في حوار مع رئيس مجلس الوزراء القومي، وزير المالية “معتز موسى”- (1-2)
لا بد من ضبط الدعم الموجود لأنه بحاجة لرقابة شديدة حتى لا يتسرب
ما حدث الآن في الوضع الاقتصادي هو عرض لخلل قديم في الاقتصاد السوداني
سيحدث استقرار في الدواء 2019م على أسس صحيحة للمواطن ولا نتوقع أي إشكال لاحقا
إذا كانت الموارد ممتازة، هل الأوضاع التي حدثت فيها ملاحظات لها علاقة بالسياسة أم الإدارة؟
* نسعد كإعلاميين بوجودنا مع السيد رئيس الوزراء، ووزير المالية “معتز موسى”، نريد أن نوصل للجمهور ماذا يحدث عندنا وعندكم، نبدأ بموضوع الاقتصاد الكلي؟
الاقتصاد الكلي في السودان يقوم على الموارد والسياسات المتبعة لتحريك هذه الموارد لإضافة قيمة للاقتصاد والإدارة، وبلا شك السودان واحد من أفضل الدول من حيث الموارد، والسياسات تظل دائماً واحدة من التحديات الكبيرة التي لازمت مسيرة الاقتصاد الحديث للسودان منذ مطلع السبعينات، وكذلك الإدارة والمدارس التي خضعت لها إدارة الاقتصاد السوداني، ولكن كل هذا يتم في بيئة محلية وإقليمية ودولية بلا شك تؤثر تأثيراً قاطعاً على منهج السياسات وطريقة الإدارة، وما أستطيع أن أؤكده أن موارد السودان والاقتصاد الحقيقي بألف خير وهو واحد من أقوى الاقتصادات في المنطقة، واليوم بلا شك الاقتصاد السوداني ومنذ سنوات طويلة يمضي استثناءً على عكس اقتصادات أخرى حولنا في المنطقة بلا معونات، إن لم يكن حتى بضغوط كبيرة متمثلة في شبكات التحويلات والبنوك وهذه عمليات مؤثرة جداً، والرقابة اللصيقة والحادة للمستثمرين وتوجهاتهم وتفتيشهم، الأمر الذي يؤثر على ورود رؤوس الأموال للسودان وخروجها للحصول على استيراد بعمليات دائماً مكلفة جداً تنعكس على حياة الناس وواقعهم، وبإيجاز شديد، الاقتصاد الكلي بخير، المزيد من السياسات الصائبة طويلة المدى والمزيد من إحكام الإدارة والقوة في إدارة أمر الاقتصاد والاتساق والاستقرار فيه، إن شاء الله العاقبة ستكون خيراً.
* إذا كانت الموارد ممتازة، هل الأوضاع التي حدثت فيها ملاحظات لها علاقة بالسياسة أم الإدارة؟
ما حدث الآن ويحدث كل مرة وأخرى هو عرض لخلل قديم في الاقتصاد السوداني، منذ أن عرف الاقتصاد السوداني الحداثة مطلع السبعينات إلى اليوم ويعتبر فترة حديثة، ظلت دوماً – ما عدا (10) سنوات فترة النفط- صادراتنا أقل بكثير من وارداتنا، رغم أن السودان لديه (99) سلعة يمكن أن تكون صادراً، لكن ظللنا نصدر (4 إلى 5)…
* لماذا؟
يعني تقليدياً هذا ما تم…
* أين الإخفاق إذاً؟
هذا تقليد وجد الناس أنفسهم يمضون عليه، يصدرون قطناً أو حبوباً زيتية أو ثروة حيوانية حية أو غيرها، رغم أن لدينا (99) أو (100) سلعة كان يمكن أن تكون كلها صادرات قوية، النتيجة اليوم بشكل عام عبر هذه السنوات المتطاولة منذ مطلع السبعينات، ظلت دوماً الفجوة في الصادر تحدياً كبيراً، ولطالما تستورد أكثر مما تصدر معناها لديك عجز في الميزان التجاري الخارجي يحتاج لتغطية والتغطية معناها عملة حرة وبالتالي التنافس على العملة الحرة وارتفاع سعرها، ما يعني انخفاض عملتك وهذا يعني أن تستورد سلعاً غالية على المواطن، وتظل كلفة الحياة يومياً متزايدة ومدخرات الناس دائما متأخرة، ولذلك ما من سبيل غير أننا نمضي بقوة باتجاه سياسات عميقة وإدارة حكيمة للموارد الموجودة، والسياسات تحكم باتجاه أن الصادر لابد أن يقود الإصلاح الاقتصادي، لكن هذا لا يأتي قفزاً على المراحل، أمامنا أوضاع محددة يجب التعامل معها، وبالتالي قسمنا الأمر لمرحلتين: المرحلة الأولى (15) شهراً بدأت في أكتوبر وتنتهي بنهاية العام 2019م، ونستهدف فيها استقرار سعر الصرف وخفض التضخم وتهيئة البلاد لاستقرار تعقبه مباشرة عمليات كبيرة في الصادر، بالتالي خططنا هذا العام لزيادة الصادرات بنسبة (30%) ومعظمها من إنتاج العام 2018م لأنه لأول مرة السودان يزرع مساحة متكاملة (52) مليون فدان وهذا عمل جبار، فقد ظللنا نزرع تاريخياً بين (36 – 40) مليون فدان، قفزت الزراعة إلى (52) مليون فدان وهذه كلها بإرادة وأيادٍ سودانية، وحصدت بأيادٍ سودانية وموارد سودانية، كذلك الموسم الشتوي تجاوزنا بحمد الله (800) ألف فدان لأول مرة في تاريخ السودان معظمها قمحاً، وكلها انعكاسات على العام 2019م في الصادر، إلى جانب مناشط كبيرة في الإحاطة بالذهب وإعادة بناء قطاع النفط، وكذلك الثروة الحيوانية وبنيتها التحتية، يعني لا حل سوى المضي في هذا المسار والسير على أساسه لنأخذ حلولاً تستمر إلى ما يشاء الله لها أن تبقى مع معالجات الواقع الموجود الآن.
* الناس يتساءلون ماذا فعلت خلال كل الزمن الذي مضى، وأنت الآن وصلت الـ(100) يوم التي وعدت بها؟
“نحن عاملين سلفا”، أنا أبين ما نقوم به وما سنمضي عليه، لكن بالنسبة لنا الرؤية واضحة، لا سبيل غير سد الفجوة بين الصادر والوارد بإنتاج حقيقي وصادر حقيقي يغطي هذه الفجوة، بحيث تنتظم كل عناصر ومؤشرات الطلب الكلي والعرض الكلي، وهذا نمضي فيه، لكن ما يزعج الناس – ومن حقهم- حدوث فجوات أحياناً في إمداد بعض السلع الإستراتيجية، وهذا نحن نتعامل معه الآن بحزم شديد ورؤية وبرامج حقيقية، لكن التحديات تتمثل في الدواء والخبز ومشتقات الوقود وفي عرض الأموال النقدية…
* هل كان متوقعاً حدوث ذلك؟
كل من يعرف الاقتصاد السوداني وتاريخه– ما عدا فترة النفط- أعتقد أنه يفترض أن يكون متوقعاً دائماً وجود مثل هذه الفجوات، والمعالجات بتكون دائماً قصيرة المدى، لذلك الآن عندما حدثت هذه الفجوات اتخذنا قراراً داخلياً- وأنا أسمع كثيراً الناس يطلبون أن نجيب وديعة وكذا- لكن الاقتصاد يجب أن يتحرك هو لأنه قوي وليس اقتصاداً يعينوه، وهو قوي وقادر أن يقود نفسه ويمضي بقوة باعتبار أن لديه قدرة على خلق موارده وبالتالي الآن بدأت تتحل كل القضايا واحدة تلو الأخرى، ويمكن أن نعرضها تفصيلاً، لكن الدولة مصرة أن لدى السودان موارد ومقدرات كبيرة جداً يمكن تحريكها بالفعل وعبرها عمل حلول…
* وإذا جاء دعم من الخارج؟
إذا جاء شيء من الخارج يكون سنداً ، لكن الحل لابد أن يكون من الداخل.
* هل تمت تهيئة المواطن العادي مسبقاً لهذا التحدي..ألم يكن مطلوباً أن تقولوا للمواطن في الوقت المناسب ليستعد ويواجه معكم؟
طبعاً تطورات الاقتصاد كثير منها يمكن التنبؤ به بلا شك، لكن في الاقتصاد الخاضع لضغوط هائلة مثل الاقتصاد السوداني كثير من الجوانب يصعب التنبؤ بها، وهذا لا يعني أن نجد العذر لكل التقصير، لكن أنا أتكلم عن تفسير وليس تبريراً، هناك فرق بين التفسير والتبرير، فأنا توجهي كله منصب نحو التفسير لنتخذ الإجراءات الصحيحة..
* لكن ألم يتأخر هذا التفسير؟
لا لا، التفسير بالنسبة لمتخذ القرار واضح من يومه وفي كثير من المنابر تم توضيح الأمور بشكل أو بآخر، والناس ظلوا يوضحون، لكن المهم في الموضوع الآن ما ذكرته، من حق المواطن أن يجد الدواء بكلفة مناسبة والدواء المدعوم لأصحاب الحالات التي تستحق هذا، والخبز يفترض أن يكون متوفراً ومدعوماً لمن يستحق ، والسيولة تكون موجودة وتتناسب مع حجم الاقتصاد وتكون من حق المواطن، ومشتقات الوقود يجب أن تكون أيضاً موجودة ومستمرة، وهذه هي التحديات التي وجدناها الآن وكانت عرضة لاختلالات طويلة في الاقتصاد، والآن مضينا في علاجها، لكن علاجها لا ينتهي بعلاج هذه المرحلة، وإنما العلاج المستدام بحيث أنه إذا أتى أي شخص آخر لا تواجهه نفس المشاكل، بالنسبة للدواء الناس رأت الدولة وتأكيدها على أن كل العلاج المجاني للسرطانات والكلى ونقل الكلى وعلاج الكلى وعلاج الطوارئ والحالات الحرجة وعلاج عمليات القلب المفتوح وقلب الأطفال، الآن أضيف والتدخلات الطبية العلاجية كلها مجاناً ومستمرة وستبقى، والأدوية تم توقيع اتفاق الأسبوع الماضي والناس كلهم شهدوه وسيحدث استقرار في 2019م على أسس صحيحة للمواطن والمستورد وأيضاً مع المصنعين الوطنيين، ولا نتوقع أي إشكال في موضوع الدواء، وفي موضوع الخبز…
* توفر الدواء؟
توفيره وبكلفة معقولة.
* هل يرفع سعر الدواء حسب الدولار أم أنه مراقب بحيث يصل بسعر معقول خاصة الأدوية المستمرة؟
الأدوية المستمرة والرقابة، وجدنا درجة من الرقابة عليها، لكن الآن مع مجلس الأدوية والسموم عملنا رقابة جديدة وبشكل جديد ستنزل حتى مستوى الصيدلية، وأنا أشكر الأخوان على مستوى قطاع إمداد الدواء لمست منهم تعاوناً كبيراً، ونريد أن نبني على مساحات التفاهم المشترك ونمضي عليها، لكن الرقابة رقابة، وبالنسبة لنا أصبح واضحاً، إذ الاتفاق يحتم عليهم كتابة السعر على العبوة، ويكون موجوداً وموحداً في كل المواقع…
* متى يبدأ ذلك، وإذا ذهب المواطن ولم يجد السعر على العبوة؟
مفروض يبدأ مباشرة في بداية هذا العام، وبالنسبة لي تحديداً أي دواء جديد يأتي بسعره ونحن كحكومة ملتزمون بما يرسخ هذا الموضوع، والآن هناك تفاهمات بيننا، نحن نفهمها وهم يفهمونها..
* ما هو الحل بالنسبة لشخص محتاج دواء وغير قادر على قيمته؟
لدينا أجهزة الضمان الاجتماعي تقوم بعمل كبير، لكن هناك مزيداً من العمل يمكن أن تقوم به، ومن ناحية أخرى التأمين الصحي يجب أن ينتشر ويستمر، وحتى الآن هو فئوي للعمال والعاملين وغيرهم، لكننا بحاجة لنقله ونثقف به المواطن لأنه أحياناً في الأماكن البعيدة يحتاج أن يفهم أن التأمين الصحي مخرج كبير بالنسبة له لقضايا يمكن أن تواجهه.
* الخبز والجازولين وكهربة المشروعات؟
بالنسبة لنا الخبز الآن وضعنا زيادة في الدعم مرة أخرى ليستمر إمداد الخبز، والآن في كل السودان (الولايات والخرطوم) كمية الدقيق الموزعة على المخابز أكثر من كافية، وأعتقد أنه منذ بداية هذا العام يفترض ألا تكون هناك صفوف أو إشكالات إطلاقاً…
* الناس يلاحظون وجود كميات كبيرة من الدقيق أمام المخابز، لكن عندما يأتون للشراء يجدون كمية قليلة من الخبز؟
موضوع الخبز الآن ككميات مدعومة أكثر من كافٍ، لكن عندما يكون دقيق الخبز المدعوم نسلمه بـ(550) جنيهاً لتصل الرغيفة للمواطن بجنيه، ويكون في السوق الخارجي الجوال نفسه بثلاثة أضعاف هذا السعر، يمكن أن نتخيل كيف تكون العاقبة، وبالتالي هذه ناحية ضبط الخبز واستمراره، ومعلوم أن أي سعرين لنفس السلعة هو باب فساد وتهريب، والمواطن سيخسر من ذلك والدولة ستخسر بلا شك، نحن الآن ندفع حوالي (70) مليون جنيه يومياً وفي الشهر تعني أكثر من (2) مليار، ويمكن تخيل ذلك في السنة، وهذا باب كبير لسلعة غير موسمية ويمكن أن تدخل في أي شيء وتهرب…
* التهريب والفساد، هل هي إشكالية لا يمكن التخلص منها؟
بالنسبة لنا يجب ألا نفكر في السلعة وإنما في المواطن، ونحن لدينا فئتين رئيسيتين في المجتمع، قادرون وغير قادرين، وبالنسبة لي من أعطاه الله القدرة هو قادر على تدبير حياته ، و”الما قادر ده في رقبة الدولة”، ولابد أن نصل لصيغة وهذا ما نعمل عليه، وإلى أن نصل لهذه الصيغة سيستمر الدعم بهذا الشكل الحالي، ومتى ما وصلنا لهذه السياسة سنعلنها، لكن هدفنا أن المواطن غير القادر نصله ونعطيه مالاً ولو في يده. وبالتالي أنا طرحت موضوع دعم الخبز على الرأي العام وأريد أن أسمع فيه رأياً، فرفع دعم الخبز مرة واحدة في كل السودان ليس ممكناً، لكن كل مكان نستطيع أن نحدد فيه وصول الخبز المدعوم لهدفه وإلى المحتاج ، يجب ألا ننتظر به البقية، وبالتالي مثلاً نأخذ ولاية الخرطوم أكثر من (95%) فيها كهرباء، والمناطق في الأطراف والأرياف التي ليست فيها كهرباء يستمر معها الدعم، لكن من لديهم كهرباء المعيار واضح بالنسبة لي، من يشتري كهرباء بـ (30) أو (60) أو (100) جنيه ويتوقف كل الشهر فهذا محتاج بدون كلام، لماذا لا أفكر في تصنيف الناس على هذا الشكل، غير الذي يشتري بألف جنيه و(1500) و(2000) في الشهر…
* تقصد أن الدعم يذهب للأغنياء؟
طبعاً.. من جعله الله قادراً يحمد الله على ذلك، ولا يأتي في مكان غير القادر، وللأمانة ليس هناك شخص قادر جاء للحكومة وقال أعطوني، لكن الحكومة أعطت الدعم “مفكوك” لأنه ليست هناك إحصائيات، وبالنسبة لنا مهما كلفنا الإحصاء والتدقيق يجب أن نضبط هذه الأمور. وما أستطيع قوله بمعلومات غير رسمية أو غير دقيقة أن (50 – 60%) من مواطني ولاية الخرطوم أنا على يقين أنهم يستطيعون تدبير حالهم، ولدينا (40 – 50%) بمعيار الكهرباء فقط يمكن أن يمنحوا دعماً بدرجات محددة “يستلمو الزول في يدو”…
* والريف والقرى؟
الريف والقرى أماكنها معروفة وفيها أفران يذهب إليها الدقيق المدعوم، لكن هناك هدر كبير، وما نستطيع ضبطه فلنضبطه، وأنا لا أتحدث عن سياسة ولكن من باب العدل، ما هو وجه العدل إذا كان لدي شخص في الريف في شرق السودان أو غربه أو شماله أو جنوبه ليس لديه بئر مياه، وأنا أعطي (10) أضعاف تكلفة البئر يومياً بسياسة لا تميز بين المحتاج وغير المحتاج لتعطي خبزاً مدعوماً لمواطن لم يأت ويطلبه مني، بالتالي من باب العدل…
* ألم تنتبهوا منذ وقت مبكر لهذا الأمر؟
لا.. الانتباهة موجودة لكن يظل دوماً الإحصاء غير دقيق، وأي سياسة تحاول طرحها تطرح بسببها عشرات أو مائة سؤال والناس يتراجعون عنها، الآن نمضي بشكل واضح وهدفنا مصوب نحو شخص واحد هو عبد القادر ويستحق هذا الدعم، سنذهب إليه ونصله ونسلمه حقه في مكانه، والذي ليس بحاجة لهذا الدعم سنسحبه منه، وهو أصلاً لم يطلبه، لنوجهه في شكل مياه للمحتاجين وطرق ووسائل إنتاج ليحدث تغيير في بنية الاقتصاد..
* هل هذا ما كان وراء حديثك عن موضوع الضباط الإداريين..؟
نعم، أنا أتحدث عن ضرورة ضبط الدعم الموجود لأنه بحاجة لرقابة شديدة حتى لا يتسرب، ويجب بسرعة إجراء الإحصاءات المقنعة التي تجعلنا نوجه الدعم، لأن رفع دعم عن (30 – 40%) عن مواطنين يستحقونه يكون مشكلة، ولا رفع للدعم لكن هناك ضبط وتوجيه له، بحيث يوجه فقط للمستحق، وإلى أن نستطيع ذلك يجب أن يضبط ويحرس بلجان شعبية وضباط إداريين وبالأعمال وغيره، ونحاول فنياً، وعندما تحدثنا عن إضافة جزء من الذرة للدقيق “عشان تاني ما يشتغل باسطة أو مكرونة أو غيره، ليصبح فنياً ما بيشتغل غير الرغيف”..
* الجهاز الإداري الموجود حالياً هل هو مؤهل للقيام بهذا الدور، هناك حديث عن قصور؟
هذه الأمور يجب أن تتحرك كلها، نؤهل الناس صحيح ونزيد مرتباتهم مهم، لكن في نفس الوقت أنا لا أطلب المستحيل، وأقلل حجم العمل المطلوب بحيث أن الدعم يمضي بأيسر الطرق للمستحق، أضبط هنا وهنا وأحسن هناك حتى نلتقي في منطقة وسط، والخدمة المدنية وإصلاحها هذا باب طويل وكلنا نعمل فيه، وبلا شك إن لم تصلح الخدمة المدنية “كل الكلام دة بيبقى عملية ما منتجة”…
* في المائة يوم هل لمست أنها يمكن أن تتطور جيداً؟
ما لمسته، نحن حقيقة أمام بلد عظيم وشعب عظيم وموارد هائلة جداً، مزيد من الإدارة والسياسات والفهم المشترك..
* هل السبب كان إخفاقاً إدارياً؟
ليس إخفاقاً وإنما التحديات كبيرة، وأكون صادقاً لو تهنا في متاهة الإدانة والإدانة المضادة ولعن الماضي والخوف من المستقبل “ما بنمرق”، أنا أفكر في الحل…
* يجب أن نستفيد من أخطاء الماضي حتى لا نكررها ثانية؟
الماضي مدروس ومفهوم بالنسبة لنا، والقضية واضحة، العلاج نفكر في المستقبل ولا نقفز من الحاضر، لكن الحاضر والمستقبل يمكن أن يدار بشفافية وبوضوح وبحزم وبطريقة مستدامة تجعلنا لا نتعايش مع هذه المشاكل وتظل معنا للأبد…
* المواطنون يسألون: إلى متى الضائقة؟ وهل الأزمة أخلاقية؟ وأين موارد البلاد؟
السيولة في رأيي أن ما حدث هو عملية مركبة، أولا كتلة السيولة لم تنمُ بحجم النمو الاقتصادي، لدينا نمو سنوي في الاقتصاد (5 – 5.5%) كمتوسط على مدى الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة، إذا كان الناتج القومي الإجمالي قبل أربع سنوات يعادل (70) مليار دولار فالآن (90) مليار دولار تقريباً، فهذه (20) مليار دولار، وأنا أبسط المفهوم إذا عندك الناتج القومي الإجمالي كله “الخدمات والسلع والاتصالات والطرق والسكة الحديد والإنتاج والزراعة والثروة الحيوانية والذهب والبترول.. الخ” كلها (90) ملياراً يفترض أن الكتلة النقدية الدائرة في السوق حوالي (10%) يعني يفترض أن تعادل دائما حوالي (9) مليارات دولار، ويجب أن نراقب دائماً أنها في هذا المعدل…
* هل يمكن تبسيط الفكرة أكثر؟
يعني يفترض أن تكون كمية النقود المتداولة مجتمعة تكون حوالي (9) مليارات دولار بحجم الاقتصاد اليوم، وتكون عملية دائمة خاصة وأن الاقتصاد نامٍ بسرعة، فجأة تجد أنك زرعت حوالي (50%) زيادة وهذا إنتاج جديد يحتاج نقوداً، وهي لا تعادل الإنتاج (100%) ولكن بنسبة منه، والمعادلة معروفة حول حجم النقود ودورانها والسلع الجديدة المنتجة وتكون معادلة مستقرة دائماً، لكن حدث عاملان آخران، أولاً نمو الاقتصاد، ولا يمكن إدارة اقتصاد بكتلة بهذا الحجم الإجمالي بورقة نقدية أعلاها تعادل دولاراً تقريباً لاقتصاد بهذه الضخامة، اليوم يمكن أن يكون هنالك تداول في شراء طن أو اثنين من الدهب في الأسبوع تعادل نحو (70) مليون دولار وتعني أنك بحاجة لـ (70) مليون ورقة لعملية واحدة في الأسبوع، هذا غير الثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي وغيره، وبالتالي لابد أن يكبر حجم الأوراق النقدية، لأنها أيضاً تكلف دولاراً لأنها تطبع، ولابد أن يكون حجم السيولة النقدية متناسباً مع حجم العمليات الاقتصادية، وعندما قلّت أصبحت هناك ندرة حتى في الأموال هذه الورقة ذاتها…
* ألا يمكن طباعتها؟
تطبع، لكن مثلاً إذا كنت تطبع في اليوم (3) ملايين ورقة في (50) إذا طبعتها في (100) أو (200) تعطيك سرعة أكبر. وأريد أن أوضح للمواطن أن هناك فرقاً بين الطباعة والإصدار، سنمضي في الطباعة، وهي تكون موجودة في الخزينة المركزية للبنك المركزي، لكن الإصدار عملية معقدة تحتاج إلى دراسة الاقتصاد بمعادلات محددة ولأشياء معينة لحساب السيولة، وبعدها تضخ السيولة بقدر محدد، والناس يعتقدون أن كل ما يطبع يتم طرحه، والأمر ليس كذلك، تتم الطباعة ويكون النقد موجوداً وكلما نما الاقتصاد بمعدلات محددة يتم إصدار السيولة بطريقة محددة، وبالتالي فإن عملية السيولة إلى جانب التضخم تحتاج سيولة أكبر لتتماشى مع الأسعار التي سادت، وجاءت عليها شائعة فبراير الماضي أن البنوك أفلست، فهجم الناس على البنوك وأخذوا ما استطاعوا أن يأخذوه، ويجب أن يكون في الأذهان أن البنوك تحتفظ بهامش حوالي (10%) لتسيير السحوبات اليومية، لكن (90%) تكون عمليات استثمارية “قروض، عمليات، إنشاءات، بناء..” وهي موجودة الآن في مكان ما في الأعمال، ولا تكون في البنك، وما يحدث أن البنوك تستثمر، وعندما حصل الهجوم الناس صرفوا الـ(10%) وصرفوا حتى الاحتياطي الموجود في بنك السودان على أساس الهجمة التي كانت موجودة.
وبالنسبة لنا الآن، الدولة حسبت الكتلة النقدية بشكل دقيق جداً، والفئات التي يجب أن تصدر بشكل عام وحسبت حجم الاقتصاد الكلي وما يجب تدويره من نقود والعمل على أساسه، وستمضي عملية الطباعة وسنرى الإصدار الذي سيقوم به بنك السودان بطريقة علمية ودقيقة، وسيبدأ ذلك في نهاية يناير وستصدر فئة المائة وستكون فئة المائتين موجودة، وفي منتصف شهر فبراير ستصل فئة الـ (500) وبعدها رويداً رويداً سيمضي الأمر ويحدث انصلاح عام بدون الإضرار بالسيولة ولا التضخم ولا الكتلة النقدية لأن الإصدار سيكون بعملية محسوبة.
* المواطن الآن يسأل : كان البنك يعطي (2000) ثم تراجع إلى (500) والآن بالصف، فماذا يفعل قبل تفعيل الدفع الالكتروني؟
الآن هناك مشكلة حقيقية، وأتمنى أن يبدأ الانفراج بنهاية شهر يناير بطريقة إيجابية، ويجب أن نمضي في خطين: الخط الأول أن السيولة النقدية التي تناسب الاقتصاد ومحسوبة بدقة تكون موجودة وكل مواطن يجد حقوقه، ثم تأتي مرحلته الثانية إذا اختار بعدها لأن الحق أولى من السياسات، الحق حق المواطن، والدولة تطرح له خيارات البنك والاقتصاد الكلي وحمايته هو نفسه وعدم هلاك ثروته أو حرق أو سرقة أو غيرها وتوظيفها وتنميتها ووضعها في خدمة الاقتصاد الكلي، فتأتي عملية البنوك وهي عملية تحفيزية ليس فيها إكراه ما دام أي شخص يأخذ حقه لتبدأ الدورة من جديد…
* الخطة للوصول إلى (زيرو كاش) صاحبتها مشكلة عطل الماكينات وغيرها، فأصبح المواطن لا يجد أموالاً من البنك، وفي ذات الوقت البطاقة بلا قيمة، هل هناك خطة؟
هذه وضعنا لها خطة واضحة، وهذا هو المستقبل، وأنا حريص على ألا ينظر لعملية الدفع الالكتروني على أنها “مخارجة” من أزمة، هذا هو المستقبل والأمر الصحيح، وبشكل عام السيولة النقدية والورق في اليد يزيد التضخم ويجعل الإنفاق غير محدود ويزيد الكتلة النقدية ويحدث تضخم كبير يدفع ثمنه المواطن، ويبدأ الغلاء، فالنقود تكون موجودة ويكون الشخص حاملاً (كرت) معين يستطيع أن يقضي به كل شيء، ونحن سنقوم بها كواجب على الدولة، الآن الممارسة الموجودة لم تكن جيدة لأنه حتى عندما يقوم المواطن بأي عملية بنقطة البيع يدفع عليها جنيهاً، وهذا ستتولاه حكومة السودان نيابة عن المواطن للمستثمر الذي جاء بهذه المنظومة، وتدفع نيابة عن المواطن ليشعر أن التعامل بالـ (كرت) ليس عليه عقوبات لأنه بالنقود لا نقول له إذا سحبت نقوداً عليك جنيه أو اثنين، فكأننا نريد أن نقول له بالسياسة الموجودة اليوم، إذا ذهبت بالنقود ليس عليك شيء وإذا استخدمت نقاط البيع عليك الدفع. وهذا نمضي فيه بخطة جيدة واتفقنا مع بنك السودان وسيتم طرح (500) ألف نقطة بيع من الآن حتى يونيو، بمعنى أنه في أي مكان، بحيث لا يحتاج المواطن لنقود (كاش)..
* لكن هناك مواصلات ومستشفيات وغيرها تحتاج لـ (كاش)؟
كل هذا ستتم معالجته، ولا خيار، وبالنسبة لنا أي شيء في يدنا تابع لنا كدولة، وسنحاول إقناع القطاع الخاص بكل السبل أن يمضي في هذه العملية..
* السؤال الذي يطرحه الجميع “متين بتفرج”؟
إن شاء الله مشكلة النقود نهاية يناير وبداية فبراير سيكون هنالك انفراج واضح يشعر به أي إنسان، لأنها عملية محسوبة ومبرمجة ونعمل فيها، وأعتقد أنها مضت بسرعة، وبدون تفاصيل “مشت في تلت الوقت المفروض كان تتعالج فيهو”…