لأول مرة منذ أن خط يراعي الكلام ترتجف يداي وتضطرب نفسي ويختلج قلبي وترتفع وتيرة نبضه، وتهبط حتى خُيل لي سماع دقاته وكأنها صوت أقدام فرس أصيل يعدو على أرض صلبة.. فهذه أولى كلماتي منذ أن فقدت وأسرتي (والدتي العظيمة وشقيقتي البارة وأشقائي البارين وأهلي جميعاً) والدي.. ذلك الرجل العظيم الذي كلما حاولت أن أتذكره ماشياً أراه رائحاً أو غادياً من المسجد، وكلما حاولت أن أتذكره قاعداً أراه قارئاً للقرآن أو مستمعاً له ولمديح “أولاد حاج الماحي”.. أردد معه آيات الله الخالدات وأنشد معه بديع نظم “الماحي” وحلو إنشاد أحفاده.. كان يحبهم، وكنت حريصاً على أن أسمعه شدوهم وقصيدهم.. قصيدة التمساح وأسد الله البضرع.. و(يَا أحبابي بعد الغيبة .. عايز أزور وأجاور طيبة..).. كان يهز رأسه مغمضاً عينيه في انتشاء حتى التلاشي من غبراء البشر إلى سماوات الله وملائكته..
كانت هذه الكلمات هي مقدمة ما كتبته في الثالث عشر من يناير من العام 2016م الموافق الثالث من ربيع الثاني 1437هـ، أحاول فيه أن أرثي أبي الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم العاشر من يناير 2016م .. والآن وقد انقضت ثلاث سنوات كاملة وقاسية جاهدنا خلالها أنفسنا لنصبر على فراقه مؤمنين بقدر الله وقضائه.. نرفع أكفنا للمولى عز وجل ليسكن أبانا فردوسه الأعلى من غير حساب ولا سابق عذاب مع نبيه الكريم محمد “صلى الله عليه وسلم” وصحبه الميامين والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين من عباده.. اللهم آمين .. اللهم آمين .. اللهم آمين.