السفير العراقي بالخرطوم "صالح حسين علي التميمي" لـ (المجهر):
حمّل السفير العراقي بالخرطوم النظام السابق في بلاده مسؤولية خروج العراق عن دوره الريادي في العالم العربي، بسبب دخوله في حروب عبثية لا طائل منها. وقال الدكتور “صالح حسين علي التميمي” في حوار أجرته معه (المجهر) إن المتطرفين من كل الأطراف تسببوا في الفتنة الطائفية التي حدثت هناك عقب سقوط النظام السابق، لكنه رجع وقال إن بلاده تعافت منها شيئاً فشيئاً، واتهم بعض وسائل الإعلام بتضليل الرأي العام حول علاقة بلاده بإيران، مؤكداً الدور الريادي والمستقل للعراق وانتماءه العربي ووقوفه مع القضايا العربية.. وتطرق في حواره مع الصحيفة للعديد من القضايا.. فإلى مضابط الحوار..
{ سعادة السفير نرحب بك بدءاً ونسأل عن العلاقات السودانية العراقية التي كانت ممتازة في عهد النظام السابق في العراق.. لماذا لا تدفعون بها إلى الأمام الآن؟
– العلاقات بين العراق والسودان منذ فتح السفارة العراقية في الخرطوم في العام 1958م، هي علاقات جيدة ولم تكن مرهونة بالنظام السابق فقط، وإنما في كل الحقب السياسية التي مرت بالعراق في زمن الملكية والجمهورية، وأيضاً في الوقت الحاضر. العلاقات بين العراق والسودان علاقات متميزة، وما زالت مستمرة، ولم يشوبها أي خلل طوال تلك الفترة.. من الممكن أن تمر بفترة فتور لأسباب أو ظروف محيطة بالبلدين، في بعض الأحيان تحدث ظروف تؤدي إلى بعض الفتور والإشكالات، لكنها تبقى علاقات متميزة ووطيدة، والآن هي إن شاء الله ستكون أكبر وأحسن، وفي تصاعد مطرد.
{ كان السودانيون المقيمون بالعراق يعاملون معاملة جيدة مع بقية الجنسيات من الدول العربية الأخرى من حيث الإقامة والوضع.. كيف هو الأمر الآن؟
– بالتأكيد السودانيون لهم معاملة متميزة بالاتجاهين، الاتجاه الشعبي والحكومي، فالشعب العراقي يحب الشعب السوداني، ويميز العمالة السودانية من كل العمالة القادمة إلى العراق من الدول الأخرى.. العمالة السودانية متميزة منذ السابق وحتى الآن، مع الظروف التي حصلت، وإشكاليات بعض المتطرفين الذين أسهموا في مشاكل كثيرة في العراق، لكن الآخرين وأغلبية الشعب السوداني يحبون العراق، وهم الآن يعيشون هناك بنفس الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها في العمل، وقد تأطرت هذه الإقامة الجيدة والتعامل الجيد بإعادة عمل السفارة السودانية في بغداد هذا العام.
{ على ذكر المتطرفين.. هل ما زالت هنالك مشاكل بخصوص متطرفين سودانيين أو غيرهم؟
– الحقيقة هذه المشاكل الأمنية والأسئلة حولها يمكن توجيهها إلى مختصين في المجال الأمني، وهم يعطونك تفاصيل أكثر بخصوصها، لكن عموماً هي موجودة ومن كل الجنسيات.. بعض المتطرفين موجودون، لكن نأمل أن تنتهي هذه المشاكل خاصة مع إخواننا العرب، فالعراق عمق عربي للجميع، خاصة السودان.. هذا ما نأمله.. لكن كمشاكل وأرقام هذه ليست عندي، ويمكن لمتخصصين أن يفيدوك بشأنها.
{ يعدّ العراق دولة رائدة في العالم العربي.. هل يمكن أن يعود مرة أخرى ليلعب ذات الدور؟
– الدور الريادي للعراق كان موجوداً منذ العهد الملكي، ولم يكن مرهوناً بالنظام السابق أو أي نظام آخر.. منذ العهد الملكي وُجد الدور الريادي للعراق في الأمة العربية، وأصبح هذا الدور كبيراً وينمو، وبسبب ظروف العراق ودخوله للأسف في حروب عبثية حدثت إشكالات سياسية كبيرة، جعلت العراق يخرج من هذا الدور الريادي.. بعد العام 2003م حاولنا كثيراً أن نعيد هذه العلاقات ونعزز انتماءنا للمجتمع الدولي، حسب أولوياتنا طبعاً.. الأولويات العراقية معروفة في السياسة الخارجية، ابتداءً بالدول العربية، ثم إلى دول العالم الإسلامي، ثم يكون انتماؤنا لدول عدم الانحياز والمجتمع الدولي والدول الصديقة.. هذا ما نعمل عليه.. وإن شاء الله يكون الدور الريادي للعراق أكبر في المرحلة المقبلة، لا سيما أن العراق قدم المساعدات للدول العربية التي تتطلب موقفاً مسانداً في هذه المرحلة، فوقف مع إخوتنا في فلسطين– في غزة التي زارها وفد برلماني كبير برئاسة رئيس البرلمان العراقي الأستاذ “أسامة النجيفي” ومعه (40) برلمانياً، قدم مساعدات دوائية وعلاجية بما قيمته (مليون وستمائة ألف دولار) قدمت مباشرة إلى إخواننا الفلسطينيين في غزة.. أيضاً في ما صار من أحداث في الأردن حيث قدم العراق منحة في مجال النفط مقدارها (100) ألف برميل لمساعدة الأردن بغرض تخفيض أسعار الوقود التي قد تنجم عن زيادتها مشاكل تؤثر في طبيعتها على البلدين، وباعتبار أن الأردن بلد عربي ويمثل عمقاً للعراق.. أيضاً هنالك مساعدة أخرى باتجاه المساعدات الإغاثية منها لسوريا، للشعب السوري، ولليمن، والسودان كمساعدات إغاثية لدارفور.
{ الفتنة الطائفية قد تؤخر هذا الدور في العراق فكيف تتعاملون مع هذا الواقع؟
– طبعاً الفتنة الطائفية ولدت مع الحرب، بالإضافة إلى مشاكل أخرى، ومن ولّد الفتنة الطائفية هم المتطرفون من كل الأطراف.. الآن العراق الحمد لله قضى على هذا الأمر تقريباً، والحكومة تعمل جاهدة على تثبيت الأمن.. وما أحب أن أؤكد عليه أن التعايش والانسجام ما بين الطوائف في العراق هو الأفضل في العالم العربي والعالم الإسلامي، لكن الإعلام هو من يضخم بعض الأمور ويقوم بالتضليل.. المشكلة هي مشكلة متطرفين فقط، وهؤلاء موجودون في كل العالم.. اليوم أنتم تسمعون في الإعلام كيف أن المتطرفين في السودان كانوا يعبثون، وكذا هذه هي مشكلة العالم الآن، ولكن الحمد لله كشعب وطوائف عراقية منسجمون ومتعايشون، وهناك دلائل كثيرة على ذلك، فأنت تجد البيوت في العراق تحوي كل الطوائف.. الكثير من البيوتات وليست قليلة.. هذا دليل على انسجام وتعايش ما بين العراقيين.
{ ما هي طبيعة علاقتكم مع إيران؟
– إيران هي دولة من دول الجوار، وهذه الدول مهمة جداً بالنسبة للعراق.. لا يخفى على الجميع أننا تربطنا مع إيران حدود تبلغ أكثر من (1400) كيلومتر، وهذا الوضع يفرض علينا أن تكون هنالك علاقة تبادل مصالح مشتركة مع هذا البلد، وتعاون كبير باتجاه اقتصادي واجتماعي وسياسي وفي كل الاتجاهات، على أن لا يكون هنالك تدخل في الشؤون الداخلية والسيادة، ومع التأكيد على أن ارتباط العراق الحيوي هو بجواره العربي مادياً ومعنوياً، ولن يكون الارتباط مع إيران على حساب المصالح الوطنية للعراق أو مع جواره غير العربي.
{ مقاطعة.. ولكن عفواً سعادة السفير.. هنالك من المراقبين من يقول بأن العراق بات الحديقة الخلفية لإيران؟
– العراق يتصرف في ضوء مصالحه الوطنية العليا وليس عن طريق الإملاءات الخارجية.. هذا اتهام باطل.. العراق معروف في علاقاته وواضح جداً في مواقفه.. الآن حتى في علاقتنا وموقفنا مع سوريا، على سبيل المثال، لم يكن مبنياً على خلفيات أو أشياء أخرى، نحن نقف مع البلد العربي.. البعض يحاول تضليل الرأي العام لكن هذا غير موجود.. إيران دولة تتمتع بسيادتها، والعراق دولة تتمتع بسيادتها هي الأخرى، ونحن أيضاً تربطنا علاقات جيدة مع تركيا، لماذا لا يكون هناك شيء آخر؟ بالعكس نحن لدينا بعض الإشكالات مع إيران حول قضايا المياه، ومع تركيا حول نفس القضية، ولكن حل هذه المشكلات يكون عبر الحوار لا غير.. الحوار ثم الحوار.. بل على العكس من الممكن أن يكون العراق عامل توازن بين جواره العربي وغير العربي، ويكون أداة تواصل لهذا الجوار مع خارجه.. للعالم الإسلامي عبر إيران، ولأوروبا عبر تركيا.
{ مع من يقف العراق في سوريا؟
– نحن نقف مع الشعب السوري والمعارضة غير المسلحة، وهذا هو رأي الحكومة العراقية، وذلك أمر معروف حتى في جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي.. نحن لا نريد أن يكون هنالك تغيير بالعنف، فالعنف لا يخدم الجميع لا سوريا ولا العراق.. إذا كان لابد من التغيير فليكن عبر الحوار بين الحكومة والمعارضة، وفي ذات الوقت نحن لا نقبل بالمعارضة المسلحة لأنها تؤثر على مسار الحياة في المنطقة كلها، وليس في سوريا فقط.
{ ثار لغط حول مسألة اجتثاث (البعث) في العراق.. هل يمكن أن نشهد تصالحاً بين تيارات وأحزاب العراق المختلفة؟
– هذا القرار يعود للجهات المسؤولة عن هذا الموضوع وتوافق الكتل السياسية.. وبالتأكيد ستكون هنالك حلول لكل المشاكل، ولكن هذا الموضوع هو موضوع كبير بعد العام 2003م، وهنالك مشاكل كبيرة من الممكن حلها على مستوى المسؤولين عن هذا الموضوع.
{ هنالك مسؤولون من النظام السابق من أمثال نائب الرئيس العراقي السابق “عزت إبراهيم” يتبنون العمل المسلح.. فكيف تتعاطون مع هذا الواقع؟
– نحن كسفراء مهمتنا تمثيل الحكومة، وهنالك توجيه رئيسي منها بضرورة احترام كل عراقي خارج البلاد، ونؤدي له الخدمة وكل الخدمات، شريطة أن لا يعمل عملاً يؤدي إلى العنف في العراق، أو في البلد التي نحن معتمدون فيها.. هذا شرطنا.. فكل معارض يستخدم العنف نحن لا نقبل به، لكنه من الممكن أن يكون معارضاً شأنه شأن كل الدول، حيث توجد الحكومة كما توجد المعارضة وتحترم، لا مشكلة في ذلك، ولكن المعارضة المسلحة التي تثير العنف في العراق غير مقبولة بالمرة.
{ كيف تنظرون الآن إلى حزب البعث الذي كان على سدة الحكم؟
– هذا الحزب محظور الآن بنص الدستور.
{ البعض يقول إن القرار العراقي بيد الولايات المتحدة؟
– مطلقاً، هم لا يمارسون الوصاية علينا كما يقول الإعلام، بالعكس نحن دولة لنا سيادتنا، ولا بأس أن تكون لنا علاقات مع الجانب الأمريكي خاصة بعد خروج القوات الأمريكية في نهاية عام 2011م، ونستفيد من أمريكا في الاتجاهات العلمية والثقافية، على أن لا يتدخلوا في شؤوننا الداخلية.
{ هل يقومون ببناء الأجهزة الأمنية والعسكرية؟
– لا، الآن العراق يقوم بذلك بنفسه، كما قدمت لنا بعض الدول المساعدة في ذلك، منها السودان، حيث عملنا فيه دورات تدريبية لقوات الشرطة هنا.. ولا بأس من الاستعانة بكل الأصدقاء في مثل هذه المسائل، وكذلك كانت هناك دورات في الأردن، وفي مصر، ولا بأس أن نفعل ذلك إذا احتجنا له، فهذا شيء مشروع كاتفاقيات لبعض الدول وتحترم اتفاقياتها.
{ كيف هي علاقاتكم مع دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات؟
– جيدة والحمد لله، وتأخذ بالنهوض مع كل دول الخليج العربي وليس فقط مع الإمارات والسعودية، وعلاقتنا مع الشقيقة الكويت متميزة الحمد لله وهي في تطور دائم، وهنالك تفهم كبير من جانب سمو أمير الكويت والحكومة والبرلمان والشعب الكويتي كذلك، والدليل الواضح هو حضور سمو الأمير بنفسه على رأس وفد كبير للقمة العربية التي انعقدت ببغداد.
{ هل من الممكن أن يلعب العراق دوراً إيجابياً في الصراع الداخلي في السودان من أجل تحقيق السلام سواء في دارفور أو النيل الأزرق وجنوب كردفان؟
– بالتأكيد، العراق الآن يترأس الجامعة العربية والقمة العربية، ومسعاه دائماً هو مساعدة الدول العربية ويلعب دوراً إيجابياً، وبالتأكيد حتى مساعداتنا تذهب في هذا الاتجاه، فحينما نعطي مساعدات إغاثية بمقدار (10) ملايين دولار لدارفور، من أجل تهدئة هذه الأوضاع، ولمساعدة السودان على احتواء الأزمة، لأنه بدون مساعدة الدول العربية والدول الصديقة، فمن الصعب أن يحتوي السودان الأزمة وبعض مشاكله الكبيرة، وهذا من الأسباب التي تدفع بالعراق لمساعدة السودان من أجل السلم.. والسودان مسعاه واضح في هذا الصدد، والدليل ما حدث من قبوله بالاستفتاء وانفصال الجنوب من أجل تحقيق السلام، وعدم الركون إلى الحرب وتخليص أبناء الشمال والجنوب منها، وبالتأكيد السودان يحتاج إلى مساعدة الآخرين ومن ضمنهم العراق، ونحن من جانبنا ندعم أيضاً السلام والعلاقات الإيجابية بين دولتي السودان في الشمال والجنوب.
{ لماذا لا توجد استثمارات عراقية في السودان؟
– الاستثمارات موجودة، وقبل شهرين افتتحنا المطعم الكبير مطعم (بابل) للمستثمر “مصطفى الجاف” وهو يقع في وسط الخرطوم.. أيضاً توجد استثمارات بحجم أصغر، وأيضاً هنالك استثمار في مجال الأسمنت للمستثمر “أحمد إسماعيل” وهو موجود على مستوى كبير.
{ المهم أن تكون في المجالات المنتجة في الصناعة والزراعة؟
– نعم، بالتأكيد هذا أمر مهم جداً.. ونحن ساعون ليكون هنالك توفيق بين الحكومتين أولاً عبر بروتوكول تعاون في المجال الزراعي وهو مهم، ومن ثم في المجال الصناعي، وحتى في مجال الثروة الحيوانية عبر التبادل التجاري بين البلدين، ويمكن أن يرى النور في الأيام المقبلة.
{ أخيراً.. هل استمعت للغناء السوداني.. ومن لفت نظرك؟
منذ الطفولة استمعت للفنان الراحل “سيد خليفة”- رحمة الله عليه- الذي كان سفيراً للأغنية السودانية (إزيكم كيفنكم)، وكأن هذه الأغنية كانت نشيداً وطنياً للسودان، وأيضاً في الشعر استحقت الشاعرة “روضة الحاج” ما نالته من جوائز شعرية.. ومن جانبنا نحن سنسهم في دفع المشهد الثقافي في السودان، وسبق أن زار العراق وفد من كبار (المتصوفة) من السودان عن طريق السفارة، وقاموا بزيارة كل المراقد المقدسة، فالمراقد هناك محل تقدير وتقديس العراقيين، ففي العراق أغلبية الناس هناك لا يختلفون في أولياء الله الصالحين، الذين اختارهم الله، وهؤلاء المتصوفة زاروا الشيخ “عبد القادر الجيلاني”، والإمام “أبي حنيفة النعمان “و”كربلاء” و”النجف”، وكانوا فرحين بهذه الزيارة التي نظمها الوقفان السني والشيعي عبر لجنة واحدة مشتركة، وهذا دليل على تعايش الطوائف في العراق وانسجامها، والعراق يسعى لوأد الفتن، فما كان لله ينمو.