الأميّة الوظيفية
كنّا في قديم الزمن نخشى الأمية.. فالعرب هم أهل البلاغة والفصاحة رغم افتقادهم لما يدعى الجامعات. أما الآن، فنحن نعاني من الأمية رغم انتماء كثير منّا لأهرام تعليمية، وذلك مؤشر لعدم اهتمام المناهج بتنمية الشغف العلمي، بالإضافة لعدم رغبة الأفراد في الاطلاع. فالبعض منّا يعمل على تطوير معلوماته وتثقيف نفسه دون علم منه عن طريق الاتصال بالعالم عبر وسائل الإعلام الايجابية من صحف وقنوات تعليمية ومواقع في الانترنت.
أما الأمية التي تسيطر علينا دون أدنى خوف من الجهات المختصة على أفكارنا وشهاداتنا، فهي الأمية الوظيفية!!
لعل الكثير من القراء يستغربون هذه الجملة، ولكني أعنيها تماماً.
والمعنى من الأمية الوظيفية هنا، هو شغل بعض الأفراد لمناصب لا تمت لشهاداتهم التعليمية بصلة والمثال كثير.
فإما أن تضع نفسك أمام الأمر الواقع، وتشغل منصباً لم يكن لك، ولا مجالك، وذلك تلبية لمتطلبات الحياة، وإما أن تمارس الجانب الآخر لموت الحلم، وهو أن تبدأ مراسم الانتظار إلى حين إشعار بوظيفة تمنيتها.
حتى هذه الوظيفة ماذا لو كانت أعلى مما تمتلك من معلومات عنها، أليس هذا تحدياً آخر يضعك أمام باب لم تفكر في الولوج عبره من قبل؟
أجل إنه طريق لم تحمل له الزاد، فإما الفشل والاستسلام وإما المواصلة بالمثابرة والاجتهاد في سبيل إرضاء المهنة الجديدة.
لعل من أكبر المشاكل التي أدت إلى توسع الأمية الوظيفية بين الخريجين هي الواسطة.
فالواسطة تلعب دوراً لا بأس به في قبول تخصصات مختلفة في مجال ليس له علاقة بهذه التخصصات (وقل الحيلة) وانعدام الواسطة يلعب دوراً مهماً في إقصاء ذوي التخصصات عن أماكنهم المستحقة!!
ولكن أليس لذوي الاختصاص بصمة على ورقة اليأس هذه؟
مراراً تداعب آذاننا أخبار مجانية التعليم، وتعلن المدارس عن التزامها، ولكن ماذا عن (رسوم التسيير) و(التبرعات)؟ هل لوزارة التربية والتعليم علم بذلك؟
وما دمنا رضينا بذلك واجتهدنا في تعليم أبنائنا، هل هذا هو المآل الذي حلمنا به؟ أن نعلمهم ليؤانسوا وحشتنا بالمنازل؟
لماذا يقود خريجو كليات الهندسة عربات الأمجاد؟
ولماذا نفرط في تصدير خبراتنا بكامل الرضا إلى الخارج؟
ولماذا يعود من احترمت البلدان الغربية ذهنه وآوته بكل الحب واحتوت أهله؟
مثله مثل كل الطيور المهاجرة، قد يعود، ولكن ليشهد تراب أرضه على رحيله الأبدي..