلمات ووظائف المعارضة المثل الشعبي الذي استحضره الرئيس في حديثه التعبوي لجنوده (كل فار يدخل جحره)!! ونسج البعض قولاً زائفاً بأن الرئيس وصف الشعب بالفئران لأغراض التعبئة السالبة وتحريض الشعب على الرئيس، ولكن ما لم تذكره أبواق المعارضة دعوة الرئيس للقوى التي تحمل السلاح للتفاوض وتقاسم السلطة والتعاون لبناء السودان، وهي دعوة صادقة ينبغي أن تجد آذاناً تسمع من قبل الذين يفوضهم الرئيس لينوبوا عنه في المفاوضات مع حاملي السلاح في المنطقتين وفي دارفور.. وأمام الرأي العام حصل المفاوضون على تفويض معلن لإبرام اتفاقيات سلام تنهي النزاع الحالي وتعيد للبلاد استقرارها وأمنها، وإنهاء الصراعات المسلحة يعدّ الطريق الأمثل لحل المشكلات الاقتصادية والاحتقان السياسي وتحسين علاقات السودان بالعالم الخارجي.. فهل يصغي د. “فيصل” و”أمين حسن عمر” لقول الرئيس؟
{ قصة النفايات الفاسدة!!
من غير عادة وزراء هذا الزمان خرج العميد “خالد محمد خير” وزير البنى التحتية والمواصلات بولاية الخرطوم عن صمته وتواريه عن الأنظار وعقد لقاءً مع الصحافيين (الثلاثاء) الماضي.. خصصه للحديث عن مشكلات الوقود، وتدابير الوزارة في تسجيل السيارات الخاصة وصرف الجازولين والبنزين ببطاقات تشبه بطاقات التموين في سنوات الإنقاذ الأولى، ويعتقد الوزير أنها الوسيلة المثلى التي اهتدت إليها حكومته للحد من تسرب الجازولين والبنزين المدعوم إلى أسواق دول الجوار.. ولتحديد من يستحق الدعم ومن لا يستحق، وفتح الوزير صناديق (باندورا) عديدة ظل الكلام عنها غير مرغوب عند المسؤولين، لكن الوزير الشاب تحدث مباهياً بوصول أسطول من بصات النقل قادمة من دول عربية مثل السعودية وقطر، وقال إن البصات المستوردة من السعودية كانت تعمل في نقل الحجاج والمستوردة من قطر تعمل في خطوط النقل الداخلية!! طبعاً قطر حسب مشاهدات من اكتحلت عيناه بأرضها لا مواصلات عامة ولا بصات فيها.. والوزير “خالد” يعترف بأن البصات القادمة لبلادنا (بصات قديمة)، مثلها وبصات الوالي التي تم استيرادها قبل سنوات بمليارات الجنيهات وتعطل على الأقل (70%) منها قبل انقضاء العام الأول، والآن ترابط في حيشان وطرقات ولاية الخرطوم أكوام من حديد البصات المتهالكة التي تم استيرادها.. دون إتباع الإجراءات وضوابط التعاقد والشراء.. وفي غياب النقل (الميكانيكي) الذي كان يمثل المرجعية الفنية للحكومة في استيراد العربات أصبحت بلادنا اليوم بكل أسف مكباً لنفايات العربات الهندية والكورية والصينية، والوزير “خالد” يقول إن العربات القديمة التي استوردت ومنتظر وصولها بعد أيام تم فحصها من قبل مهندسين مختصين.. وهي بصات ماركات شهيرة وتم التعاقد مع وكيل الشركات المصنعة لتوفير الإسبيرات.. تلك مبررات لا تقنع الوزير نفسه الذي حاول التنصل من كامل المسؤولية عن الكارثة القادمة بقوله إن إجراءات استيراد البصات القديمة قد سبقت مجيئه للوزارة.. فلماذا لا يستخدم سلطته ونفوذه لإيقاف إجراءات دفع تكاليف شراء البصات القديمة؟ وقد حاول الوزير الإيحاء للصحافيين بأن البصات القادمة من السعودية كانت تعمل في خدمة الحجاج في إشارة إلى أنها بصات (مبروكة)، لكن الشعب السوداني ومواطني ولاية الخرطوم لا يستحقون أن تأتيهم حكومتهم ببصات قديمة من (فضلات) الشعوب التي (تخلصت) منها بالبيع لدولة مستعدة لقبولها!!
لماذا لا تستورد حكومتنا بصات جديدة من اليابان أو كوريا بعد أن ترغم الشركات على زيارة الخرطوم وإجراء دراسة للمناخ والطرق.. وتصميم بصات مخصصة للعمل في بلدٍ مثل السودان بدلاً عن استيراد البصات بمواصفات الخليج مثل السيارات الخليجية التي لا تتناسب خصائصها ومناخ السودان؟!
وأفضل ألف مرة، استيراد ألف بص جديد من خم خمسة آلاف من البصات القديمة الهالكة والمتهالكة التي تستنزف الخزانة العامة على فقرها بحاجتها اليومية إلى الإسبيرات؟ لو كان في ولاية الخرطوم برلمان يراقب ويحاسب لفتح تحقيقاً حول استيراد بصات الوالي قبل السماح بدخول (الاسكراب) الجديد!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية