الفنانه حواء الطقطاقة تودع الحياة وتُحمل في ثوب الوطن إلى مثواها الأخير
غيب الموت صباح أمس الفنانة الكبيرة والمناضلة “حواء أحمد الشيخ” “الشهيرة بـ “الطقطاقة”، بعد مسيرة فنية ونضالية عامرة بدأت منذ أيام الاحتلال الإنجليزي للبلاد”، وهي ما زالت يافعة لم تتعدَّ الرابعة عشرة من عمرها، لتختتم مسيرتها الحافلة بالعطاء ولكنها لم تغب عن أفئدة وقلوب السودانييين الذين احتشدوا لتشييعها في موكب مهيب تقدمه مسؤولون وفنانون وشعراء من كل أطياف الشعب السوداني، رجالاً ونساء، وأطفال، الى مقابر “حمد النيل، فيما لف جثمانها بثوب علم الاستقلال الذي كانت قد ارتدته يوم إعلان الاستقلال.
مسيرة فنية من الرهد إلى الخرطوم ..
ولدت الفنانة الراحلة”حواء الطقطاقة في منطقة الرهد أبو دكنة بولاية شمال كردفان في العام (1926)م، ثم انتقلت إلى العاصمة الخرطوم منذ بداية شبابها، لتدشن مسيرة فنية طويلة لم تتوقف حتى فارقت دنيانا الفانية عند الساعة الثامنة من صباح الأمس، وتميزت “الطقطاقة” بقوة الشخصية وجمال الصوت وقوته، وهي التي جمعت بين الغناء والشعر والتلحين، وكانت امرأة وطنية تؤمن بقضايا وطنها حيث دخلت “المعتقل لمدة (3) شهور بعد إحيائها لحفلة وطنية بمسرح العمال بعطبرة ومعها الفنان الراحل الكبير”حسن خليفة العطبراوي” أيام الاحتلال الإنجليزي، فقدت فيه أسنانها، وبعدها انضمت إلى حزب “الأشقاء “بقيادة الزعيم الراحل “إسماعيل الأزهري” الذي تغنت له.
أول امرأة تتغنى للاستقلال
كانت “الطقطاقة” أول امرأة تتغنى للاستقلال وذلك عندما رفع الزعيم “الأزهري” علم الاستقلال عالياً في العام (1956) وصدحت “لا تعريفة ولا ملين عاش الشعب مع اسماعين” ولا يزال علم الاستقلال بألوانه الثلاثة المعروفة الأزرق، الأصفر والأبيض يرفرف عالياً فوق مدخل منزلها بحي الضباط حتى آخر يوم في حياته، ومعروف أنها أول من ارتدته كثوب سوداني خالص.
البشير يكرمها
غنت الراحلة “حواء الطقطاقة “للنضال وللجيش وللحركة الوطنية، ومنحها الرئيس “عمر البشير” وسام الجمهورية تقديراً لدورها الوطني، ومن أشهر أعمالها “العديل والزين” و”الشيخ سيرو” و”قمر السبوع، وتعد “حواء” الأم الروحية لما يعرف بـ”أغاني البنات”، وهي التي ساهمت في إغناء الساحة الفنية، وتميزت بالغناء الشعبي “السيرة و”الدلوكة” وأغاني” الحماسة” دون غيرها من رائدات وفنانات جيلها المرحومة “عائشة الفلاتية”و”منى الخير” و”مهلة العبادية”، وتعرفت”الطقطاقة” بعد قدومها إلى الخرطوم على الفنانين الكبار الراحل “إبراهيم الكاشف” و”حسن عطية” “عبد العزيز محمد داؤود” الذين أعجبوا بصوتها وإمكانياتها الفنية الكبيرة فوفروا لها كل سبل لتنمية موهبتها.
غنت في زواج الملك فاروق
سافرت الفنانة “حواء الطقطاقة” إلى مصر وغنت في زواج الملك “فاروق” من الملكة “ناريمان” وذلك في حضور كوكب الشرق الست “أم كلثوم” والفنان الكبير “محمد عبد الوهاب” ومنحت حافزاً مالياً قدره (500) جنيه مصري، وكان وقتها يعتبر مبلغاً كبيراً، كما غنت “الطقطاقة” للرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات” عند حضوره إلى الخرطوم من أجل دعم القضية الفلسطنية، وهتفت لنصرتها، فأعجب “أبوعمار” شجاعتها، وأهداها الراحل عرفات شالاً وعقالاً ظلت تحتفظ بهما حتى رحيلها، كما غنت”الطقطاقة” للرئيس الراحل المشير “جعفر نميري” رحمه الله، كما تغنت لمعظم العائلات المعروفة في الخرطوم وامدرمان، وسبق أن قابلت (ام كلثوم ) إبان زيارتها للسودان وبادلتها كوكب الشرق الحب بمثله.
الوصية الأخيرة للراحلة ..
سار موكب تشييع الفنانة الراحلة حواء “الطقطاقة” إلى مثواها الأخير مشياً على الأقدام بدءاً من منزلها، بعد وصية تركتها قبل الرحيل تطلب من أسرتها أن يسير جثمانها إلى منزل الزعيم الراحل”اسماعيل الأزهري”، ومن ثم توارى الثرى، ونفذ لها الجميع ما أرادت، أدخل الجثمان إلى المنزل ، وتم لها ما رغبت، ثم تحرك موكب تشييعها إلى مقابر “الشيخ “حمد النيل ” سيراً على الأقدام، وفي المقابر بدا الحزن على محيا السياسيين منهم الدكتور”جلال يوسف الدقير”، و”محمد يوسف الدقير”والأستاذ “السماني الوسيلة”، والوزيرتان “سامية أحمد محمد” وإشراقة سيد محمود”، ومعتمدا أمدرمان والخرطوم ومن قبلية الفن رئيس اتحاد المهن الموسيقية د.محمد سيف، و”عبد القادر سالم” و”أبوعركي البخيت”،”كمال ترباس”،”عماد أحمد الطيب”، “ياسر تمتام”،”القلع عبد الحفيظ”،”عثمان مصطفى”،”سيف الجامعة”،”محمد حسن حاج خضر”،و”دكتور الماحي سليمان”، “حنان بلوبلو”،”عازة داؤود”، “سميرة دنيا”، “سمية حسن”،”إنصاف مدني”،”عمر محمود خالد”، “التجاني حاج موسى”،”الفاتح حمدتو”،”عمر الجزلي” ،”عوض شكسبير”، والقائمة تطول.
(5)
وعقب مواراتها الثري ألقى “الفاضل حسن عوض الله” من الحزب الاتحادي الموحد كلمة عدد فيها مآثر الفقيدة، كما ألقى السفير الدكتور”بكري الأزهري” كلمة ضافية، وقال لـ(المجهر) الأستاذ “السماني الوسيلة: (إنه ليوم حزن فالراحلة وضعت بصمتها في قلوب كل السودانيين، وزرعت فيهم الفرح).
من جهتها قالت الأستاذة “نفيسة إسماعيل الولي”: (هي إرث وتاريخ للحركة الاتحادية والسودان، ورمز لأجيالنا المقبلة التي لم تر الاستقلال)، وقال د. “محمد سيف” رئيس اتحاد المهن الموسيقية قال: (دورها جبار في الحركة الوطنية، فنانة عميقة الإحساس، رائدة في النضال، وجودها في اتحاد الفنانين مثل رمزية لنا). أما الفنان “عبد القادر سالم فقال: (وقفت مع الشعب السوداني وأهل أمدرمان في أفراحهم والحب والعفاف والقيم).”عماد أحمد الطيب قال إنها (رائدة من رواد الغناء الشعبي، وشاركت في طرد المستعمر. الفنان “سيف الجامعة”:(هي مثال لكل امرأة سودانية، بنت لنفسها ولأمتها مجداً، وانحازت إلى أنصع صفحات النضال في تاريخنا).