كشفهم تقرير المراجع العام : المجنبون .. مسؤولون خارج سلطة القانون !
في كل عام وعلى الرغم من درجة اليقظة والتحوط لوزارة المالية والاقتصاد الوطني بالسودان، والسياسات التي تتبعها دائماً عند ابتعاث مناشيرها إلى الوزارات والوحدات الاتحادية بضرورة الالتزام بقانون تخصيص الموارد في توريد الإيرادات كافة المحصلة للصندوق القومي للإيرادات والالتزام بتحصيل أي إيرادات عامة بموجب الإيصال المالي رقم (15)، وإيقاف التحصيل بغيره مع توضيح الإيرادات المحصلة وفق الموازنة المجازة، والالتزام بعدم تعديل فئات الرسوم بالزيادة أو النقصان أو الإعفاء أو فرض أية رسوم جديدة دون الحصول على موافقة مسبقة من وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وحسب القرارات الوزارية الخاصة بتوريد الإيرادات كافة إلى الحسابات الرئيسية المخصصة لها ببنك السودان يومياً وتوضيح تفاصيل المبالغ الموردة حسب البنود المجازة بالموازنة العامة ووفقاً لنظام الإحصاءات المالية الحكومية، ملغية معها جميع الاستثناءات الممنوحة بتجنيب أو فرض رسوم إضافية والصرف منها خارج إطار الموازنة، إلا أن تقارير المراجع العام كشف المستور عن ارتفاع حجم التجنيب على مستوى الحكم القومي والولائي خلال العام 2011 بزيادة بلغت (149%) عن العام 2010م متجاوزاً كل الرقابة المحكمة من داخل وزارة المالية ليصل إلى (497) مليون جنيه و(108) يورو (5) ملايين دولار لهذا العام.
نصيب الأسد يذهب للجهات الموردة
يرى د.”عز الدين إبراهيم” في حديثه لـ(لمجهر) أن العيب في تجنيب الأموال يكمن في أخذ الجهات الإيرادية نصيباً أكبر من الموارد مقارنة بالجهات غير الموردة، ويقول إن ذلك يفقد الدولة فرصاً كبيرة في توزيع الموارد للجهات الخدمية التي تصب في خدمة الشعب بدلاً عن صرفها صرفاً بذخياً في أثاثات، سيارات، نثريات، بالنسبة للوزارات وتصبح الحسبة ظالمة. وكان التقرير قد بين أن متحصلات وزارة الداخلية بلغت(34.650.186) جنيهاً ، ووزارة الدفاع (15.050.926) جنيهاً، ووزارة العدل (6.601.280) جنيهاً، والهيئة القضائية (1.108.393) جنيهاً، بينما بلغت متحصلات وزارة الزراعة (355.621.899) جنيهاً. ويعتقد د.”إبراهيم” في ذلك أن التجنيب يخص الاتحادية (المركز) فيما يقع الظلم على الولايات.
شبهة فساد
يقول د. “إبراهيم” إن التجنيب غير قانوني، وبه انتهاك لقانون الدولة وعقوبته قد تمتد لسنوات، وقال إن به شبهة فساد واضحة لأن المال المجنب يقدم ككل ولا تفند فيه المنصرفات مما يجعله يمر من تحت الرقابة العامة، وانتقد في ذالك التقرير استمرار مكاتب العلاقات البينية في الخرطوم رغم صدور قرار بعدم قانونية تأسيسها، موضحاً أن حجم الرسوم التي تم تحصيلها من مكاتب الخرطوم والسلطة القضائية بلغ (7.5) ملايين جنيه، وكشف التقرير عن توريد مبلغ (1.1) مليون جنيه لحساب السلطة القضائية بالحساب رقم «41876»، ولم يفصح عنه في حسابات القضائية، كما أنه لم تقدم مستندات صرفه للمراجعة. وبين التقرير عن رسوم تحصيل للمخالفات صادرة عن إدارة المرور، بموجب إيصالات غير أصلية، مشيراً إلى أن جملة الإيرادات المتحصلة خلال العام 2011 بلغت (24.15) مليون جنيه، وأوضح أن تلك المبالغ تم توريدها ببنك أم درمان الوطني بحساب التسيير، رغم أن الحساب السابق أغلق .
وكشف تقرير المراجع عن أن جملة إيرادات الصادر من الثروة الحيوانية بلغت (1.6) مليون جنيه تم توريدها بحساب دائري ببنك السودان دون موافقة وزارة المالية، وعدم تقديمها للمراجعة، وذكر التقرير أن وزارة الدفاع لديها حسابات لم تقدمها للمراجعة على رأسها تمليك العربات الوظيفية والقرض السلعي واليوبيل الفضي، وذكر أن الوزارة فرضت رسوماً تقوم إدارة الخدمة الوطنية بتنفيذها بمبلغ (13.6) مليون جنيه، وأوضح أن تلك المبالغ وردت بحساب ببنك أم درمان الوطني وتم إغلاقه في أكتوبر 2011 وفتح حساب جديد رقم «4» توكيل البنك العقاري بديلاً له. وكشفت المراجعة عن فرض غرامة شرط موديل خاصة باستيراد السيارات بلغت (800) جنيه على كل سيارة، بحسب خطاب وزير التجارة، وأشارت لصدور تفويض من الوزير لإدارة الجمارك بتحصيلها، موضحاً أنها تورد كأمانات طرفهم وتخاطب التجارة المالية بالتصديق لها بالغرامات، وأشارت المراجعة لتحويل مبلغ (8.4) ملايين جنيه من حساب الأمانات لحساب الوزارة دون الإفصاح عن هذا الحساب .
رسوم بلا سندات
كما كشف التقرير عن فرض رسوم على اللاجئين دون سند قانوني، وتحصيل مبلغ (264.601) جنيه في العام 2010 ومبلغ 233.530 جنيهاً في العام 2011م بموجب نماذج مالية غير أصلية صادرة من وزارة الداخلية، وأشار إلى أنها تصرف على بنود غير مبوبة من بينها حوافز. ويرى د.”إبراهيم” أن بعض الإيصالات التي تفرض في الطرقات السريعة تتبع للولاية المعنية بمنطقة العبور مما خلقة فوضى تحصيلية فاقمت من أسعار السلع المرتبطة بالتحصيل وقال إن هنالك تضارباً في الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الولاية وتساءل في ذلك كيف يدخل بند الدعم ويعامل معاملة الضرائب التي تفرض على الناس كشيء مفروض وليس خياراً متاحاً.
قوة سياسية
يرى الخبير الاقتصادي “حسن ساتي” في حديثه لـ(المجهر) أن المجنب يمتلك قوة سياسية تعلو على القانون تمكنه من التصرف في المال العام، لأن القانون العام والمتعارف علية تلزم الأطراف أن تورد الإيصالات لوزارة المالية وعدم إيرادها يعني تجاهل القوانين المالية والمحاسبية، وكشفت المراجعة في هذا الشأن عن جملة مخالفات بوزارة الثقافة والإعلام بإيداع مبلغ (1.7) مليون جنيه بحساب جار تحت تصرف وكيل الوزارة، دون الإفصاح عن حركة ذلك الحساب بالحساب الختامي، لافتة إلى أن الوزارة قامت ببيع قطعة أرض بمنطقة بحري بمبلغ (19) ألف جنيه، بجانب فتح الإدارة حساب وديعة استثمارية ببنك البركة بمبلغ (17.5) مليون جنيه، وكشفت عن تحويلات بمبلغ (3.05) ملايين جنيه للوزارة من جهات مختلفة.
وأكد التقرير وجود تحويلات واردة لوزارة الزراعة من جهات مختلفة باسم دعم الموسم الزراعي بلغت جملتها (404.3) مليون جنيه تورد بالبنك الزراعي، وأشار التقرير لإظهار مبلغ (108.7) مليون جنيه بتقرير المراجع للعام 2010 وأوضح أن المتبقي أظهر في التقرير الحالي بمبلغ (295.5) مليون جنيه، وقال إن مرابحة من بنك الخرطوم تمت بموافقة وزير المالية بمبلغ (50) ألف جنيه لمقابلة مصروفات مدخلات الإنتاج الزراعي.
آثار التجنيب على الميزانية
ويرى “ساتى” أن التجنيب يؤثر على الميزانية العامة للدولة، ودعوة صريحة لاستشراء الفساد، ويوافقه د.”إبراهيم” الرأي بأن التجنيب ضار بالدولة وله أثر كبير على تفكيك ميزانيتها التي كان الأحرى بها أن تأتي في وعاء واحد تحدد المورد والمنصرف على وجه الدقة، بدلاً عن الأخطاء التي ترتكب في إطار اتجاهنا للكماليات وترك الأولويات.
كيفية معالجته
يقول “ساتي” أن المعالجة تتم بمعاقبة المجنب فورياً إما بسجنه أو بطرده من الجهة التي وقعت بها الشبهة، ويرى أن التسامح قد يؤدي إلى مزيد من التجنيب خاصة وأن الأرقام أصبحت في تزايد سنوياً، بينما قدر د. “إبراهيم” أن العلاج يكمن في تطبيق القانون وأن يحاكم كل من يعتدي على المال العام، وقال إن مثل هذه الممارسات تعتبر ضارة بالاقتصاد واختلال كبير في ميزان المال العام.