حوارات

(المجهر) في حوار مع الخبير الاقتصادي الدكتور “حجازي الإدريسي” حول الوضع الاقتصادي الراهن

الأحزاب التقليدية فشلت في حل الأزمات الاقتصادية مما أدى إلى استيلاء الجيش على السلطة

على السيد الرئيس أن يحل البرلمان ومجلس الوزراء وتشكيل حكومة من الوكلاء
الانقلابات العسكرية لن تحل مشاكل البلاد
يجب تقليص عدد الأحزاب إلى أربعة ومن ثم قيام انتخابات ديمقراطية
حاوره بجدة – صلاح حبيب
يوجد عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين من أبناء الوطن العزيز بالخارج استفادت منهم الدول الخليجية والأفريقية التي عملوا معها في تثبيت دعائم الاقتصاد من خلال خبراتهم ودراساتهم التي نالوها من الدول الأوروبية أو الأمريكية.
(المجهر) التقت أحد الخبراء السودانيين الذي يعمل بالمملكة العربية السعودية في مجال الاقتصاد كخبير لفترة طويلة من الزمن، أدرنا معه حواراً حول الأزمة الاقتصادية الحالية ، وكيف المخرج منها وما هي الحلول التي يمكن أن تجنب البلاد الصراعات، خاصة وأن البلاد تشهد مظاهرات في كثير من مدن البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية، فلنترك القارئ يطلع على رؤيته للأزمة بالبلاد، وكيف حلها ،فجاء سؤالنا الأول له:
= كيف تنظر إلى الوضع الاقتصادي الراهن؟
إن الأزمة الاقتصادية في السودان لم تكن وليدة اليوم، فأول انقلاب وقع في السودان كان السبب الأساسي فيه اقتصادياً، فالحزبيون الذين حكموا السودان بعد الاستقلال سبب التناحر بينهم كان الاقتصاد، وأي انقلاب عسكري وقع في السودان كان سببه أزمة اقتصادية، فالإنقاذ حينما جاءت واستلمت السلطة من حكومة “الصادق المهدي” كان الوضع الاقتصادي سيئاً إلى أبعد الحدود، ولذلك قام العسكريون بالانقلاب بسبب تلك الأزمة ، فأخطاء الأحزاب في حكم ما بعد الاستقلال جعلت هناك انقلابات عسكرية للإصلاح الاقتصادي.
= ولكن رغماً عن ذلك لم ينصلح حال الاقتصاد ما هو السبب؟
لأن العسكريين الذين تسلموا السلطة استعانوا بالأحزاب ، واصلاً هم سبب خراب البلد، فالإنقاذ حينما تسلمت السلطة ربما أرادت الإصلاح ولكنها فكرت تفكيراً حزبياً فأنشأت حزباً، واستعانت بالأفكار الحزبية الأخرى، فوصلت البلد إلى ما وصلت إليه الآن، أي أن الأزمة صنعت من الذين حكموا السودان.
= الإنقاذ في بدايتها واجهت أزمة اقتصادية حادة لكن خرجت منها ؟
مقاطعاً، ما مرقت منها ، لكن كانت هناك ندرة في كل شيء فكنت أتمنى أن تستمر الإنقاذ بثوبها العسكري لأن الأحزاب ماضيهم في الحكم هو الذي جعل هنالك انقلابات، وفي بداية الإنقاذ لم تكن هناك خطة واضحة للإنتاج، وكان من المفترض أن تكون الخطط في الاقتصاد العمل على زيادة رقعة الإنتاج لأن المشكلة أساساً متعلقة بالإنتاج، وكان هناك عجز في ميزان المدفوعات، وضعف في الجنيه السوداني، فلم تسر الإنقاذ في هذا الاتجاه، وإنما سارت في اتجاه الصرف البذخي ولم تتجه إلى المجال الزراعي الذي من ريعه يمكن أن تقام المصانع والطرق والكباري.
= ما هو السبب في ذلك؟
السبب أن الإستراتيجية كانت خاطئة، فنحن بلد زراعي كان من المفترض الاهتمام بالزراعة ومن مواردها العمل على تحقيق المتطلبات الأخرى، والسودان غني بموارده من بترول وذهب وفضة ونحاس، والثروة الحيوانية والنيل، ولكن لم نضع الخطة السليمة لتنمية هذه الموارد، لذلك ظل هناك صرف بذخي كبير مما أدى إلى عجز في ميزان المدفوعات، فالحكومة منذ العام 2016 – 2017 كان من المفترض أن تغير خططها الإستراتيجية، فموارد البلاد الآن بالخارج، والتجار أثروا من تلك الموارد من خلال الثغرات التي فتحتها لهم الدولة، ففلوس الحكومة الآن عند التجار وغيرهم من التجار المنتسبين إلى المؤتمر الوطني.
= هل المشكلة في وزراء المالية أم ليس لدينا خبراء في مجال الاقتصاد ؟
السودان ليست له مشكلة في الخبراء، ولكن المشكلة في تطبيق الإستراتيجية.
= هل هناك تدخلات من قبل الدولة في عمل الخبراء؟
الدولة لم تتدخل، ولكن من المؤسف في السودان أن هناك لجاناً اقتصادية متعددة، فمثلاً البرلمان له لجنة اقتصادية والمعارضة لها لجنة اقتصادية والحزب الحاكم له لجنة ووزارة المالية ، ولكن للأسف الذي يسير هو الذي تقدمه الأحزاب، ووزير المالية يعمل على تنفيذ كلامهم، وأنا ضد من يقول بأن وزير المالية ضعيف، ربما لم يكن متخصصاً في وزارة المالية، ولكنه ينفذ سياسة خطأ.
= لكن الخبراء يضعون الخطط، فهل الدولة هي التي توجه تنفيذ السياسات؟
ليست الدولة وإنما الحزب الحاكم هو الذي يوجه، ففي ميزانية 2018 مكتوب أن إيراد الذهب لم يدخل في الميزانية، فهذا كلام خطير، وقيل إن مائة طن تم تصديرها، ولكن أين ذهبت؟، فالدولة هي التي تعرف أين ذهبت، فأعتقد أن الناس الذين قاموا بتهريب المئة طن من الذهب هم نافذون في الدولة، ويجب محاسبتهم.
= وما هي وجهة نظرك في ميزانية 2018 التي رفعت سعر الدولار الجمركي إلى ثمانية عشر جنيهاً ؟
ميزانية 2018 اعتمدت على الضرائب فتعمل على تغطية عجز الدولة من الضرائب، ففي الوقت نفسه هي تعلم أن هذا العجز ينبغي ألا يكون، فهناك خلل في المال لأن الدولة تسمح بالتهريب وتسمح لحصائل الصادر من الذهب تخرج، وتسمح للتجار أن يجيبوا بضائع من الخارج، ولذلك أصبح الحمل كله على المواطن الضعيف فالميزانية كانت ميزانية جبايات.
= هل تعتقد أن الخلل الذي حدث الآن بسبب وزراء المالية السابقين؟
أبداً ، فالخلل بسبب السياسة الاقتصادية التي وضعت، فالسياسة الموجودة الآن قد تزيد من سعر الدولار، وهذه السياسة أخطأت مرة أخرى بأنها أفقدت المواطن الثقة في البنوك، ففقدان الثقة في العمل المصرفي من أخطر السياسات التي وضعتها حكومة “معتز”.
= هل الإجراءات البوليسية ستحل المشكلة؟
أبداً .
= ألم تساعد في خفض الدولار ؟
أبداً.
= البلاد تعاني من أزمة في الخبز والوقود ما هي أسبابها ؟
أسبابها أن الإنقاذ اتبعت نفس السياسات السابقة، فلها موارد لم تستخدمها صاح، ووسعت دائرة التهريب، والأزمة ليست اقتصادية وإنما متعلقة بسوء إدارة الاقتصاد السوداني.
= وكيف تنظر إلى سياسة التحرير التي قام بها وزير المالية الأسبق “حمدي”؟
السياسة كان هدفها أن يأتي بإيرادات ويدخل بضائع إلى السوق وفعلاً أتى بالبضائع وتم توفيرها للناس، ولكنها كانت غالية وليست في استطاعتهم.
= إذاً كيف المخرج من تلك الأزمة؟
المخرج ليس اقتصادياً، فوزراء المالية الحاليون والسابقون لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً ، فالمخرج أن يحل السيد رئيس الجمهورية البرلمان ويلغي مجلس الوزراء ويشكل الحكومة من علماء لا علاقة لهم بالسياسة تكنوقراط فتتشكل الحكومة لمدة خمس سنوات.
= وكيف يكون وضع الرئيس في ذلك؟
الرئيس يشكل حكومة من الوكلاء ، فبدل أن يكون الحل بالجراجات العميقة التي تؤدي إلى موت الأشخاص يمكن أن تكون بهذه الطريقة السهلة، وهي أن يحل السيد الرئيس البرلمان ومجلس الوزراء ويشكل حكومة من وكلاء الوزارات ، وتستمر هذه الحكومة لمدة خمس سنوات، فإذا أقيمت أسس صحيحة منذ عامها الأول فالدولة سوف تستقر وتسير بطريقة سهلة.
= هل الانقلابات يمكن أن تكون حلاً ؟
الانقلابات ليست حلاً للمشكلة السودانية الراهنة بل الحل العسكري سيكون أسوأ مما نحن فيه الآن.
= إذاً أين يكمن الحل؟
الحل كما ذكرت لك أن السيد الرئيس يحل البرلمان ومجلس الوزراء ويعين حكومة من الوكلاء، ويمكن أن تعود الحكومة إلى الدستور القديم وتوزع كل صلاحيات السيد الرئيس على مجلس الوزراء وتسمي هذه الحكومة بحكومة حل الأزمات، فخلال عام يمكن أن تكون النتائج أفضل ومن ثم تجري الانتخابات التي يشارك فيها عدد من الأحزاب لا يتعدى الثلاثة أو الأربعة أحزاب سياسية بدلاً من الترهل الذي نراه الآن في الأحزاب السياسية التي وصلت إلى ما يقارب المائة حزب سياسي، مع عمل ضوابط لتلك الأحزاب الأربعة والتشديد على الأموال التي تحصل عليها ، ووقف أي حزب يتضح أنه يتقاضى أموالاً من الخارج، فما نراه الآن من فوضى سياسية سببها هذه الأحزاب الكثيرة.
= هل تعتقد أن الأحزاب الآن هي من تشعل المظاهرات؟
بالتأكيد هناك أحزاب لا يعجبها الذي يجري، وهي التي تشعل نيران المظاهرات من أجل مصلحتها حتى تستطيع أن تحكم إذا ما نجحت تلك المظاهرات في عملية التغيير، ولذلك أرى أن هناك فوضى سياسية سببها كثرة الأحزاب، وكما ذكرت لك فإن تلك المظاهرات لن تصل إلى السلطة، ولن يكون هناك حل عبر الانقلابات العسكرية، وإذا حدث سيكون أسوأ لأن كل الانقلابات العسكرية كان ما بعدها أسوأ مما قبلها، أي أن مشاركة الأحزاب السياسية بعد ذلك في السلطة كانت الأسوأ، فالتجارب دلت على ذلك ما بعد انتفاضة رجب أبريل أو بعد حكم الرئيس الأسبق “نميري” والآن في الإنقاذ فكل التجارب فاشلة.
= هل الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى خروج المواطنين إلى الشارع وراءها جهات أخرى؟
بالتأكيد فالخصوم السياسيون بالخارج هم الذين يقومون بافتعال الأزمات ضدك.
= هل الأحزاب الداخلية أو الخصوم لهم ضلع في ذلك؟
الأحزاب في السودان دائماً تستخدم سياسة اللكمات ضد الآخرين، وأنا أرى من المفترض منع الأحزاب التقليدية من العمل السياسي.
= وما مصير الأحزاب؟
ينبغي أن يتقدم كل حزب جديد بسياسة واضحة تتيح له ممارسة العمل السياسي ، لأن الأحزاب القديمة فشلت في إدارة البلاد منذ خمسين عاماً، فتأتي أحزاب جديدة لا علاقة لها بالأحزاب القديمة تضع سياساتها ورؤيتها لحل المشكلة بالبلاد، لأن المعارضة تتصيد أخطاء الحكومة، والحكومة تتصيد أخطاء المعارضة، فظللنا طوال تلك الفترة في تلك الدوامة أو الملاكمة.
= كيف تنظر إلى المظاهرات التي خرجت الآن؟
المظاهرات التي خرجت الآن لا توجد فيها أحزاب، فالشارع طفش من الأحزاب ومن الحكومة الحالية.
= وما هو الحل إذاً؟
حل البرلمان ومجلس الوزراء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية