تقرير – هبة محمود سعيد
قبل أن يهدأ الحديث حول صحة بيان (مزعوم) صادر عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا “محمد عثمان الميرغني”، ممهوراً بتوقيعه اليومين الماضيين، يعلن خلاله فض الشراكة مع الحكومة في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد مؤخراً، الأمر الذي نفته قيادات الحزب لاحقاً مؤكدة استمرار “الميرغني” في شراكته ضمن حكومة الحوار الوطني، قبل أن يهدأ حديث صحة بيان الاتحاديين، خرج السيد “مبارك الفاضل” رئيس حزب الأمة وزير الاستثمار السابق، في خطوة مفاجئة وهو يعلن فض حزبه الشراكة مع المؤتمر الوطني الحاكم وانسحابه من الحكومة، في وقت تقدم فيه ممثل حزبه الوحيد في الجهاز التنفيذي، وزير الصحة بالولاية الشمالية “عبد الرؤوف قرناص” استقالته من منصبه، استجابة لقرار الحزب ودعماً لانتفاضة الشعب.. لتتسع بذلك رقعة الاستفهامات حول مسببات انسحاب (البلدوزر) ونفض يده من شراكة الوطني، في ظل إبعاده من منصب وزاري ضمن حكومة الحوار الوطني في نسختها الثانية بقيادة رئيس الوزراء القومي “معتز موسى”، فهل أعلن “الفاضل” انسحابه تضامناً مع الشعب، أم أن الأمر لا يعدو كونه شخصياً، سيما أنه عرف عن الرجل مواقفه السياسية المتقلبة؟ وهل سيعقب خروج حزب الأمة خروج أحزاب أخرى؟
{ شخصية مثيرة للجدل
ظل السيد “مبارك الفاضل” مثيراً للجدل، معارضاً للحكومة أو موالياً لها، يعرف كيف تُصنع الحيل وتُدار التكتيكات وتُبدل المواقف، كما أنه لا يتسرع الاقتحام ويصل إلى غاياته حتى وإن كان موجوداً داخل عش الدبابير، وقد جاء خلو تشكيلة حكومة الحوار الوطني في نسختها الثانية سبتمبر الماضي، من أي موقع يتسنمه سليل المهدية، غريباً بعض الشيء ومثيراً للتساؤلات، قبل أن يعلن عقب تشكيل حكومة “معتز موسى” في تصريحات صحفية، زهده في العمل ضمن الحكومة، متخذاً لنفسه موقعاً خارج حيز منظومة العمل السياسي والتنفيذي.
التوقعات ذهبت وقتها إلى وجود اتفاقات مبرمة بين الحكومة و”الفاضل” الذي يشارك في التشكيل الوزاري الجديد بوزير تنفيذي واحد في الولاية الشمالية، وثلاثة نواب في البرلمان ونائب واحد في مجلس الولايات، فضلاً عن عضو في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم. وتأتي هذه التوقعات نسبة إلى أن “مبارك الفاضل” كان قد انتقل من مربع المشاركة بتنفيذ البرامج في حكومة الوفاق الوطني بنسختها الأولى إلى المشاركة في المقاعد، بل والمطالبة بزيادة حصة حزبه، وقد وقف حجر عثرة أمام إعلانها، إلا أن أهمية “الفاضل” قادت الوطني للجلوس معه وتذليل العقبات في طريق عودته، ولو زادت حصته في الكيكة الصغيرة.
{ ما وراء الخروج
قبل أن تبارح التوقعات مكانها حول صفقات مبرمة بين “مبارك” والحكومة، بعض التسريبات هنا وهناك أشارت إلى أن “مبارك الفاضل” غادر مغاضباً من الحكومة خاصة بعد رفضه المشاركة في تشكيلتها الأخيرة بعد إزاحته من وزارة الاستثمار رغم ملاحقة المؤتمر الوطني له من أجل تسمية ممثل له في الحكومة، إلا أن الرجل رفض بشدة المشاركة في الحكومة والاكتفاء بالاستمرار في الحوار الوطني، لينفي بذلك تصريحاته التي أطلقها عقب عودته للبلاد في 2014 وتأكيداته على أن البلاد تمر بظروف دقيقة يأمل في تجاوزها إلى رحاب السلام، وإلى تحول ديمقراطي حقيقي، وإلى حقن الدماء، مؤكداً أن حزبه أيضاً يمر بظروف دقيقة آملاً في تجاوزها، وأضاف: (البلد تمر بظروف دقيقة وهنالك فرص للخروج من هذه الظروف إلى رحاب سلام واستقرار وديمقراطية)، مشيراً إلى أن الحوار والحل السلمي عملية متفق عليها من كل القوى السياسية، وشدد أنه على استعداد لمقابلة أية شخصية أو جهة سياسية لها دور في البلد. وأضاف: (ليس لدينا مانع في لقاء أية قوة سياسية لبحث قضايا الوطن)، نافياً أن تكون عودته بدعوة من النائب الأول.
{ ردود فعل
لم يجد وزير الاستثمار السابق عقب إبعاده عن منصبه، سوى إطلاق الاتهامات على حزب المؤتمر الوطني، وقد وصف في أول تصريحات له عقب تشكيل الحكومة في نسختها الثانية الوضع في السودان بالمعقد ولن يعالجه تغيير الحكومة ولا تغيير الأشخاص، مبيناً أن الحكومة الجديدة لن تقدم أي جديد سوى زيادة الفاعلية، مضيفاً إن المشكلة الاقتصادية التي يمر بها السودان هي نتاج لتراكم أخطاء سياسية واقتصادية في ظل الصراع السياسي الذي ظلت تعيشه البلاد منذ الاستقلال. واتهم أشخاصاً بالمؤتمر الوطني، لم يسمهم، بالتسبُّب في الأزمة الاقتصادية الأخيرة، التي أدت إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية وشح السيولة وارتفاع أسعار السلع، وقال إن الهدف من ذلك هو إيذاء الحكومة، وأضاف: (هنالك أناس داخل المؤتمر الوطني رفعوا الدولار ويريدون إيذاء الحكومة، ويدبرون مؤامرة سياسية لإسقاط الحكومة بإحداث انهيار اقتصادي استهدف العملة الوطنية، وخلق هلعاً واضطراباً في السوق أدى إلى رفع التجار سعر الدولار، ودفع البعض لسحب أموالهم من البنوك عقب فقد الثقة في الجهاز المصرفي)، وذكر أن القيادات استخدمت نفوذها لتهريب الذهب.
هجوم “مبارك الفاضل” المتكرر على الوطني، جعل من عضو لجان الحوار في المؤتمر الوطني “عبد السخي عباس” يكيل الاتهامات لـ”مبارك” بتعمد الإساءة للحزب، مؤكداً أنه أصبح شريكاً غير مؤتمن، لافتاً إلى أن تصريحات “مبارك الفاضل” بشأن وقوف قيادات بالحزب وراء الأزمة بهدف إيذاء الحكومة، يعد ضرباً من التخرسات، وما ذهب إليه مجرد حديث سياسي لا علاقة له بالاقتصاد. وقال “عباس”: (صحيح توجد أزمة اقتصادية وتسعى الدولة لمعالجتها لكن لا توجد قيادات داخل الحزب تعمل لإضعاف الحكومة)، منوهاً إلى أن الوطني حزب متماسك وموحّد تحت قيادة مدركة للتحديات.
{ الخروج الثاني
يعد خروج “مبارك الفاضل” مغاضباً من الحكومة هو الثاني من نوعه، وذلك عندما غادر القصر الرئاسي حين كان مساعداً لرئيس الجمهورية عقب عامين من تعيينه، وذلك في أعقاب اتهامه بعدم الالتزام بسياسات الحكومة التي يشارك فيها، ليعود مرة أخرى لممارسة معارضة السلطة وإمام الأنصار في آنٍ واحد والانخراط ضمن صفوف تحالف الإجماع الوطني، والانشغال بتجارته بين الفينة والأخرى قبل أن يساهم بشكل كبير في مؤتمر جوبا في العام 2008، وسرعان ما فاجأ الكل في العام 2010 بإعلان عودته إلى حزب الأمة القومي برئاسة “المهدي” بعد معارك طويلة وخصومة امتدت سنوات كان أقل ما فيها مطالبته ابن عمه “الصادق المهدي” بالتنحي عن قيادة حزب الأمة القومي الأصل، ليقوم بدوره في معركة النضال للخلاص من الوطني.
ونسبة لمواقفه المتقلبة فقد عاد “مبارك” في 2014 مشاركاً في الحوار الوطني، يدعو له من أجل الوصول بالوطن إلى مرافئ الاستقرار، في خطوة وصفها المراقبون بالانقلاب الذي رسم الحيرة وعلامات الاستفهام حيال مواقفه المتقلبة وما الذي يريد فعله، سيما أنه عاد وهو يستخدم لغة وفاقية، يعلن عبرها استعداده للجلوس إلى النائب الأول “بكري حسن صالح”، فيما يمد يديه للإمام “الصادق المهدي”، قبل أن يعلن أمس الأول انسحابه من الحكومة، ليعيد بذلك مشهد مغادرته القصر مغاضباً.
من جانبه، وصف القيادي بحزب المؤتمر الوطني د. “ربيع عبد العاطي” “مبارك الفاضل” بأنه (عنصر أذى)، مؤكداً أن انسحابه من الحكومة كان متوقعاً، وقطع بأن وجوده سواء أكان في صف المعارضة أو الحكومة (سيان)، وقال: (مبارك إذا ركب سفينة لا يتردد في خرقها).
واستنكر “عبد العاطي” في حديثه لـ(المجهر) ارتضاء الحكومة أن يكون “مبارك” شريكاً وجزءاً منها في الأساس، لافتاً إلى أن الرجل عرفت عنه مواقفه المتقلبة والمتنوعة، مستشهداً بآرائه حول الأسلحة الكيماوية والتطبيع مع إسرائيل، ووصفها بالآراء الشاذة.. وفي السياق استبعد “ربيع” حذو أي من الأحزاب الأخرى المشاركة في الحوار الوطني، حذو حزب الأمة والانسحاب من الحكومة.