لا تمرد جديد
انتهت مرحلة حمل البندقية وتهديد الأمن وانطوت صفحة الحركات المسلحة بالحل السياسي لقضايا المناطق التي تسمى بالمهمشة باعتراف الدولة بالظلامات التاريخية التي حاقت بتلك المناطق ، وتبدلت خارطة السلطة في السودان ، ولأول مرة في البلاد يطغى وجود إقليم دارفور في الحكم على تمثيل إقليمي وسط السودان – أي الجزيرة وكردفان – التي اختير من جنوبها وزير مالية السودان المعتذر ” حمدوك”.
وعسكرياً استطاعت القوات المسلحة منذ دخول مليشيات “خليل إبراهيم” للعاصمة ، وضع تدابير وتحوطات جعلت الاقتراب من نيالا والفاشر وكسلا شبه مستحيل، وحتى معركة كادقلي في (ستة ستة) لم تفلح الحركة الشعبية في الصمود ولم تشفع لها حصون الجبال ومدد الجنوب ، وبعد أن قامت الحركة الشعبية وحركات دارفور بعملية مشتركة وصلت طلائع قواتها إلى أم روابة وأبو كرشولا، كان قرار الرئيس بإنشاء قوات الدعم السريع بمثابة صرف الدواء الشافي للمرض الذي سكن الجسد وأنهكه، فطردت قوات الدعم السريع التمرد من دارفور إلى ليبيا ، وقزمت وجوده ، وقبرت حركة العدل والمساواة في معركة قوز دنقو ، وقضت على “مناوي” وميلشيات “عبد الواحد” في عشيراية وشرق جبل مرة، وبذلك انتهت فرص التمرد القديم ولا أمل في قيام تمرد جديد مهما بلغ التحريض والخداع والاصطياد والتبضع في القبيلة .
وفي الأيام الماضية توالت بيانات من أفراد لهم قضاياهم الخاصة يحاولون الزج ببعض مكونات دارفور في لجة صراع جديد ويستهدفون قبيلة كبيرة لها كسبها الوطني ودورها في حماية دارفور من أطماع الطامعين، وهؤلاء يستهدفون بطن المحاميد من الرزيقات ، يتحدثون باسمهم تارة ويربطونهم بمجلس الصحوة تارة أخرى، وكل ذلك محض أوهام وتخرصات.
فمجلس الصحوة الذي يعارض شأنه في ذلك شأن الأحزاب السياسية والحركات الأخرى، هو كيان لا يمثل المحاميد ولا يقوده “موسى هلال” بصفته زعيماً لعشيرة أم جلول ، ولا يتكون الهرم القيادي لمجلس الصحوة من أبناء المحاميد، بل هو مجلس مزيج من كل السودان ، ولا الذين يتحدثون في الإعلام اليوم من هذه القبيلة المجاهدة التي قدمت للسودان الكثير، والشيخ “موسي هلال” دوره محفوظ وجهده غير منكور ، وأبناء المحاميد في الدعم السريع الآن وفي حرس الحدود سابقاً لهم رصيد بطولي في بنك الدفاع عن الوطن وبالتالي الذين يتحدثون باسم المحاميد يزيفون الحقائق ويلونون الأشياء بالصبغة التي يريدون.
تمرد “خليل إبراهيم” و”أركو مناوي” و”بحر أبو قردة” لا يعني بأية حال تمرد الزغاوة على الدولة، وحينما كانت بعض الأصوات تتحدث عن تمرد الزغاوة كانت قيادة البلاد تضع “محمد بشارة دوسه” في وزارة العدل، و”التجاني مصطفى” في التربية والتعليم ، وعندما ملأ “عبد الواحد محمد نور” الدنيا ضجيجاً وظل يحرض الفور عبر تسجيلات يبعث بها من وراء البحار إلى جبل مرة ووادي صالح ، كانت الدولة تضع قادة الفور في مقام الولاة “الشرتاي جعفر” ، والوزير ” فرح مصطفى” ، ولم يصنف الفور كمتمردين على الدولة، بل “الصادق المهدي” الذي يعارض ابن عمه “بكري حسن صالح” نائباً أول للرئيس وابنه مساعداً، وحتى “ياسر عرمان” ألد أعداء الإنقاذ هو أقرب المعارضين لـ”البشير”، فلماذا يروجون لقطيعة مزعومة بين المحاميد والدولة.
إذا تصدى “حميدتي” لبعض الذين يريدون شن الحرب ضد الدولة فإنه تصدى لهؤلاء كقائد في الدولة مسؤول عن أمن للبلاد ولم يتصد لهؤلاء كرزيقي من بطن الماهرية، والذين يقاتلون التمرد اليوم هم قوات قومية تمثل كل السودان ويقودهم “حميدتي” الذي وضع صهره في السجن، وعزل ابن خالته وجرده من رتبته وطرده من الخدمة في الدعم السريع حينما تجاوز القانون ، فهل يريد البعض من “حميدتي” السكوت على من يتمرد على سلطان دولة هو من قاداتها لمجرد أن هذا ابن عم له وذاك مقاتل قديم، ولو كأن الماضي يشفع لصاحبه ما وضع “الترابي” في السجون و”أحمد بلال” في القصر؟