راجعت نفسي كثيراً في الصفة التي أخطابك بها وأنت البعيد الآن، القريب دوماً، أخي الحبيب وقد كنت أكثر قرباً منها.. أم الشقيق؟ وأنت أكثر حميمية منها.. أم هما معاً؟.. وأنت الذي ملك قلوبنا بعظيم خصاله.
فإن ما بيننا من مساحات ممتدة أيها الراحل المقيم صلة مضاعفة.. ومحبة لا شك أنها أقوى وأوثق من محبة القربى .. زادت من تلك الوشائج بيننا .. لم تترك للصفا بيننا أن يتكدر يوماً في غير ما تكلف ولا تصنع .. انداحت عذبة نقية خالصة لله ..
أخي الحبيب الشقيق .. لقد اعتصرني الألم وهدني، عندما حمل لنا الهاتف فجراً.. خبر رحيلك المُر.. وعندها غابت ملامحك النضيرة عن خاطري .. إلا من صدى ضحكتك المعهودة تتردد في أصداء الغرفة .. وكأنك تخاطبني فرحاً بالرحيل إلى لقاء العزيز الغفور الرحيم..
وتمكن مني الذهول ولم استطيع التجلد أمام أسرتي التي أخذ منها الحزن مأخذا .. إلا بعد أن الهمني الله سبحانه وتعالى ترديد الآية الكريمة (إنا لله وإنا إليه راجعون).
وقد مر شريط طويل أمامي من الذكريات، عامر بكل جميل من ذكريات الصبا ومراحله المختلفة.. وشخوصه الذين جمعت بينهم الأم الرؤوم، مدرسة المؤتمر الثانوية، وحواري أم درمان.. وأنشطتها المختلفة، في ذلك الزمن الجميل في كل شيء.
وشعرت بعمق الجرح وعظمة المصيبة.. وسرى الحزن مسرى لم استطع مقاومته، وأحاط بي من كل جانب، وانهمر الدمع غزيراً.. وتذكرت قول الراحل “صلاح أحمد إبراهيم” في رحيل الشريف “حسين الهندي”- لهما الرحمة والرضوان – عندما قال (احقاً خلت منه الساحة).
وجاء بخاطري حديث “المصطفى” صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حينما، قال (من رُزِأ بفقد غال أو حبيب فليعزي نفسه بمصيبته فيً)
نعم إن الموت سبيل الأولين والآخرين.. ولكن فقدك كان كبيراً.. وحزننا على رحيلك عظيماً.. وأنت الذي كنت فينا زينة لمجالسنا ولقاءاتنا .. بسجاياك السمحة.. وقلبك الوسيع ذي الأركان.. الذي اتسع لنا جميعاً ووجد فيه كل من عرفك وزاملك مكاناً آمنا ومريحاً.. حتى ظن كل منا أنه الأقرب إليك.
فنحن نشهد في حقك.. أنك كنت ذا خلق حسن .. لم تكن لعانا ولا طعاناً ولا فاحشاً .. في قول أو فعل .. عفيفاً كريماً.. طيب القلب وحلو المعشر .. نقي السريرة .. مهذب الطبع.. خفيف الروح ولطيفها .. لماح، توازن بين الأمور.. وتبدي الملاحظة في أدب جم وحلاوة حديث، يقع في القلب لأنه خارج من قلبك وبصدق.. تحترم كل من قابلك.. لا تخلط الأمور.. تميز بين الرسمي والاجتماعي .. حتى أحبك الناس.. ومن رأى موكب تشييعك يعلم أنه لرجل ذو مكانة في المجتمع، ملك قلوب الناس الذين ضاق بهم المكان .. من أهل التصوف الذين هوت قلوبهم تودعك .. قادرية .. سمانية .. أدارسة .. ختمية .. تجانية .. أحمدية .. برهانية .. وأبناء أم درمان الأوفياء.. وزملائك في العمل والدراسة .. رسمية وشعبية .. وطلابك وأصدقائك من كل الوان الطيف وما أكثرهم .. جاءوا بكل صدق ومحبة ووفاء ليودعوا جسدك الطاهر .. عزيزاً في رحلة وداع أبدي..
فإن رحلت عنا كجسد.. فروحك الطاهرة بالنسبة لنا نحن إخوانك.. وأصدقائك ..ورفقاء دربك.. باقيه كأجمل نعمة من نعم الله علينا .. مُجسِدة ابهى صورة للإخاء والوفاء والمودة.. عاشت بيننا نقية .. مؤلفة وجامعة للقلوب.. ضاحكة وتبث الاطمئنان..
عشت بيننا تتصل وتتواصل معناً دوماً وان انقطعنا عنك، وأنت في ذروة مشغولياتك الكثيرة التي لم تشغلك عنا.. وأنت في أعلى المراتب الوظيفية والمهنية.. كان هذا طبعك ومعدنك.. وسبيلك تمارس به الحياة بلا رتوش.. أباً كريماً ورجل أسرة موفق.. سعيت أن نتعرف على أفرادها كإخوان لك وأعمام لهم .. واذكر أنك في عام 2010م ، عندما هيأ الله لابنتينا “سارة وآلاء” أن تزاملاء في الدراسة .. اذكر قولك “لسارة” كريمتك الكريمة.. والتي نشأت وإخوانها على صفاتك الحلوة الأصيلة.. حفظهم الله، فقد قلت لها بأن تحافظ على علاقتها وتقويها مع “آلاء”.. جاءتني ابنتي “آلاء” فرحة بأنها تعرفت على “سارة حيدر” .. ابنة صديقك، وذكرت ما قاله والدها لها، قلت لها إنه أخ وصديق صدوق وعزيز.. وزدت أنت عندما التقينا قائلا ((الحمدلله أن هياً لابنتينا ليواصلا علاقتنا الطيبة))، وظلتا كذلك فذاك أنت وتلك صفاتك ..
فلتنم قرير العين أيها العزيز .. فستظل ذكراك باقية ما بقينا حتى نلقاك قريباً بإذن الله .
ولتهنأ روحك الطاهرة براحة أبدية في جوار كريم لا يضام ضيفه.
ولزوجتك المكلومة وإخوانك وأهلك نقول إن “حيدراً” كان فينا عزيزاً مباركاً.. وكما قال السلف الصالح (إن البركة لا تدفن) .
فاللهم أجعل البركة باقية في أهله ورفيقة دربه والهمهم الصبر والسلوان .. وكل من عرفه وأحبه فيك..
اللهم إن “حيدراً” كان حبيباً .. تحاببنا فيك .. نسألك ((ياالله)) ونتوسل إليك باسمك الأعلى الأعز الأجل الأكرم، والذي إذا سألت به أجبت ، أن تجعل “حيدراً” في رفقة المصطفين الأخيار، من النبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. وأن تجعله شارباً من حوض نبيك “المصطفى” صلوات الله وسلامه عليه بيديه الشريفتين ..
وأن تلقاه ضاحكاً وأن يلقاك ضاحكاً فرحاً بلقائك تفتح له في الجنات الأبواب .. متكئاً فيها مع الذين يدعون ربهم فيها أن يطعمهم فاكهةٍ كثيرة وشراب، وعندهم قاصرات الطرف أترابا.. وأن تجيرنا في مصيبتنا فيه .. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
السمانى الوسيلة