الناطق الرسمي باسم حزب التحرير في ولاية السودان "إبراهيم عثمان أبو خليل":
عدم قبوله بالحلول الوسط هو ما يميز”حزب التحرير” الإسلامي عن بقية الحركات الإسلامية الأخرى في سعيه لإقامة”الخلافة الإسلامية”، فهو يدعو إلى تقويض أنظمة الحكم القائمة وإحلال الخلافة كبديل عنها، ويعتبر الحكام الحاليين إنما يطبقون أنظمة وضعية (رأسمالية) أو (اشتراكية) أوغيرها، ولهذا الحزب الذي تأسس في فلسطين انتشار واسع في العالم، أبرزه في فلسطين ولبنان، ودول شرق ووسط آسيا، وبعض الدول الغربية كالمملكة المتحدة، أستراليا، ألمانيا وروسيا، لا يقبل بالدول الإسلامية الوطنية (ضمن حدودها المعروفة الآن، ويعتبرها ولايات إسلامية، يجب أن يحكمها خليفة واحد هو خليفة المسلمين.
(المجهر) جلست إلى الناطق الرسمي باسم “حزب التحرير” في حوار تناول العديد من مفاهيم الحزب وبقضايا أخرى.
{ ما هو الفقه الذي استندتم عليه حتى تقسمون البلدان إلى ولايات ؟
– هذه المسألة قديمة منذ أن أقام النبي (صلي الله عليه وسلم) الدولة الإسلامية الأولى، حيث كان يسمي حكام الأقاليم بالولاة ويعين ولاة عليها، أما الأماكن الأقل من الولاية تسمى (عمالات) ويقال فلان (عامل) للنبي (ص) في المكان الفلاني، بعد وفاة النبي (ص) ومن بعده الخلفاء الراشدون استمر هذا التقسيم للبلدان باعتبارها ولايات يكون فيها الوالي هو الحاكم المسؤول.
{ حزب التحرير نشأ في أوائل الخمسينيات بحسب علمي، ولكن لا يُعرف على نطاق واسع المُنظِّر له أو حتى أميره ؟
– الحزب بدأ في العام (1953) في مدينة القدس بفلسطين، والمؤسس الأول له هو الشيخ “تقي الدين النبهاني”، ومؤسسه من مدينة “الخليل” حيث كان قاضيا تخرج في الأزهر، ثم ترك القضاء وتفرغ للعمل السياسي، جاء بالفكرة بعد عمل دراسة مع مجموعة من المهتمين بوضع المسلمين في العالم، فدرسوا هذا الواقع الذي لا يشبه الأمة الإسلامية.
{ تأسست حركة “الأخوان المسلمين” في العام (1928)، وهي حركة دعت لتأسيس “الدولة الإسلامية” الشاملة، فما هو الجديد الذي دفع لقيام فكر مشابه يحمل ذات المضامين؟
– هذه المسالة متروكة للذي يدرس الفكرين فكرة “حزب التحرير” وفكرة “الأخوان المسلمين”، أنا إذا تحدثت عن الفرق بينهما فيصبح هنالك نوع من عدم المصداقية، لأني صرت القاضي والحكم بين جماعتين، لذلك نحن نطرح ما عندنا من مفاهيم وأفكار قام عليها حزبنا، وعلى المتابع وأي إنسان في الساحة أن يدرك ما قام عليه حزب التحرير، وما يقوم عليه الآخرون، ويصل هو بنفسه لهذا الفرق، وبالتالي يستطيع التقييم، ونحن لا نقيم أو نعتبر ما نقوم عليه ونستند إليه من أفكار ومفاهيم وآراء هو الصحيح، ولذلك نقول ما عندنا صواب يحتمل الخطأ، وما عند غيرنا مطلقاً خطأ يحتمل الصواب، ولذلك فنحن لسنا قضاة نقاضي أو نحاكم غيرنا، ومن يُرد أن يفعل ذلك، أو يقف على أفكار كل جماعة حزب، لابد أن يكون معياره هو معيار الإسلام والالتزام الصارم بمبدأ الإسلام العظيم.
{ ولكنكم محسوبون ضمن جماعات الإسلام السياسي حيث تدعون لقيام دولة الخلافة الإسلامية، ما هي وسائلكم لتحقيق ذلك، خاصة وأن هذه التيارات قدمت تجاربها سواءً في السودان أو تونس أو مصر ؟
– أولاً نحن نرفض توصيف أن هنالك إسلاماً سياسياً أو إسلاماً غير سياسي، فالإسلام واحد، والسياسة جزء من الإسلام باعتبارها أحكاماً شرعية منبثقة عن العقيدة الإسلامية، أو مبنية عليها، وبالتالي فإن هذا التوصيف جاء من غير الإسلاميين حتى ينفرون الناس من السياسة، وهذا طبعا فيه شيء من التضليل لأن النبي (ص) كان نبياً وكان سياسياً، والصحابة من بعده كانوا سياسيين حكاماً وغيره، وهذا يؤكد على أن السياسة لا تنفصل عن الإسلام، أما ما هي الآلية التي نسعى بها لإقامة الخلافة، نحن الآن نعيش في وضع غير طبيعي وليست للمسلمين دولة.
{ ولكن للإسلام السياسي تجاربه في الحكم سواءً في السودان أو تركيا أوغيرهما؟
– كل التجارب الإسلامية الموجودة الآن سواءً في السودان أو تركيا أو غيرهما ،لا علاقة لها بالإسلام، ولا حتى تلك التي في مصر أو تونس ولا في أي مكان.
مقاطعة..
{ كيف ذلك وهي طرحت شعارات إسلامية ومحسوبة على أنها حركات إسلامية؟
– القضية ليست في رفع الشعارات بقدر ما هي في التطبيق على أرض الواقع، فحينما أقول إسلام، فالإسلام دولته معروفة هي “دولة الخلافة” والتي حددها الرسول (ص)، في أحاديثه، وأنه لا نبي بعده، فستكونون خلفاء.
{ قلت إن الإسلام غير مطبق وأن الدولة الإسلامية ما زالت غير موجودة حتى الآن.. كيف ذلك ؟
– الدولة الإسلامية غير موجودة لأن دولة الإسلام هي دولة “الخلافة”، والدول الموجودة هي دول” قطرية”، بينما دولة الإسلام هي دولة للمسلمين، وليست دولة للمصريين أو للسودانيين أو لغيرهم، هي دولة للمسلمين، هذه هي النقطة الأولى والجوهرية والأساسية، المسألة الثانية أن الأحكام التي تقوم في الدول الآن، لا تقوم على أساس الإسلام، بل تقوم على الأساس الرأسمالي الوضعي، وهذه طبيعة الأنظمة الموجودة في العالم الآن.
مقاطعة..
{ أنا أتحدث عن “التجارب الإسلامية” أو “الأنظمة الإسلامية سواءً في السودان أو تركيا أو غيرهما؟
– ليست هنالك أية تجارب إسلامية، وليست هنالك أية أنظمة إسلامية، صحيح أن هنالك إسلاميين وصلوا إلى السلطة باسم الإسلام ورفع شعاراته، ولكنهم لم يطبقوا الإسلام، بل قاموا بتطبيق نفس الأنظمة القديمة، فلو أخذنا السودان كمثال سنجد أنه طبق النظام الرأسمالي في أسوأ صوره.
{ هل معنى ذلك أن الشريعة الإسلامية غير مطبقة وما هو موجود مجرد شعارات ؟
– بكل أسف حينما يتحدث الناس عن الشريعة الإسلامية فإنهم يعتبرون “الحدود” هي الشريعة، من قال إن الحدود هي الشريعة؟، الشريعة هي كل أحكام الله تعالى لتنظيم حياة الناس سواءً كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها.
{ يتحدث كثير من المراقبين السياسيين عن مسألة جوهرية في فكر الحركات الإسلامية بأجمعها، ويقولون إنها لا تمتلك حتى الآن نظرية اقتصادية؟
– للأسف من وصل إلى السلطة باسم الإسلام، طبق غيره، وبالتالي أوجدوا ربكة عند الأمة، وحتى أن بعضهم يحاولون تطبيق ما يُسمى ب”الأسلمة”، نفس الأنظمة الرأسمالية القائمة يطلقون عليها “إسلامية”، ولذلك تجدهم يقولون لك مثلاً “بنك إسلامي”، مع أن فكرة البنك أصلاً قائمة على الربا، وهي فكرة “يهودية” قديمة.
{ هل في حال وصلتم إلى الحكم هل ستلغون “البنوك” وهل لديكم بديل اقتصادي ؟
– نحن لدينا نظام اقتصادي مبني على العقيدة الإسلامية، نظام بمؤسساته وبكل شيء، ولدينا دستور مطروح للأمة وفيه فقرات تتحدث عن ماهية الاقتصاد، وكيفية جلب المال، وكيفية إنفاقه.
*في هذه الحالة هل تقبل الدول أو الولايات النفطية الغنية القبول ببيت مال واحد يضم بقية الولايات الإسلامية الفقيرة؟
– طبعاً سيكون هنالك بيت مال واحد، وبالمناسبة من يأخذ أموال هذه البلدان الآن ستجدها الأسر الحاكمة نفسها، بينما الشعوب محرومة منها، وحينما تأتي دولة الخلافة، فالحاكم سيكون مثله ومثل بقية الشعب، والمال حينما ينتشر بين الأمة الإسلامية فلن تجد فقيراً واحداً، ولذلك تجد الأمة تتوق الآن إلى الوحدة الإسلامية ولن ترفضها، وتتوق لدولة تقوم على أساس الإسلام وتحكم به، ولكن الحكام الموجودين الآن هم المتسلطون على رقاب الأمة ويتصرفون في مقدراتها، وللأسف ليتهم كانوا هم من يتمتع بها، ويتركون الباقي للأمة، هم يتمتعون بثرواتها ، ويعطون ما تبقي منها للغرب.
{ الدين يسر وخير الأمور أوسطها لماذا أنتم تصرون على التشدد، فأين اليسر في دعوتكم؟
– السؤال هو أين التشدد؟ لأن الالتزام بأحكام الإسلام لا يعتبر تشدداً، ومن يريد أن تصبح الأمور بلا ضابط وقيد هم من يوصمون الناس بالتشدد، لكن الذي يسعى للتقيد بالإسلام في كل أعماله لا يعتبر متشدداً إنما ملتزم، وهنالك فرق كبير بين أن تكون متشدداً وبين أن تكون ملتزماً.
{ بالمقابل أين النتائج نحن لا نرى أية نتائج حالياً؟
– طبعاً الحزب لم يصل إلى السلطة ويطبق الإسلام حتى يحاسب بالتشدد أو غير التشدد أو بنتائج، أما إذا تحدثنا عن نتائج ما يقوم به حزب التحرير فهو الآن أصبح ملء السمع والبصر في العالم الإسلامي.
{ هل لديكم قياس رأي حقيقي على ما تقول؟
– المسألة مبنية على واقع الأمة الإسلامية التي تتوق إلى الإسلام الآن. والربيع العربي حينما انطلق، طالبت الشعوب بالإسلام، وأوصل الإسلاميين الذين اعتقدت أنهم سيطبقون الإسلام إلى السلطة.
{ من وصل إلى السلطة في كل البلدان التي ذكرت هم الأخوان المسلمون فأين حزب التحرير؟
– القضية ليست الوصول إلى السلطة، فالغاية عندنا لا تبرر الوصول إلى السلطة، من وصل إلى السلطة غيرنا، وبكل أسف لم يطبق الإسلام، ورضي بالديمقراطية التي كان يقول عنها إنها نظام كفر.
{ هل أنتم ترفضونها؟
– تماماً، لأن الديمقراطية نظام، وليست آلية، والبعض يحاول أن يضلل الناس ويقول إنها آلية ومجرد وسيلة، لا فالديمقراطية نظام متكامل له آراؤه ومؤسساته.
مقاطعة..
{ كيف ستصلون إلى السلطة إذا لم تصلوها عبر وسائل ديمقراطية؟
– الأمر متعلق بوصول الإسلام إلى السلطة وليس وصول أشخاص إليها، وذلك بنفس الطريقة التي اتبعها الرسول (ص) في وصول الإسلام إلى السلطة، وهو لم تكن لديه سلطة حينما كان بمكة، إنما اتبع طريقاً محددة للوصول إلى السلطة وهو مع الدعوة طلب النصرة من أهل القوة والمنعة لتبني الفكرة..
{ أنتم ممن ستطلبون النصرة؟
– من كل من له قوة ونصرة، الآن الأمة تخرج إلى الشارع وتنادي بإسقاط الحاكم وإقامة نظام العدل، والأمة حينما تعي بهذه الفكرة فإنها ستعي بأن من سيأتي لها بالعدل وبالحياة الهانئة هو نظام الخلافة الإسلامية.
{ البعض يرى الديمقراطية مرادفة للشورى، فأين الشورى من الطرح الذي تقول به؟
– هذا حديث فيه تضليل أيضاً، الديمقراطية هي نظام، والشورى حكم شرعي، أيهما أسبق الديمقراطية أم الشورى؟ الديمقراطية أتت بعد صراع حدث في أوروبا باسم الذين كانوا يحكمون باسم الإله، لكن في الإسلام لا يوجد لدينا من يحكم باسم الإله، فخليفة المسلمين هو “خادم” الأمة وليس متسلطاً عليها، بالإضافة لذلك فإن من الواجب على الأمة محاسبة الخليفة، وحدث ذلك في تاريخ الخلافة الإسلامية، فقد حاسب أفراد من الأمة الخليفة الصديق “أبابكر” والخليفة “عمر بن الخطاب” رضي الله عنهما.
{ كيف ستقيمون الشورى في حال وصولكم إلى الحكم؟
– من بلاوي المسلمين أن الديمقراطية أصبحت شبه رأي عام، الإسلام غير محتاج للديمقراطية.
{ في حال إقامتكم لدولة الخلافة وفقاً لما قلت فإن الحكم سيكون تسلطياً ولرأي واحد، كما أن الأقليات غير الإسلامية سيكون وضعها سيئاً، والمسلمون أنفسهم سيكون لديهم مشكلة في مسائل عزل الحاكم في دولتكم؟
ـ هي ليست دولتنا إنما هي دولة الإسلام، وما ذكرته أنت فنحن ملتزمون بما جاء به النبي، وما جاء من عند الله، أولاً فإن الحاكم لن يكون متسلطاً، وإنما منفذ لأحكام الله والأحكام الشرعية ليس له شيء زائدا ما لدى الأمة، ولأي مسلم حق محاسبة الحاكم، ومؤسسات الدولة ستكون خاضعة للمحاسبة بأحكام الإسلام.
{ نفس هذا الحديث طرحته حركات إسلامية وصلت إلى الحكم إلا أنها مارست أمراً آخر؟
– هؤلاء لا يحكمون بالإسلام، ومن قبل بالدولة المدنية الديمقراطية عليه أن يتحمل نتائجه، المداهنة والمنافقة والتكتيك لا يجدي في الإسلام، الإسلام مبدأ واضح أعرضه يقبل من يقبل ويرفض من يرفض، وبهذا المعنى لا يوجد حكم إسلامي سواء في السودان، أو مصر أو تونس، وما يحدث هو تكالب على الدنيا، والحكم في الإسلام أمانة.
{ كيف تنظرون لمسألة التطرف؟
– في كثير من الأحيان هذه الخلايا الإرهابية، هم شباب ليس لديهم الفهم ويغذون بهذه الأفكار ثم يصورون بأنهم متطرفون.. هؤلاء هم صناعة لأجهزة مخابرات غربية.