حوارات

الأمين العام لـ(حركة التحرير والعدالة) "بحر إدريس أبو قردة" في حوار مع (المجهر) (1)

 (30%) من عمر اتفاق سلام الدوحة لدارفور مضت بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة برئاسة “التيجاني السيسي”، أي ما يعادل (18) شهراً أو تزيد قليلاً من عمر الاتفاق، دون إحراز تقدم يذكر على الأرض خاصة فيما يتعلق ببند الترتيبات الأمنية، وعودة النازحين واللاجئين إلى قراهم التي هجروها إبان فترة الحرب، وعدم إيفاء الحكومة بالمبلغ القاعدي البالغ (200) مليون دولار.. وكثير من المياه جرت تحت الجسر، وكثير من الأحداث الملتهبة والساخنة مرت خلال الفترة الماضية على سير إنفاذ (وثيقة الدوحة) آخرها أحداث الفاشر في ولاية شمال دارفور، التي كادت أن تنسف الاتفاقية برمتها.. (المجهر) وضعت حزمة من القضايا على منضدة الأمين العام لحركة التحرير والعدالة ووزير الصحة الاتحادية “بحر إدريس أبو قردة”.. فإلى المضابط..

{ لنبدأ بتقييمكم لمسار تنفيذ (اتفاق الدوحة) لسلام دارفور خاصة بعد مرور (30%) من عمر الاتفاقية أي ما يعادل (18) شهراً أو تزيد قليلاً.. هل وضعت الحركة تقييماً لسير تنفيذ الاتفاق.. وهل أنتم راضون عنه؟
– بالنسبة للتقييم المؤسسي عن طريق الحركة، لدينا لجان تعمل منذ فترة ليست بالقصيرة حتى نخرج رأي الحركة بشكل كامل ونهائي، لكن حسب تقييمي الشخصي لسير التنفيذ، أعتقد أن بنود الاتفاق التي نُفذت حتى اليوم لا ترضي أهل دارفور.. وهناك تحديات حقيقية في تنفيذ الاتفاق، خاصة في أهم المحاور وهو محور الترتيبات الأمنية، رغم حدوث تقدم ملحوظ فيه، لكن العبرة بالنهايات، فاذا لم نبدأ في الإجراءات العملية عن طريق المعسكرات فإن التقييم لا يكون بالصورة المطلوبة.. وصحيح تمت إجراءات كثيرة ومعقولة والآن الحديث الذي نسمعه من الطرف الآخر بأن الأموال المخصصة لإدخال الناس للمعسكرات تم توفير قدر منها،  لكن العبرة في جمع الجنود في المعسكرات وتوفير الاحتياجات.
{ ماذا عن المبلغ القاعدي؟
 – المبلغ القاعدي الذي يبلغ (200) مليون دولار، يعدّ من أهم المحاور، لأن هذا المبلغ تتأسس عليه جملة من الأشياء، أولاً مؤتمر المانحين.. في تقديري لا يمكن أن تقول للمانحين (أدفعوا، وأنت دولتك غير ملتزمة بالدفع)، وهذا الموضوع يبقى تحدياً أمام مؤتمر المانحين.. ولكن هل سيقوم أم لا؟ وإذا قام هل سيلتزم الآخرون بالدفع؟
{ إذن مؤتمر المانحين لم يقم؟
– إذا لم يقم، و(القروش ما دفعت)، معنى هذا أنه لن تكون هناك تنمية في دارفور، رغم أن الجهد القطري بدأ في تنفيذ المرحلة الأولى المتمثلة في الإنعاش، لكن طبعاً هذه مقدمات (عشان تكون هناك تنمية حقيقية).
{ الأمن ما زال يمثّل هاجساً؟
 – موضوع الأمن وعودة النازحين واللاجئين، هذا موضوع مهم جداً، (ويمكن يكون أهم من موضوع المبلغ القاعدي ومؤتمر المانحين).. الآن هناك فرصة طيبة لعودة النازحين، وهناك عودة مقدرة، لكنها مواجهة بتحدي توفير الأمن، فإذا لم يتوفر الأمن مَن عادوا سيرجعون، وحينها سيعدّ هذا بمثابة انتكاسة ثانية تصعب جداً معالجتها، لأنهم سيرجعون مرة أخرى إلى المعسكرات.. وهذه مشكلة كبيرة.. وللأسف في الفترة الأخيرة في دارفور ظهر عدد من الظواهر غير المشجعة فيما يتعلق بالأمن، آخرها ما تردد عن الإشكالات التي حدثت بين الرعاة والمزارعين.. هذا ربما يلقي بظلال سالبة على تطبيق الاتفاق.
{ السلطة الإقليمية التي كنتم تراهنون عليها حتى الآن لم تقم بدورها؟
– لابد من تمكين السلطة الإقليمية، باعتبارها الذراع الأساسية، وحركة التحرير والعدالة الموقعة على الاتفاق معنية بتنفيذ كل الاتفاق لكن الذراع الرئيسية المعنية بتنفيذ الاتفاق هي السلطة الإقليمية، فتمكين السلطة الإقليمية مهم من حيث الموارد ومبالغ التسيير، وغيرها، حتى تؤدي رسالتها.. صحيح في إطار السلطة الإقليمية تمت أشياء كثيرة، مثل الدعم القطري الذي تم قبل فترة.. هذه الأشياء تحرك الاتفاق، لكن نحن لا يمكننا الاعتماد على الآخرين، ولابد أن يكون جهد بلدنا واضحاً جداً.. وهذا واحد من التحديات الموجودة.. عموماً الاتفاق مواجه بتحديات كبيرة في عدد من المحاور التي ذكرتها، لكن هذا أبرز المحاور، فالاتفاق نُفذت فيه بعض البنود، لكن لو قارنا ما نُفذ بعمر الاتفاق لا نستطيع إيجاد مبرر لما لم يتم تنفيذه.
{ ما المطلوب إذن؟
– لابد أن نكون صادقين مع أنفسنا ونبذل جهداً أكبر في إنزال هذا الاتفاق على أرض الواقع، فاتفاق سلام دارفور ما زال يحظى بشعبية كبيرة جداً في الإقليم، وهذه الفرصة يجب ألا نفوّتها كطرفين (الحركة والحكومة) طالما الاتفاق مسنود شعبياً.
{ كأنك تريد القول إن التقصير من جانب الحكومة وليس من جانبكم؟
– أنا حدّدت بشكل واضح الذي تم في تنفيذ الاتفاق والذي لم يُنفذ.. ولا أقول إن الحكومة وحدها مقصرة في التنفيذ، نحن أيضاً كطرف في الاتفاق مقصرون (يمكن يكون التقصير من جانبنا في آليات المتابعة)، فنحن منذ مجيئنا كانت لدينا إشكالات تنظيمية كثيرة جداً، لكن الحمد لله تجاوزنا كل الإشكالات التنظيمية الموجودة، من تأسيس مكاتب الحركة في ولايات دارفور والعاصمة القومية وبعض الولايات وغير ذلك، والآن لدينا خطة لاستكمال بقية الولايات خلال الأيام المقبلة.. الحركة موجودة، لكن شغلتنا  المشاكل الداخلية وآثرنا معالجة هذه الإشكالات أولاً في الخرطوم، ومن ثم الانتقال إلى دارفور والتوجه إلى الولايات الأخرى.
{ متى ستتوجهون إلى الولايات؟
– الآن خطتنا التحرك نحو الولايات الأخرى في ثلاثة محاور، جزء منها في شرق السودان، وجزء في الوسط، وجزء في ولايات النيل الأزرق، وتحريك وفود لتهيئة قواعد الحركة لتأسيس المكاتب،  لذلك قلت هناك تقصير من جانبنا، لأن تأخير استكمال الترتيبات التنظيمية أثر في آليات المتابعة والتنفيذ وفاعليتها، التي تجعل الحكومة والشركاء الآخرين يتحركون.
{ بالوقوف عند أحداث الفاشر والاعتداء على قواتكم.. كثيرون فسروا الخطوة بأنها بداية غير مبشرة في العلاقة بينكم والحكومة ما اضطركم إلى التلويح بالانسحاب من الاتفاق.. نريد تقييماً حقيقياً للأحداث؟
– بالنسبة لأحداث الفاشر، تحدثنا في المؤتمر الصحفي، الذي اضطرتنا له التصريحات المتضاربة، خاصة من حكومة ولاية شمال دارفور، التي كانت مضللة جداً للشعب.
{ أين كان التضليل؟
– قالوا.. الذين قتلناهم يتبعون للجبهة الثورية ويريدون قصف الفاشر.. وهذا كلام غير مسؤول، لذلك (عملنا كل التحرك الممكن)، ولاحقاً حصلت معالجة كاملة إلا شيئاً واحداً، وتعلمون جيداً أن البيان الذي صدر عن الجيش كان بياناً واضحاً، والحكومة تعاملت مع الإجراءات التي طلبناها بالكامل، خاصة إجراء لجنة التحقيق، والخطابات التي خاطبنا بها قيادة الدولة ووزارة الدفاع كلها تعاملوا معها بالسرعة اللازمة، وكل القضايا حُسمت.. والحكومة ارتكبت خطأ بالاعتداء على قواتنا، وتم تشكيل لجنة مشتركة حسب آلية (اتفاق الدوحة) المتفق عليها، واللجنة بدأت أعمالها في التحقق، وعندما ذهبت إلى الفاشر أخيراً التقيت باللجنة نفسها.
{ كثير من اللجان لا ترى نتائجها النور؟
 – العبرة بالخواتيم والنتائج والتطبيقات في الآخر، وحتى الآن اللجنة تمضي في عملها بصورة جيدة والخطأ يحدث أحياناً، وهذه الأحداث لا تؤثر على الاتفاق، باعتبار أن الذي كان يمكن أن يؤثر في الاتفاق هو (النكران) من قبل الحكومة، وعدم التحرك والتعامل مع هذا الحدث، وهذا لم يحدث، وطالما الموضوع حدث فيه تحرك وحصل فيه اعتراف بالخطأ، فهذا لا يؤثر مطلقاً على الاتفاق.
{ والي شمال دارفور يبدو أنه يحمّلكم المسؤولية؟ 
– أعتقد أن الشيء الوحيد غير المفهوم هو إصرار والي شمال دارفور “عثمان محمد يوسف كبر” على كلام ظل يردده (يلوك في الحكاية دي صباح ومساء بالباطل).. هذا هو الشيء الوحيد الذي لم نجد له تفسيراً.. فالجيش والحكومة والأجهزة الأمنية وكل المؤسسات قالت إن هنالك خطأ اُرتكب في حق قوات التحرير والعدالة وشكّلنا لجنة، وعملياً تجاوزنا القضية والمربع الأول، وتحركنا وعملنا اللجنة، واللجنة شرعت في أداء مهامها.. والوالي ما يزال مصراً على أقواله، حتى قبل يومين يتحدث عن أن القوات تابعة للجبهة الثورية.. ومن الأشياء الغربية قوله إن المدفع الموجود في العربة التابعة لقوات الحركة كان مصوباً نحو معسكرات النازحين، خاصة على معسكر (أبو شوك)، (ناس أبو شوك ديل ما أهلنا نحن ذاتهم)، هل يعقل أن تصوّب قوات حركة التحرير والعدالة مدافعها على معسكرات النازحين؟ (وموش أنحنا) حتى متمردي دارفور غير الموقعين على الاتفاقية هل يعقل أن يقصفوا معسكرات النازحين؟ هذا كلام غير مسؤول.

{ هذا يقودنا إلى سؤال.. هل هناك مؤشر بأن والي شمال دارفور “عثمان محمد يوسف كبر” غير مقتنع باتفاق الدوحة.. وهل يشعر بوجود تضارب في الصلاحيات بينه وبين السلطة الإقليمية؟
– أولاً معارضة “كبر” للاتفاق ليست من الآن، ففي التوقيع على الاتفاق رفض”كبر” الحضور إلى الدوحة إلا بعد تدخل قيادة الدولة، وبعد توقيع الاتفاق كل ولاة دارفور، مثل والي جنوب دارفور “عبد الحميد موسى كاشا” وقتها، كان استقبالهم رائعاً لوفود الحركة وللاتفاق والتعاون معنا، و”كاشا” ضرب مثلاً في التوافق مع أهل دارفور، وكيف يمكنهم العمل مع بعضهم البعض، وحتى الولاة الآخرين في ذلك الوقت كانوا مرحبين بالاتفاق بدرجات مختلفة، وإن لم يصلوا مرحلة “كاشا”.. والوالي الوحيد الذي كان غير متحمس هو “كبر”، وقد كانت الأمور تسير بشكل معقول، وكان هناك نوع من التعاون والتنسيق معه، لكن فجأة في الفترة الأخيرة أصبح “كبر” يناكف رئيس السلطة.
{ فيما تجسدت هذه المناكفة؟
– مع أن الولاة هم نواب لرئيس السلطة الإقليمية، لكن “كبر” لا يحضر اجتماعات السلطة، وحتى دعوات السلطة للزيارات الخارجية لا يلبيها ولا يتعامل مع رئيس السلطة “التيجاني السيسي”، بل خلق إشكالات كثيرة، جزء منها معلوم وجزء غير معلوم، وهذا شيء مؤسف.. فبعد أن نال أهل دارفور حقوقهم من خلال (اتفاق الدوحة) واحد من أبناء دارفور يكون معوّقاً لتطبيق الاتفاق!! لكن هذه مسؤولية قيادة الدولة، وهذا موجود في صلب الاتفاق، (إذا واحد من الولاة أصبح عقبة أمام تنفيذ الاتفاق فعليه أن يمشي)، وبالتالي قيادة الدولة تكون حريصة على تنفيذ الاتفاق، والوالي الذي يصبح معوّقاً عليه الذهاب.                   

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية