القيادية المايوية "نفيسة أحمد الأمين" تقلب مع (المجهر) اوراق الماضي والحاضر
“نفيسة أحمد الأمين” إحدى مؤسسات الاتحاد النسائي السوداني.. وأول سودانية تعمل في قمة جهاز تنفيذي نائبة لوزير الشباب في العام 1971م.. وكانت أول من ولجت المكتب السياسي في عهد مايو من النساء.. وقد نشطت في العمل الطوعي والخيري لفترة طويلة..
“نفيسة” التي قررت بعد رحيل نظام (مايو) في العام 1985 أن تمارس العمل السياسي دون الانتماء إلى أي حزب.. تناولت في حوارها مع (المجهر) العديد من القضايا بين الماضي والحاضر.. بدءاً بذكريات العمل في الاتحاد النسائي السوداني وإنجازاته.. مروراً بواقع المرأة واتحادها الحالي.. كما تحدثت عن الواقع التعليمي والمعاشي اليوم.. وأدلت بقراءتها للعديد من الوقائع والأحداث..
{ الاتحاد النسائي قبل (50) عاماً.. كيف كانت البدايات؟
– الاتحاد النسائي هو الركيزة ونقطة التحول الأساسية للحركة النسائية في السودان، والحركة النسائية كما هي معروف، بدأت برابطة الفتيات المثقفات السودانيات عام 1947م، وتلتها بعد ذلك عدد من الجمعيات الصغيرة، ولكن الاتحاد النسائي كان هو التنظيم القوي الأول الجامع، وكان من أهدافه تأكيد حقوق المرأة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعمل على نهضتها وتطورها.
تأسس الاتحاد عام 1952م، ووجد استجابة من الأسر والآباء، وقاموا بمساندته بالرغم من أنه نشأ في ظروف قاسية، والمجتمع كان انفعالياً والعادات والتقاليد لهما آثارها القوية على ذلك المجتمع، لكن الاتحاد استطاع أن يكسب ثقة المجتمع، وحتى القلة التي عارضته باسم الدين سرعان ما اعترفت به، وكنا دائماً ما نؤكد بأنه جنين شرعي للحركة الوطنية، لأنه تأسس في ظروف تأسست فيها الأحزاب السياسية، ونشطت الحركة الشعبية الفئوية والجماهيرية.
{ ذكرتِ أن كل الحقوق التي تنعم بها المرأة الآن نتيجة لمطالبكم قبل أكثر من خمسين عاماً.. هل تعتقدين أن الاتحاد العام للمرأة السودانية أدى دوره الكامل تجاه المرأة مع الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة كثرت بائعات الشاي والمتسولات في محطات الوقود وعلى الطرقات.؟
– الأستاذة “رجاء حسن خليفة” أحدثت قفزات في الاتحاد، وانفتحت على الآخرين، واحترمت التجارب السابقة في الحركة النسائية، لكن يجب أن نعلم أن الاتحاد النسائي يتأثر بكل المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في البلاد سواء أكانت داخلية أو خارجية، فمثلاً البلاد تغيرت من حكم ديمقراطي لفترة بسيطة، إلى حكم عسكري يتطور إلى حكم شمولي في فترات طويلة.. هذه المتغيرات السياسية بالتأكيد أثرت على مسيرة الاتحاد وعلى مسيرة الحركة النسائية. الوقت الذي تأسس فيه الاتحاد النسائي يختلف عن الوقت الذي تأسست فيه التنظيمات الأخرى، والآن نعاني من النمو السكاني والنزاعات والحروب وارتفاع كبير في حدة الفقر، وهذه بالتأكيد كلها عوامل تؤثر وتجعل مسيرة التنظيم النسائي تهتز، وكذلك حركة الطلاب والزرّاع وحركة العمال والمثقفين. رأت المجموعة التي أسست الاتحاد النسائي، أنه ما لم يكن للمرأة تنظيم شعبي جماهيري واسع ليساهم مع هذه الجماهير لنهضة الوطن وتحقيق الاستقلال الوطني، فلن يكون للمرأة أثر واضح ضد الاستعمار والكفاح من أجل تطور المرأة، ولذلك يمكنني القول إن الظروف نفسها التي تأسس فيها الاتحاد هي التي ساعدته على أن يكون حركة قومية أصيلة وحركة جماهيرية شعبية التأمت مع بقية الجماهير، وساهمت في تحقيق الاستقلال الوطني، وفي تنمية المجتمع ونهضة المرأة، والحصول على حقوقها المختلفة.
{ هل تعتقدين أن الاتحاد النسائي في عهدكم استطاع تحقيق أهدافه؟
– استطيع أن أقول نعم، لأن الحقوق التي حصلت عليها المرأة في وقت متأخر كان أساسها مطالب الاتحاد النسائي، وكل الحقوق التي تنعم بها المرأة السودانية الآن طالب بها الاتحاد النسائي الذي حقق أهدافه سواء أكان بالنسبة لحقوق المرأة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، وإن كان هناك ضعف هنا أو هناك، أو انتهاك للحقوق فهذا لا يقلل من قيمة أن هذه الحقوق تحققت، ويبقى السؤال هو كيف لنا أن نحافظ على هذه الحقوق وتطورها مع مسيرة الزمن؟
{ هناك اتهام لتنظيمكم بأنه عندما نشأ كان تابعاً للحزب الشيوعي؟
– لم يكن الاتحاد تنظيمياً شيوعياً، لكن انطلقت هذه الشائعة لأن الحزب الشيوعي كان من المساندين المؤيدين للاتحاد النسائي في بدايته، لكن الاتحاد لم يكن يتبع إلى (أيديولوجية) محددة أو حزب بعينه، وكان قومياً بكل المعايير، على غرار الاتحاد العام للمرأة السودانية، فهو يتبع للنظام السياسي، وهذا شيء طبيعي في أية أنظمة شيوعية. والتنظيم عندما يتبع أيديولوجية سياسية محددة لا يجمع كل النساء، فالاتحاد العام للمرأة السودانية لديه إيجابية، وأنا أعتقد أنه في بداياته الإقبال عليه كان أكثر من الجهات المؤيدة للأيديولوجية التي يتبع لها الاتحاد العام للمرأة السودانية.
{ هل نالت المرأة الآن حقوقها كاملة؟
– الاتحاد النسائي عندما تأسس والتنظيمات النسائية التي أعقبته كانت تقاتل من أجل المساواة، والحقوق السياسية الكاملة لم تتحقق إلا بعد ثورة أكتوبر، لكن الحقوق ليست لديها غاية تقف عندها، وتغير الأنظمة والنزاعات وحدة الفقر كان لها دور كبير جداً، والمرأة السودانية الآن أدركت حقوقها لكنها مشغولة بلقمة العيش، ويمكن القول إن واحدة من حسنات التنظيم النسائي الحالي اهتمامه بالمرأة الريفية، لأنها تعاني أكثر من المرأة في المدن، وكلما كانت المرأة مشغولة بلقمة العيش قلت مشاركتها في العمل العام.
{ كيف تقرئين المشهد السياسي السوداني؟
– المشهد السياسي في أضعف مواقفه، استهداف ونزاعات تلاها انفصال الجنوب الذي كان كارثة على البلاد، والوطن بحاجة إلى توحيد الجهود وإغلاق الباب أمام كل الاستهدافات الخارجية حتى يكون هناك استقرار، ولا بد من تقديم تنازلات من كل الأطراف (معارضة وحكومة)، وبما أن الحكومة هي متخذة القرار، فيجب عليها تقديم التنازلات الأكثر من أجل المصلحة العامة.
{ جاء قصف مصنع (اليرموك) مؤخراً.. وانقسم الناس إلى رأيين أحدهما يقول إنه لا بد من وجود تحالف قوي يحمي ظهر السودان.. و(إيران) هي الدولة التي يمكن أن نتحالف معها.. والرأي الآخر يرى أنه لا بد من التطبيع مع أمريكا.. وهناك أصوات تنادي بمهادنة إسرائيل.. أي الآراء ترجحين؟
– أنا أفضل العلاقات الخارجية المتوازنة، وأرفض التحالف مع (إيران) لأن سياستها ليست سياسة دولة تجعلنا نتحالف معها، كما أنني ضد الدخول في أي محاور مع إسرائيل، لكن في نفس الوقت لا يجب أن ندخل في عداءات معها، لأن ذلك ليس في مصلحتنا، (إسرائيل) لا علاقة لنا معها ما لم تعترف بالقضية الفلسطينية.
{ “نفيسة أحمد الأمين” ما بين العهد المايوي والإنقاذ.. أين تجد نفسها؟
– كل وقت تتقيم أحداثه في إطار ظروفه ومعطياته، والوقت الذي (قامت) فيه مايو يختلف عن الوقت الحالي.. مايو حدثت في وقت كانت فيه الانقلابات العسكرية تتحول إلى شمولية، والجماهير أصيبت بصدمة أو يأس من عدم تحقيق الديمقراطية من قبل أحزاب السياسة الحاكمة في السودان. أنا شخصياً كنت من الذين أصيبوا بصدمة جراء حادثة طرد نواب الحزب الشيوعي داخل البرلمان عام 1966م، وهم نواب منتخبون من الشعب، وعندما لجأوا إلى المحكمة العليا عارضهم البرلمان وضرب بقرار المحكمة العليا عرض الحائط. هذا الحدث كان من أحد الأسباب التي جعلت مايو تحظى بتأييد كبير من الناس خاصة في بدايتها لأن مايو لم تكن حزبا سياسيا والاتحاد الاشتراكي كان تنظيما عاما، ولكن بالرغم من ذلك التأييد الذي حظيت به مايو، إلا أنها إذا عادت اليوم لن أعمل بها.
{ لماذا؟
– لأن قناعتي تغيرت، والوقت أيضاً تغير، واتخذت قراري بألا أعمل عملاً سياسياً ينتمي إلى حزب أو تنظيم سياسي، وإنما أؤدي عملاً سياسياً قومياً لا ينتمي لأي حزب، هذا ما أفعله الآن.
{ هل عرضت عليك حكومة الإنقاذ العمل معها؟
– لم تعرض عليَّ أي منصب، ولو عُرض عليَّ لبادرت بالاعتذار، لأنني قدمت للوطن الكثير، وأيضاً لأنني ما عدت أؤمن بالعمل الشمولي، لكن بالمقابل الديمقراطية التي كنا نعمل بها في ذلك الوقت إذا عادت الآن لحدث انقلاب عسكري آخر.
{ أعود بك مرة أخرى إلى سؤال سابق إجابته ما بين مايو والإنقاذ.. أين تجد “نفيسة أحمد الأمين” نفسها؟
– كما ذكرت لك سابقاً، الوقت الذي جاءت فيه مايو يختلف عن الظروف التي جاءت فيها الإنقاذ، فالانقلاب كان انقلاباً عسكرياً، والاتجاه داخل البرلمان كان إسلامياً، ولأول مرة يحدث انقلاب وتخطط له جهة هي جزء من الديمقراطية في البرلمان على عكس مايو التي كانت انقلاباً أيديولوجياً، وفي اعتقادي أن انقلاب ثورة الإنقاذ ما كان من المفترض أن يحدث، وكان يجب أن تتم جهود من البرلمان لإصلاح الأخطاء الموجودة في البلاد، لكن الحكم المطلق غير صحيح، أنا لا أقول إنه لا توجد انجازات في الإنقاذ، لكن بالمقابل يوجد تدهور والإنقاذ نفسها اعترفت به، أزمة اقتصادية، حروب ونزاعات تلاها انفصال الجنوب الذي كان كارثة على البلاد وفي حق الجنوب. مايو أخطأت عندما قسمت الإقليم الجنوبي إلى (3) أقسام.
{ هل تعتقدين أن الأنظمة السابقة التي تعاقبت على السودان حكم ساهمت في هذا الانفصال؟
– مايو وقعت اتفاقية بين الشمال والجنوب ولم تحدث حرب لمدة (10 سنوات).. فكيف لك أن تساوي بينها ونظام حقق سلاماً ولكنه أعقبه بانفصال؟
{ هل يعاودك الحنين إلى العهد المايوي؟
– أنا في حياتي لا أحن لماضي، وأعتقد أن الماضي انتهى وله ظروفه ومعطياته ووقته، وأحياناً أعود إلى مايو، لكن ليس بدافع الحنين، ويكون ذلك نتيجة لوقوع حدث سياسي في البلاد، فأقارن وأدون وأكتب مذكراتي. مايو لها إيجابيات وسلبيات وأخطاء، وهذه هي طبيعة العمل السياسي، لكن أعتقد أن مايو ظلمت في التقييم، وإلى الآن لم تقيِّم بالطريقة الصحيحة، وسوف يأتي الوقت الذي تقيِّم فيه مايو التقييم الصحيح.
{ حركة التعليم في البلاد.. كيف تقيمين مسارها؟
– التعليم العام في السودان متدهور، والسبب تغيير المناهج لأنها خضعت لرؤى سياسية أكثر منها تربوية، هذا التغيير كان له كبير الأثر على التعليم العام، أضف إلى ذلك تغيير السلم التعليمي من (6 – 3- 3) إلى (8 – 3)، الذي يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور التعليم في السودان، لأن التربويين عندما وضعوه لم يضعوه اعتباطاً، وهذه إحدى سلبيات الإنقاذ.
{ لكن (مايو) عندما حكمت قامت بتغيير السلم التعليمي وحولته إلى (6 – 3 – 3).. فهل يعتبر هذا من سلبياتها؟
– مايو أيضاً تسرعت عندما قامت بتغيير السلم التعليمي، ولكن في النهاية سار بصورة جيدة نسبياً، وما أحدثته الإنقاذ من تغيير في السلم التعليمي كان كارثة على التعليم العام، لأنها فرقت بين الطلاب في ما يسمى بمدارس (الموهوبين، والمدارس النموذجية) حينما تقوم بأخذ الصفوة من المدارس ليجلس كل الطلاب بمختلف بيئاتهم ومدارسهم ومستوياتهم في امتحان الشهادة السودانية، وبالتأكيد تكون هناك فوارق لأنه ليس من العدل أن تجمع بين طلاب توفرت لهم بيئة مدرسية مهيأة، وبين آخرين أبسط الإمكانيات غير متوفرة له!
{ تأثير أسرتك على العمل السياسي؟
– أسرتي من ناحية أبي تنحدر من قرية (ود رملي)، كنت أذهب مع زوج شقيقتي وأقضي جزءاً من الإجازة في (ود رملي)، هناك كنت أرى حال المرأة في الريف، وكيف تعاني من نقص في كل الأشياء، وكنت أحرص على ممارسة كل ما تقوم به المرأة في الريف، وكنت دائماً ما أسأل شقيقي الأكبر “أمين أحمد الأمين” عن اختلاف حال المرأة في الريف ومعاناتها، ولماذا استطاعت المرأة في المدينة أن تتغلب عليها، كان يجيبني أن هذه سياسة الاستعمار الذي يقصد أن يجعل الريف يعيش في جهل وظلام، وخاصة المرأة لأنها إذا أصبحت مستنيرة تتميز في الأسرة والمجتمع، وسوف يقوم الشعب بطرد الاستعمار، كل هذه الأشياء كان لها بالغ الأثر في نفسي، وأعطتني دافعاً بأن أقدم للمرأة الريفية حتى تستطيع الخروج من ذلك النفق المظلم الذي أدخلها المستعمر فيه، والفضل كذلك يرجع إلى زوجي ووالدتي.
{ هل تنتابك لحظات ندم على دخول عالم السياسة؟
– لست نادمة على سنواتي التي قضيتها في العمل السياسي، ولا آخذ من الماضي إلا التجارب والمواعظ السياسية التي بها ضغوط نفسية واجتماعية كثيرة (لو الزول اشتغل سياسية صاح)، لقد عشت العمل السياسي في وقته، وكانت لدي قناعاتي ولكنها أخذت من صحتي وتفكيري الكثير.