تقارير

القطاع الصحي بالقضارف صراع النفوذ والمال

شهد تراجعاً في الخدمات

القضارف- سليمان مختار

شهد القطاع الصحي بولاية القضارف، تدهوراً مريعاً في مجال تقديم الخدمات الطبية للمواطنين بالمرافق الصحية، خاصة الخدمات العلاجية بمستشفى القضارف التي شهدت تراجعاً كبيراً في مستوى تقديمها، وأرجع مراقبون ذلك للخلافات والصراعات التي شهدها القطاع الصحي داخل الوزارة، فيما رأى آخرون أن ذلك نجم جراء شح الميزانيات المخصصة للخدمات الصحية، والإهمال الذي طال هذا القطاع من قبل حكومة الولاية.
القطاع الصحي بالولاية من القطاعات الحيوية والحساسة والمهمة لارتباطاتها المباشر بحياة المواطنين انطلاقاً من دوره المنوط به في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمواطنين، إلا أن هذا القطاع رغم تميزه وتفرده بفعل التأسيس الجيد والمقومات والإمكانيات الإدارية والفنية والكوادر المؤهلة التي أسهمت في الارتقاء به خاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات خلال الفترة الماضية، رغم هذا إلا أنه اعترته بعض أوجه القصور خلال الفترة الحالية، وبدأ يشهد تدهوراً مريعاً في مجالاته المختلفة للإهمال والتجاهل من قبل حكومة الولاية بسبب منحها أولوية قصوى لمشروع المياه.
حيث شهد القطاع الصحي موجة من الخلافات والصراعات، وظلت السمة البارزة داخل أروقة وزارة الصحة بالولاية التي ما فتئت تراوح مكانها بين الفينة والأخرى خاصة في فترتي الوزير السابق والوزيرة الحالية.. ويرى مراقبون أنها انعكست على مجمل الأوضاع في هذا القطاع، وأصبح يعاني من التصدُّع والتراجع خاصة فيما يتعلّق بتقديم الخدمات الطبية في المرافق الصحية، منذ دخلت وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية بالولاية “عواطف محمد علي الجعلي” التي عُينت حديثاً لتولي زمام أمر الوزارة، دخلت أتون تلك الصراعات والخلافات بالوزارة بعد إصدارها قراراً قضى بإيقاف حملة مؤشرات مسح التغذية، الأمر الذي أدى إلى إلغاء منظمة الـ(يونيسيف) للحملة في المحليات المستهدفة كافة وسحب الأتيام الميدانية العاملة التابعة للوزارة قبل يوم من انطلاقتها، على خلفية خلافها مع الوزيرة بسبب بعض الأمور المالية المتعلقة بالحملة بعد رفض مندوب المنظمة بعض الشروط التي حددتها الوزيرة لانطلاقة الحملة، التي تمثلت في تخفيض الأجور التي يتقاضاها العاملون بالحملة، إلى جانب طلبها إدراج مؤشرات برنامج مكافحة الفقر في استمارات الحملة رغم اكتمال تصميم الاستمارة الخاصة بها تقنياً الأمر الذي رفضه مندوب المنظمة واكتفى بإيقاف الحملة، متحججاً بأن الترتيبات الإدارية والفنية قد اكتملت وتم تحديد كل الإجراءات والمتعلقات اللوجستية والدفعيات المالية، واكتمال حلقات تصديقها من قبل المنظمة والشركاء من المنظمات الأخرى المشاركة فيها، بيد أن تدخل الوزيرة قضى بإفشال الحملة.
ويرى مراقبون أن مثل هذه القرارات تؤثر على قطاع كبير من الأطفال بمحليات الولاية المختلفة كانوا ينتظرون نتائج بيانات ومعلومات عمليات المسح التي ستسهم في معالجة قضايا ومسببات سوء التغذية في المستقبل، فضلاً عن فقدان الولاية لدفعيات تكلفة الحملة البالغ قدرها (4) مليارات جنيه تقوم المنظمة بدفعها.. وأوضح المراقبون أن تدخل الوزيرة في تعطيل الحملة سينعكس على مجمل الأوضاع بالوزارة، فضلاً عن تأثيره على سجل تعاملات حكومة ولاية القضارف مع المنظمات، الأمر الذي وُصف بأنه سجل سيئ أدى إلى عزوف المنظمات الطوعية عن العمل بالولاية والاتجاه صوب ولاية كسلا، مستشهدين بسحب المنظمة لمندوبها بالوزارة قبل عامين على خلفية خلافات ذات طبيعة مالية مع الوزارة حول تنفيذ عدة برامج في المجالات الصحية بالوزارة، وأضافوا إن هذه الحادثة تؤكد للقائمين بالمنظمة عدم التزام الوزارة بالتعاون والعمل بالبروتوكولات الصحية الموقعة مع حكومة الولاية بتنفيذ عدد البرامج الصحية، نتيجة للخلافات التي ما فتئت تحدث خاصة في الجوانب المالية مع اشتراط المنظمات في الآونة الأخيرة بأن تتولى الجانب المالي صرفاً وتوزيعاً بسبب تحفظاتها بهذه الجوانب، ولفتوا إلى أن الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة على الولاية ارتكبت أخطاء كثيرة في تعاملاتها مع المنظمات أضرت بالولاية بسبب اتخاذ مواقف غير مفهومة من قبل بعض المسؤولين في القطاع الصحي.
بالمقابل يرى الخبير في مجال الصحة بالولاية د. “محمد خالد” أن الصراعات الإدارية في القطاع الصحي ووزارة الصحة بالولاية قديمة ومتجذرة ظلت تطل برأسها من حين لآخر، أجملها في عدد من القضايا مثل ممارسة الاختصاصيين لعملهم في عياداتهم الخاصة أثناء الدوام، وقال إن القضية ما زالت ماثلة ولم تحسم وكانت قد شهدت جدلاً واسعاً في عهد وزير الصحة السابق “الصادق الوكيل” الذي وجد مواجهة قوية وصلبة من قبل الاختصاصيين واتحاد الأطباء بالولاية، ونجحوا في ذلك بسبب نفوذهم المالي، لافتاً إلى أن هنالك شقاً آخر من الخلافات تمثل في الشق الإداري حول تقلد المواقع الإدارية داخل الوزارة.
أوضح “خالد” أن هذا الملف لم يغلق بعد وله ديناميكية كبيرة، ويظهر دائماً عند حدوث تغيُّرات بالمواقع الإدارية داخل الوزارة، وتنجم عنه تقاطعات للمصالح من قبل المجموعات المتصارعة على تلك المواقع خاصة التي لها ارتباط ببرامج المنظمات. ومعروف أن برامج المنظمات تدر الكثير من الحوافز لذلك يتكالب عليها الأشخاص. وقال “خالد” إن الخلافات والصراعات ألقت بظلالها السالبة على مجمل الأوضاع في القطاع الصحي بالولاية بل تمددت إلى محاور تقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين، مستشهداً بمستوى تقديم الخدمات داخل مستشفى القضارف الذي شهد تراجعاً كبيراً في تقديم الخدمات الطبية، فضلاً عن التردي الواضح في البيئة الصحية بالمستشفى. وتساءل: كيف يرقد ثلاثة أطفال في سرير واحد؟ إلى جانب تهالك الصرف الصحي الذي صارت روائحه الكريهة تزكم أنوف زوار المستشفى والمرضى ومرافقيهم، وعدم توفر جهاز للرنين المغنطيسي بالمستشفى، الذي يدفع المرضى للتوجه للعلاج خارجاً، إضافة إلى توقف العمل في برجي الباطنية والأطفال لأسباب قال إنها لا تستدعي القيام بمثل هذه الخطوة، لجهة أن قيامهما كان يمكن أن يسهم في تخفيف الضغط الناجم عن توسع المدينة وازدياد نسبة الكثافة السكانية وارتفاع تردد دخول المرضى للمستشفى العمومي الذي يستقبل المرضى من محليات الولاية كافة.
وختم د. “محمد خالد” حديثه بأن القطاع الصحي صار خارج أولويات حكومة الولاية جراء انشغاله بمشروع الحل الجذري لمياه القضارف، وقال إن القرار الذي أصدرته الوزيرة بإيقاف حملة مؤشرات مسح سوء التغذية أحدث انقسامات حادة داخل الوزارة ستنعكس نتائجها مستقبلاً في توسيع الفجوة بينها والإدارات، وهذا سينعكس على الأداء في القطاع الصحي بالولاية الذي يعاني من شح الميزانيات المخصصة.
فيما خالفه مدير مستشفى النساء والتوليد بالقضارف الدكتور “بشير محمد طاهر بري” وقلل خلال حديثه لـ(المجهر) من وجود أية مجموعات أو تيارات متصارعة داخل القطاع الصحي بالوزارة، وقال إن ما يشاع حول وجود خلافات وصراعات حديث عارٍ من الصحة، وإن ما يحدث داخل القطاع الصحي هو اختلافات في وجهات النظر حول كيفية إدارة الشأن الصحي بالولاية الذي يرتبط بإنفاذ السياسات والخطط والبروتوكولات الصحية داخل الوزارة، مؤكداً على استقرار الأوضاع في القطاع الصحي رغم أن العاملين فيه يعملون في ظروف وأوضاع صعبة وبالغة التعقيد حسب وصفه.
وأقرّ “بري” بوجود حالة من الشد والجذب وسط الكوادر الصيحة حدثت إبان فترة الوزير السابق عندما قام بإجراء تنقلات في إدارات الوزارة، وهنالك كوادر رفضت تلك الإجراءات، وهذا أمر طبيعي، فضلاً عن قيام الوزير بإنزال بعض الصلاحيات المتعلقة بإنفاذ بعض البرامج الصحية الخاصة بالمنظمات للمحليات، ووجدت الخطوة مقاومة مع بعض الكوادر بالوزارة، إلى جانب قضية أطباء الامتياز وتم حلها بواسطة الوزارة وحكومة الولاية بالتنسيق مع وزارة الصحة الاتحادية، وقال إن هناك خلافاً حول تنقلات مديري الإدارات لجهة أن بعض الكوادر تنظر للأمر على أنه يؤثر على مسيرة العمل بالإدارة المعنية، ويرجع البعض ذلك لتأثيراته على عدم ثبات واستقرار الكادر في الإدارة وقد يؤدي إلى فقدان التوازن والاستقرار في تصريف مهام العمل بالإدارة المعنية، وينبغي أن يكون وفقاً للتخصص، لافتاً إلى أن ذلك يخضع لتقديرات الرجل الأول بالوزارة وفقاً لقدرات ومؤهلات الكادر في تنفيذ المهام الموكلة إليه.
وأعرب د. “بشير” عن أسفه لعدم وجود اختصاصي تخدير بالولاية رغم الجهود التي بذلتها الحكومة في استقطاب اختصاصي تخدير، وأردف بأن المشكلة يمكن حلها بواسطة مجلس التنسيق الصحي كما يحدث في بعض الولايات، مؤكداً استقرار الأوضاع الصحية بالمحليات كافة خاصة بعد رفدها باختصاصي النساء والتوليد والتخصصات الأخرى، مشيراً إلى جملة من التحديات التي تواجه القطاع الصحي بالولاية، وقال إنها تتمثل في استيعاب عدد كبير من الكوادر في مجال التخصصات النادرة وتجويد الخدمات الطبية والعلاجية المقدمة للمواطنين، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب زيادة في الميزانيات المخصصة للصحة، كاشفاً عن اكتمال الترتيبات لبداية العمل في برجي الأطفال والباطنية خلال الفترة القادمة بتمويل من صندوق إعمار وتنمية الشرق بعد معالجة بعض الإشكالات الفنية، وأكد أن الحل الجذري لمشاكل القطاع الصحي بالولاية يكمن في قيام المستشفى المرجعي الجديد بالولاية بمواصفات عالمية، وذلك سيسهم في تخفيف الضغط على المستشفى الحالي، وأعرب عن أمله أن تسهم الوزيرة الجديدة في إجراء إصلاحات شاملة في القطاع الصحي من حيث الكم والكيف، وتسهم في ترقية وتطوير الخدمات الطبية والعلاجية بالولاية بفعل علاقاتها الواسعة بالمركز.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية