بكل الوضوح

العيشة أولاً والأمن دائماً

عامر باشاب

{ السودانيون بمختلف مكوناتهم القبلية وانتماءاتهم وطوائفهم وتوجهاتهم السياسية عاشوا أحداثاً هائلة وعانوا ما عانوا من ويلات الحروب والنزاعات والصراعات القبلية، والخلافات والمطاحنات والمطاعنات السياسية التي قادتنا للاحتراق المستمر بجمرة الأزمات الاقتصادية.
{ واليوم إذا سألنا أي سوداني عن رؤيته للسودان الذي يتمناه ويريده الآن أو في المستقبل، اعتقد جازماً أن إجابة الجميع عن هذا السؤال المهم ستكون كالتالي، نريد السودان دولة آمنة تنعم بالاستقرار وتعيش في سلام وبعد الأمن والسلام نريد الرخاء في المعيشة.
{ حقاً ثورات الربيع العربي التي تفجرت في الكثير من الدول العربية حولنا بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وثم انطلق هتافها بدعاوى تغيير الأنظمة السياسية هناك وللأسف الشديد بعد ذلك تفاجأت بأنها قادت بلادها إلى بؤرة الحروب والنزاعات والصراعات القبلية، وحولت الأمن الذي كان إلى أوحال وأحوال من الدمار الشامل، والاقتتال اليومي وغير ذلك من أشكال التوترات والفوضى والتفلتات الأمنية، التي أكدت أن لقمة العيش رغم أهميتها لم تعد المطلب الأول لدى تلك الشعوب، واقرب مثال ما تعيشه الجارة ليبيا الآن وما آلت إليه الأحول في الكثير من المدن والمقاطعات السورية.
{ واعتقد الشعب السوداني وعى الدرس ولذلك معظم السودانيين، ظلوا حريصين على الحفاظ على قيمة الأمن وإن كان شغلهم الشاغل المطالبة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية، ولذلك نراهم كلما ضاق بهم الحال وتَدهورت الأوضاع المَعيشيّة، وتفحش الغَلاء وارتفعت أسعار السِّلَع الأساسيّة وفي مقدمتها الخُبز يحتجوا بسلمية، ومجرد أن وجدوا هناك من يريد أن يستغل احتجاجهم السلمي هذا ويجرهم إلى بؤرة الخراب انسحبوا من ميادين الانتفاضة والاحتجاج على الضائقة المعيشية والأزمات السياسية إلى الاحتجاج على مظاهر التخريب التي تستهدف دمار وإسقاط الوطن وليس إسقاط النظام.
{ والشعب السوداني بوعيه وصل إلى قناعة أن قيمة الأمن هي المطلب الأول وذلك لسبب بسيط هو أنه لا قيمة للعيش أو لرخاء المعيشة في ظل انعدام الأمن، ويمكن للإنسان أن يصبر على الجوع ويصبر على المرض ويصبر على الظلم بكل ألوانه، لكن لا يمكن أن يطيق العيش ولو للحظات في جو غير آمن ولذلك يجب علينا جميعاً أن نحرص ونعمل على تحقيق الأمن وبسطه في حياتنا العامة والخاصة، وحتى في المسيرات الاحتجاجية يجب أن نفوت الفرصة للمتربصين ببلادنا ويريدون زعزعة أمنها، ويجب أن يكون لنا جميعاً سهما في تحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد.. الذي كان وما زال من بين دول قليلة جداً تحسد على (نعمة الأمن).
{ وفي ظل الأمن والأمان يعيش الناس مطمئنين على يومهم وغدهم وهم مستبشرون وآملين في إصلاح جميع الأحوال، يؤدون واجبهم في هدوء واستقرار، ويستطيع كل منا القيام بدوره في الحياة وعلى أكمل وجه وبجودة عالية وإتقان تام، المعلم، والطبيب، والعامل، والموظف، والمزارع، والتاجر، والفنان.. وفي الجو الآمن يمكننا جميعاً أن نحقق الإصلاح وفي كل القطاعات ونصل إلى التنمية المنشودة ونستطيع أن نرتقي بهذا الوطن ونصل به إلى مصاف دول العالم المتقدمة.
{ وضوح أخير
{ حقا أين نذهب إذا وقعت بلادنا في نار جهنم التفلتات الأمنية والتفككات المجتمعية .؟!
{ بالرجوع إلى منهجنا الإسلامي نجد أن هذا الدين القيم أولاً نبه إلى إرساء دعائم الأمن حتى يعيش الناس حياة هادئة لا يعكر صفوها خوف ولا فزع.

{ والإسلام دعا لأمن النفس البشرية وحرَّم إزهاقها، وأكد ضرورة حقها في الحياة، ودعا إلى المحافظة على المال العام والمحافظة على أعراض وأموال الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين.
{ ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أوضح أن أسباب السعادة في الحياة الدنيا تبدأ بالأمن.. وجاء ذلك في حديثه الشريف: (من أَصبح منكم معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قُوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها).
{ وكذلك، طلب الأمن تقدم على طلب الرزق في دعوة أبو الأنبياء سيدنا “إبراهيم” عليه السلام: وكما جاء في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) صدق الله العظيم .
{ أخيراً.. نتمنى لبلادنا الإصلاح السياسي والاقتصادي وقبل هذا وذاك نسأل الله أن يعم الأمن والسلام ربوع بلادنا ليبقى السودان وكما عهدناه أكثر بلاد العالم أمناً وأماناً.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية