رأي

(جماع آدم جماع)..

التجانى حاج موسى

الأسبوع الماضي كنت ضيفاً على ولاية كسلا.. الدعوة ابتداءً وجهها لي صديقي د.”كمال شرف” الشاعر الناشط في العمل الثقافي الاجتماعي التطوعي.. فهو مدير منظمة (مبدعون بلا حدود) ورئيس اتحاد الأدباء بولاية كسلا.

لبيت دعوته للمشاركة في الاحتفال بمناسبة تكريم من أسهموا في درء كارثة المرض الوبائي الذي عانت منه الولاية.. تلك الحمى الخبيثة التي عُرفت باسم حمى (الكنكشة) التي استمرت زهاء التسعين يوماً كشفت عن معدن أهلنا بولاية كسلا وتضامنهم ووحدة صفهم في السراء والضراء.

في تلك الزيارة تعرّفت على والي كسلا الأخ “جماع آدم جماع” عن قرب فصارت علاقتي به أخوية.. حرص أن أمكث في ضيافته في نُزل مريح وراقٍ يجاور منزله، وقطع لي تذكرة ذهاباً وإياباً.

أكتب مقالي هذا عنه ليعرف القارئ الكريم أحد ولاة أمورنا.. وأشهد الله أنه جاء ثناءً له لأنه يستحق هذا الثناء، واستضافته لي تعني اعترافاً من الأخ الوالي بالثقافة وأهلها.. وأورد بعضاً من أعماله.

على مائدة إفطار استقبل في منزله أعياناً ورموزاً من أهلنا من قبيلة “تاما” وفي معيتهم وزير مالية الولاية أحد أبناء القبيلة.. استمع إليهم وناقش معهم قضاياهم.. واتخذ في ذات الوقت القرارات التي تستجيب لمطالبهم.

زرت معه مساءً بعض الأسر المتعففة الفقيرة بعد أن رفعت له الأستاذة “سيدة” التي تجري الدراسات الخاصة بتلك الحالات تقريراً عنها.. وقبل مغادرته كان يصدر القرارات والحلول، ويقدم المعينات العينية المقدرة لتلك الأسر.

أرملة معلم شكت له أن أسرتها مهددة بإخلاء منزل الحكومة الذي يأويهم.. فأصدر قراراً ببقائهم بالمنزل إلى حين تدبير منزل يمتلكونه.. وأخرى تعيش في “عشة” من الكرتون والجوالات، تعول أسرة بعمل هامشي لم تصدق أن الوالي يزورها في عشتها.. أقال عثرتها.. شكرته.. فرد عليها: (لا شكر على واجب).. وأرملة والدة شهيدين وصبي مفقود.. لا حول لها ولا قوة.. أعطاها الأمل وما يعينها على مواجهة ظروف الحياة.. فتشكره.. فيرد عليها: (ماذا أقول لربي يوم ألقاه وأنا المسؤول عنكم جميعاً؟).

تجوّلت في الأسواق.. سألتهم عن “آدم جماع”.. إجاباتهم بالإجماع أنه نعم الوالي ويسألون الله أن يبقيه والياً عليهم إلى ما شاء الله.

الرجل واسع الصدر.. نافذ البصيرة.. لمّاح.. ود بلد.. هاشّ باشّ.. يدخل السرور في قلب محدثه.. ويزيل في لحظة حاجز الرهبة التي قد تحدثها وظيفته باعتباره والي الولاية.. لا يعطي وعداً إلا إذا كان متأكداً أنه سينجزه ولو بعد حين.. شجاع.. يسير بين رعيته في الأسواق ومواقف المواصلات ويسخّر عربات الدولة لترحيلهم.

يحاسب من يعملون معه حساباً عسيراً.. ولا استثناء في خدمة عامة حتى للأقربين.. دموعه قريبة إذا هزه مشهد أو موقف لصاحب حاجة.. خطاباته يتحدث فيها بلغة مباشرة يفهمها كل الناس.. يعاني من مرض الغضروف فيتحامل على نفسه، يصارع ألم المرض ويرجئ العلاج لإحساسه بضرورة العمل في خدمة أهل الولاية لأنهم يحتاجون وجوده في ظل الظروف التي يعيشها كل الوطن من أزمات.

يشحذ همم مواطنيه.. ويحرّضهم على عمل النفير.. ويفصح لهم صراحة بأن يحملوا معه عبء تسيير أمور الولاية.

ترى كم من ولاتنا تتوفر فيهم هذه المواصفات؟؟ نحن نحتاج إلى ولاة أمور يتمتعون بهذه الصفات لنتنازل لهم بمحض اختيارنا ليديروا أمور حياتنا.. وإدارة أمور البشر أمانة وعمل شاق لا يقدر عليه إلا نفر من عباد الله منحهم المواصفات الخلقية لقضاء حاجات الناس.

أخي “آدم”.. أكتب عنك ليقرأ الناس سيرتك، وليقرأ كل من وُلي لخدمة الناس.. والعدل هو أساس الحكم، وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق.. ولن تنهض أمة إذا لم يحدث هذا التناغم بين الراعى والرعية.

حساب الدنيا والآخرة يشهد على ولي الأمر الذي يتخذ الولاية مطية لتحقيق أغراض زائلة من متاع الدنيا.. ومخافة الله تتجسد عند ولي الأمر الذي يخشى الله.

شكراً أخي “آدم جماع”.. أسأل الله لك الشفاء التام، وأن يمنحك القدرة على العطاء الذي يجعل من كسلا وأهلها ولاية تنعم بالأمن والسلام ورغد العيش، وللأخوة والأخوات التوفيق والسداد وهم يعملون معك.. آمين.

وأسأل المولى الكريم أن يبعد عن أهل السودان الفتن والإحن، وأن يمنحنا الهمة والنشاط لنعمل ونستأثر بخيرات وطننا.. آمين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية