هل تضع (المجلس الطبي) في خط الدفاع؟ عفواً.. مأساة ( أم سلمة) خطأ طبي عادي!!(1)
قصص تزج بك في بحر الأسى، لأنها تفتح عينيك على واقع أليم يتربص بأبرياء لا حيلة لهم ولا مقدرة، لأن ما لديهم من هموم يكفيهم، لكن تأبى أيادي الإهمال إلا أن تطالهم لتجد لهم حيزاً في هالتها ليحملوا فيما بعد لقب الضحايا، ويظلون يعانون مرارات عديدة بدءاً بالإهمال وانتهاء بتجاهل حقوقهم، حيث يؤكد معظم الذين ينضوون تحت تلك القوائم بعد ما توجهوا إلى (المجلس الطبي السوداني)، أنهم أُجلسوا في مقعد المتهمين بدلاً عن مقعد طالبي الإنصاف! كان لزاماً علينا أن نعثر على إفادة من (المجلس الطبي) الذي يمثل الطرف الآخر، والذي ينضوي مسببو الأذى تحت مظلته.
انسدال الأسى..
هي سيّدة عبرت لتوها بوابة الأربعين من العمر، كانت تمني نفسها باستقبال جنينها، فغمست نفسها في بحور السعادة والهناء وامتدت أحلامها لتطال أفراد أسرتها، لكن شاءت الأقدار أن تنقلب الموازين فجأة ليتبدل الحال إلى النقيض تماماً، وبذا أصبحت حالة أخرى من الحالات العديدة التي امتلأت بها دفاتر (المجلس الطبي) بعد ما رفعت دعواها عساها تجد منصفاً، فأوصدت الأبواب كافة في وجهها، إلا أنها ظلت متمسكة بحقها وهي تواصل رحلة بحثها عن الإنصاف.. جلسنا إليها باعتبارها أنموذجاً لحالات عديدة تأثرت بإهمال عدد من الأطباء، فحكت بمرارة تفاصيل الأسى الذي كانت نتيجته نصائح مشددة من معالجيها، بأن تعتمد طيلة سنوات حياتها المقبلة على زيت الخروع والزيتون والأرز فقط دون أي بديل آخر. تقول قصة تلك السيدة وتدعى “أم سلمة محمد عبد القادر”، تبلغ من العمر ثلاثة وأربعين عاماً، كانت تتلقى العلاج بمستشفى تابع للشرطة ببطاقة التأمين الممنوحة لزوجها الذي كان يعمل ضابطاً في الشرطة بعد تقاعده بالمعاش، وكان من المفترض أن تجرى لها عملية رباط في عنق الرحم، لكنها تخوفت من إجرائها هناك، رغم أن العملية تجرى لها في كل ولاداتها السابقة، وبالفعل تم إجراؤها لها هناك، وقتها كانت حبلى في أشهرها الأول، وعندما دخلت في شهرها السادس من الحمل وبسبب بعض المضاعفات الناتجة عن إصابتها بمرض السكري، توجهت بصحبة ذويها إلى مستشفى الخرطوم التعليمي، وظلت باقية فيه لفترة طويلة، وتم تحرير ملف لمتابعة حالتها، وقتها كانت تحقن (الفايتمين)، وبعد انتهاء الفترة عقب إجراء العملية، خرجت من المستشفى وبقيت في منزلها ولم تعفها الأقدار من مشاوير الأسى. ففي السابع من يوليو من ذات العام بدأت مظاهر الإعياء تظهر على محياها، ذهبت إلى أحد المستوصفات القريبة من مكان سكنها وأُخضعت لكشف الملاريا وكانت النتيجة إيجابية، إلا أن الطبيب المعالج رفض إعطائها عقار (الكينين) لكونها حامل وخطورة ذلك عليها، طلب منها أن تتجه إلى المشفى الذي تتابع فيه حملها، فتوجهت ثانية صوب مستشفى الخرطوم التعليمي، وهناك سألت عن وحدة طبيبها المشهور (م. ص)، فعلمت أن الوحدة لا تعمل في ذلك اليوم وتولت أمرها وحدة أخرى، لكن للعجب لم يقم القائمون على الأمر بإيلائها العناية المطلوبة، ويبدو ذلك جلياً من الإهمال الذي وجدته، حيث أنها بقيت مستلقية على فراش المشفى دون أن يتم إعطاؤها ولو (درب). بعد ما جاء الأطباء العاملون في وحدة الطبيب المشهور، كشفوا عليها بواسطة السماعة لفحص حالة الجنين، وأخبروها في ذات اللحظة أن جنينها قد غادر الحياة دون أن يخضعوها ولو لموجات صوتية، وقتها لم تكمل السيدة (أم سلمة) شهرها التاسع ليدخلوها عملية لاستخراج الجنين، وتم ذلك على عجل، فهي لم تمضِ إقراراً بالموافقة ولم يقم زوجها بذلك، قد لاحظت أثناء إجراء العملية أن الجنين قد خرج حياً (فلكزت) دكتور (أ.أ) التي أجرت لها العملية لتودعها تعليقاً يقضي بذلك، فأوضحت لها أنه سيتم وضعه في الحضانة، لكن الجنين لفظ أنفاسه الأخيرة في اليوم التالي!
مشاوير المعاناة..
لم يتوقف المشهد الحزين عند تلك النقطة، فالسيدة “أم سلمة” خرجت من العملية بورم تحت (السرة)، وأصبح الجرح يخرج صديداً مما تسبب في إدخالها في حالات إحباط عديدة وزج بها في بحر المعاناة وهي تعبر حلقاتها واحدة بعد الأخرى، حيث أنها أُخرجت من المشفى بعد مرور سبعة عشر يوماً دون أن يطرأ جديد على حالتها الصحية. وهكذا استمرت فترة تتردد على المستشفى عساها تجد من ينتشلها من هوة الألم السحيقة التي أُلقيت فيها رغماً عنها، لكنها لم تجد من يفعل ذلك، فأصبحت الآلام تتزايد عليها يوماً بعد الآخر، وأعلنت الحمى استقرارها الدائم في جسدها، فانعكس ذلك على بشرتها التي أصبحت سوداء تحكي عن الأذى الذي يرقد بداخلها، فعادت ثانية للمستوصف الذي يقع بالقرب من منزلها بعد أن اشتدت عليها الآلام في أحد الأيام، فعاين الطبيب مكان الورم وطلب منها أن تجري عملية موجات صوتية حتى يتعرف على طبيعة (الورم)، فمضت يحدوها الأمل في أن تصبح سليمة ومعافاة بعد ما يكتب لها علاجاً ناجعاً تتعاطاه، لكنها لم تكن تدري أنها كانت في بداية طريق طويل تجرها محطاته لعمق أسى أبعد من سابقتها، حيث أنها علمت بعد إجراء الموجات الصوتية أنه قد تم استئصال رحمها دون أن تكون هي ولا زوجها على علم بذلك، ودون أن يتم تمليكها تقريراً طبياً يؤكد ما جرى لها، والأسباب التي قادت لتلك النتيجة. وهناك بدأت الشكوك تملأ مخيلتها، فتوجهت إلى الوحدة التي أجرت لها العملية، لكنها لم تصادف يوم عملها، فتوجهت إلى الطبيب (أ) الذي يعمل نائب اختصاصي للطبيب المشهور، فحكت له ما كانت تختزنه دواخلها، وباحت له بشكوكها التي نسجتها مخيلتها على شاكلة إصابتها بالسرطان وغيرها من الشكوك، فأخبرها أنها أصيبت بنزيف أثناء العملية مما اضطرهم لإزالة الرحم بعد أن نقلوا لها (12) زجاجة دم، فرضيت بالأمر واعتبرته قضاءً وقدراً.
نوايا خفية..
كادت مخاوف تلك السيدة تطوى بعد ما رضيت بأمرها الذي أصبح واقعاً تعايشه مع كل شهقة وزفرة، إلا أن الألم صار يتضاعف مع مرور الأيام مما جعلها طريحة فراش المرض لثلاث سنوات كاملة خلال عامي 2008م حتى 2011م، كانت خلالها تسترجع كل طعام تتناوله، ولأنها أصبحت لا تثق في معالجيها بـ(مستشفى الخرطوم التعليمي) توجهت إلى (مستشفى الشرطة)، وهناك حكت قصتها كاملة، فطلب منها الطبيب الذي تولى أمر معالجتها أن تجري عملية رنين مغنطيسي، فكشف ذلك عن وجود التصاقات في الأمعاء الدقيقة نتيجة عملية تكيس في المبيض مما دعاه لاستئصال المرارة، إلا أن ذلك لم يوقف نوبات الألم، وهكذا أصبحت فاقدة لعضوين الرحم والمرارة، وأصبحت حياتها مرتبطة بتناول المسكنات، وبعدها ترددت على طبيب آخر اجتهد في تحليل ماهية المرض، وأخبرها أنها تعاني من سرطان في المبيض.
قصة السيدة (أم سلمة) التي جرت أحداثها على مسرح الواقع، فيها كثير من الخيوط والتفاصيل التي تشير إلى أنه كانت هناك بعض المحاولات لإعدام أية خطوة قد تقوم بها لاحقاً للمطالبة بحقها المشروع في التحقيق عن تفاصيل ما جرى، والوقوف أمام الحقائق التي حدثت أمام ناظريها، والتي تسببت في ما وصل إليه حال صحتها من انهيار، فالملف الذي كان يضم معلومات حالتها تضمن معلومة شابتها ربكة بيّنة وواضحة، فتاريخ دخولها المستشفى حسبما هو مكتوب كان يوم السابع من أغسطس من العام 2008م، بينما تاريخ الخروج يوم الثالث عشر من يوليو من ذات العام، فكيف يتأتى لها أن تخرج من المشفى قبل تاريخ دخولها له، بالإضافة إلى ذلك فقد أُعدم ملفها نهائياً، ويبدو أن ذلك كان مرتباً له، فهو لم يحمل أي رقم تسلسلي.
عذاب وألم وتجاهل..
قصة السيدة (أم سلمة) لم تنته بعد، فحلقات الواقع كانت تؤكد أن ثمة أيادٍ تمادت في الإهمال واستغفلتها هي وزوجها لتتربع المعاناة على صدر حياتهما وأبنائهما بعد ما تعطلت موارد رزقهم بسبب صرفهم كل ما يملكون على علاج عماد الأسرة والدتهم (أم سلمة)، وذلك هو ما سنفصله في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، كما نتعرض لحالة إهمال أخرى تعرض لها شاب أُدخل غرفة العمليات لتجرى له عملية إزالة (حصوة) في الكلية ليخرج بخطأ طبي، بعد أن ترك له الطبيب ذكرى أليمة لن تبارح مخيلته وذويه ما حيوا على هذه البسيطة بتسببه في جرح في الحالب، مما دعاه للنزف في حوض الكلية ليتنقل بين حلقات العذاب والمعاناة والاستنزاف المادي!.