تصدق منو؟!!
في خطابه السياسي أمام مؤتمر شعبة أساس بحي الجريف بالخرطوم، قال الشيخ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، وزعيم الحركة الإسلامية بعد رحيل “الترابي” إن هناك جهات خارجية تتآمر لاقتلاع شجرة الوطني من جذورها والسعي لإسقاط النظام، ومضى “علي عثمان محمد طه” يقول إن التآمر ضد السودان لن يزيدنا إلا ثباتاً واقتحاماً للصعاب.. أوردت معظم الصحف الصادرة يوم الأحد الماضي حديث “علي عثمان محمد طه”.. ولكن ذات الصحف أوردت حديثاً ينفي كلام “علي عثمان” (وينسفه) نسفاً غير رحيم.. جاء الحديث الناسف على لسان “بشارة جمعة أرو” لا بصفته الحزبية، ولكن كناطق رسمي باسم الحكومة ووزيراً لإعلامها.. يقول “أرو” الذي ابتدر حملة صحافية تبشيراً بمواقف الحكومة وشرحاً لأسباب الأزمة.. وفي صحيفتين مختلفتين، قال “بشارة أرو” إن السودان لم يفقد حلفاءه وأصدقاءه ولا يقف وحيداً في مواجهة ظروفه الاقتصادية، ونفى بشدة وجود حرب اقتصادية ومالية على البلاد.. إذا كان الوزير يتحدث باعتبارات (ويراعي) وفق تقديرات الحكومة أن السكوت على المعلنة ونفيها أجدى للحكومة، فإن حديث “علي عثمان محمد طه” يصدقه الواقع، وحديث “بشارة أرو” يكذبه الواقع أيضاً.
وحينما يتحدث “علي عثمان” لا يتحدث مثل سائر الساسة من خطباء اللحظة العابرة.. ذوي الوزن الخفيف، لكنه يتحدث عن تجربة مهما اختلف الناس حولها.. تبقى تجربة جديرة بالتأمل والتقدير.. من 30 /يونيو/ 1989 وحتى 2015م، مسيرة البلاد لحصار دولي ومقاطعة إقليمية وحرب ثلاثية من إثيوبيا ويوغندا واريتريا.. ولكن لم تبلغ الأوضاع سوءًا كالذي يخيم الآن على رؤوس أهل السودان.. لم تفقد بلادنا طوال سنوات القحط والجفاف والحصار (الصديق الذي يفك الضيق) إلا في الأزمة الحالية تخلى عنا القريب والبعيد، فهل كل ذلك بغير تدبير ولا تخطيط.. ومؤامرة؟ ولماذا كفت دول المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر جميعهم كفوا عن تقديم يد المساعدة والعون للخرطوم رغم التي تنزف دماؤها في جبال اليمن.. والحصار العربي للنظام السوداني معلوم الدوافع والأهداف ولا يخفي إلا على وزير الإعلام الذي فرضت عليه أعباء الوظيفة أن يقول حديثاً لا يصدقه إلا من يؤثر ريع الوظيفة على المبدأ والموقف.
عرف عن “علي عثمان” الصمت والكتمان وتقدير الكلام قبل إرساله في الفضاء وحديثه عن مؤامرة لاقتلاع شجرة المؤتمر الوطني من جذورها ورميها في قارعة الطريق واستخدامها كحطب وقود ربما أمثلة تحديات الواقع الشاخص الآن.. وفشل حكومة الوفاق الوطني في إدارة شأن الدول أمراً يمكن تداركه إلا أن محاولة إسقاط النظام برمته وإزاحة الوطني من الحكم تدبيراً يدفع كل قادة الحزب الجالسين بعيداً عن المواقع الوزارية والهياكل التنظيمية في الحزب للاصطفاف ومقاومة التيار الاقصائي الذي أفصح عنه نوايا سوداء حال سقوط النظام بانتفاضة شعبية أو بغيرها ممن تتمنى المعارضة ذلك، فكيف لا يتصدى “علي عثمان” و”نافع” لمن يستل سكينه لجز أعناق ثقل التنظيم وقادته قبل وزراء الحكومة؟!..