قطعاً لا حديث في كل أرجاء وطننا الحبيب سوى أزمة البلد الاقتصادية، للدرجة التي أفرزت التظاهرات الاحتجاجية التي جابت الشوارع وجعلت المحتجين يرفعون شعارات مشروعة ومنطقية في معظمها إلا بعض الشعارات التي تبناها البعض وهي مصنوعة مع سبق الإصرار والترصد.. قطعاً ما حدث تناولته الصحف والأخبار وكان بحق حديث أهل السودان.. كذلك تبنى الإعلام المرئي والمسموع والمقروء هذه القضية باستفاضة وقد أسهمت بالكتابة باعتباري كاتب رأي.. ومن الناس من وجد كتاباتي معقولة موضوعية وبعضهم وصفني بصفات أنا بريء منها – سامحهم الله – وهذه مناسبة أؤكد فيها أنني مع احتجاج المواطن ليبدي رأيه في أزمتنا الاقتصادية، وأبتهل للمولى عز وجل أن تزول لننعم جميعاً في وطن آمن مستقر برغد العيش.. آمين يا رب العالمين.. وكمان أقول إن احتجاج المواطن أمر كفله الدستور والأعراف وقواعد العدالة العامة، وتلك الاحتجاجات قد بدأت تأتي أكلها والدليل اشتريت الرغيف بسهولة من مخبز الحي، وأذكر أنني وقفت مرات عديدة بعض صلاة الصبح وتشرق الشمس لأعود بالحسرة بأن (العيش قطع فيني).
وأمس الأول عبأت عربتي (فل) بالجازولين بعد وقوف في الصف لم يتجاوز الساعة.. وجلست لاستمع للأخ الأصغر “معتز موسى” رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية.. شفتو كيف.. الله يديه الصبر وسعة الصدر فالرجل إزاء ابتلاء عظيم.. ولي متين يظل يحمل الحقيبتين اللتين تنوء بحملهما الجبال – وبالذات – في هذا المنعطف التاريخي الذي يمر به الوطن.. بعدين – يا جامعة الخير – والله العظيم بلدنا دي موضوعا محيرني من أنا صغير.. وسبب الحيرة حصة الجغرافيا والتاريخ.. مليون ميل مساحة أرضنا الطيبة.. المعلومة دي حفظونا ليها في بخت الرضا.. ومهد الحضارة دي المعلومة الثانية حفظناها في حصة التاريخ وكلام عن قلب القارة الأفريقية وسلة غذاء العالم!! طيب مشكلتنا وين وشنو؟! طبعاً الإجابة عن هذا السؤال البديهي والبسيط تكمن في أن السبب حكوماتنا المتعاقبة كلها ولا أستثنى واحدة منها، كلها لو أدركت أن استقرارنا يأتي من الماء والأرض والزرع.. ولنعترف أننا أهملنا الزراعة وأن معظم زراعنا هجروا الزراعة بسبب سياساتنا الخاصة بالزراعة التي دفعت الزراع إلى الهجرة للمدن الكبرى، ودونكم عاصمتنا التي ضاقت بسكانها وتمددت مساحات السكن وتردت الخدمات، الشيء الذي جعل سكانها يهاجرون بحثاً عن حياة تكفل لهم ضروريات الحياة.
(63) عاماً مضت منذ نيلنا الاستقلال والوطن يتراجع من الأحسن للأسوأ.. وده كلو لإهمالنا الزراعة.. لكن الأمل معقود على 2020م، الحكومة القادمة أتمنى أن تجد بيئة العمل العام مهيأة للزراعة والتنمية، وأسأل الكريم أن يبسط الأمن والسلام وأن يوحد شتاتنا، وأن ينعم علينا بنعمة حب الوطن وتقديره وتوقيره واحترامه لأنه وطن الخير والجمال.
وأختم حديثي بشكري وتقديري لمواطنين صديقين هما “معاوية البرير” و”وجدي ميرغني” فهما قد أدركا أن الزراعة هي طوق النجاة للوطن وتوكلا على الله وبذلا المال وزرعا الأرض البور فأنبتت المحصول.. ليت أخوتنا ممّن أعطاهم الله المال يتجهون للزراعة.. شاهدت بعيني نجاح غرسها.. مبروك لهما وللزرّاع الذين زرعوا.. “معاوية” اختار أرضاً بالولاية الشمالية اسمها (التتّي) بعيدة عن النيل جرداء فحفر الآبار واستجلب معينات الري والزراعة والحصاد وتوكل على الله، وشهدت موسم حصاد قمحه الأول، وشهد الأخ النائب الأول فخامة الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، بل اعتلى حاصدة وحصد القمح.. وكذلك فعل أخي “وجدي” ببراري ولاية القضارف فأتت الأرض أكلها سمسماً ومحاصيل أخرى.. وأحلم أن ينخرط أصحاب المال في الزراعة وسينصلح الحال بإذن الله ويعود الزرّاع إلى الأرض أمنا الرؤوم ويومها سنأكل من ما نزرع حقيقة لا شعاراً أطلقناه قبل سنوات.
وأقول لأخي النائب الأول هلا تكرمت وكرمت “معاوية” و”وجدي”، فهما يستحقان أعلى درجات التكريم.. فكم من أهلنا وفّرا لهم العيش الكريم.. فهلا فعلت؟!