(المجهر) تورد تفاصيل جديدة حول (الفلتر) الإسرائيلي (2)
تفاصيل القصة تبدو غريبة بعض الشيء، بما يكفي لأن يجعل الإمساك ببعض خيوطها صعباً للغاية، فالطرق مقفلة تماماً أمام تسرب أي عقار إلى مركز (الهيموفيليا) بـ(مستشفى الخرطوم)، الأدوية جميعها تأتي إلى المكتب العلمي الذي ترأسه الآن الدكتورة “ماريا ساتي” عن طريق واحد فقط حسب افادات رسمية تحصلت عليها (المجهر) وهو الإمدادات الطبية، فهي الجهة الوحيدة الرئيسة التي ترفد المركز، والتي تخضع كل العينات إلى الفحص الدقيق بالمعمل القومي (إستاك) للتأكد من سلامتها، إذاً كل الطرق مقفلة أمام إدخال أو تسرب أي نوع من العقار إلى داخل المركز بـ(مستشفي الخرطوم)، إلا أن التكهنات التي يمكن أن تطلق هنا وهناك، ربما تكون واسعة الآن حسب المعطيات التي أمامنا!!
ربما لا تشفع تداعيات رسمية عديدة حول هذا الملف، منذ أن انفردت (المجهر) بنشر خبر تسرب العقار الإسرائيلي إلى مركز (الهيموفيليا) بـ(مستشفى الخرطوم) الأحد المنصرم. المجلس القومي للأدوية والسموم، فتح تحقيقاً عاجلاً لمعرفة الجهات التي سربته، وجزم أن التحقيق سوف ينتهي خلال أربع وعشرين ساعة فقط، ليتسلم نتائجه الأمر الذي يجعل ذلك في عداد المستحيلات. أسئلة عديدة هنا تتطلب الإجابة عليها وهي، لماذا تباطأت الجهات المختصة في فتح تحقيقات جادة ومسؤولة حين لجأ المرضى ممثلين في جمعية رعاية مرضى الهيموفيليا إليها؟، فقد أكد “هجو عثمان” نائب رئيس جمعية مرضى (الهيموفيليا) أنهم سبق وأن خاطبوا “د. ماريا ساتي” المسؤول عن الوحدة وأعلموها بأمر العقار، وقالوا هي بدورها خاطبت جهات خارجية (المنظمة العالمية لمرضى الهيموفيليا)، وردت المنظمة بخطاب نفت فيه علمها بالأمر، ثم لجأ مسؤولو الجمعية إلى إدارة الطب العلاجي بوزارة الصحة الاتحادية في سبتمبر الماضي وأعلموهم بالأمر، وطالبوا بحسم الإخفاقات الإدارية والعلاجية والتشخيصية لكن دون جدوى، مما زاد من تعقيد المشكلة واضطرهم الأمر إلى اللجوء إلى الإعلام.
خيوط متشابكة
عقب نشر الحلقة الأولى من هذا التحقيق، ربما بدت الأمور أكثر تعقيداً والخيوط أكثر تشابكاً، العقار أُنتج في إسرائيل لصالح شركة (باكستر) الأمريكية، التي لها وكيل في السودان، وتورد أدوية إلى البلاد منذ العام 2005م. اتصلنا بمدير شركة (شاويش العالمية) وكيل شركة (باكستر) الأمريكية “عبد الناصر الرشيد” وهو كما أشار عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد مستوردي الدواء ومسؤول العطاءات في الشعبة، سألناه ما علاقتكم بـ(الفلتر) الإسرائيلي قال: ( لا علاقة لنا بهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد ولا نعلم عنه شيئاً، قرأنا خبره في الصحف. وأشار في حديثه لـ(المجهر) أن الشركة تعمل في السودان منذ العام 2005م وأدخلت العديد من التقنيات الحديثة رغم المقاطعة بالتعاون مع الإمدادات الطبية، وأشار إلى أن شركته التي تحمل اسم (شاويش العالمية) تورد أدوية شركة (باكستر) المسجلة لدى المجلس القومي للأدوية والسموم، وقال إن دواء (الهيموفيليا) التي تصنعه ذات الشركة والمسجل في السودان يصنع في (النمسا)، إذ تمتلك الشركة مصنعين في (فينا)، ولديها مصنع آخر في (بلجيكا) وأربعة في (أمريكا)، ويتم توزيع منتجاتها إلى دول عربية عديدة بما فيها (السودان)، وأشار في حديثه إلى (المجهر) أن (الفلتر) والدواء يصنعان في (أمريكا)، لكن قد يكون لدى (باكستر) مصنع (للفلتر) في إسرائيل؟! وقال: (نحن لا علاقة لنا به ولم يتم توريده بواسطة شركتنا ولا عن طريق الإمدادات الطبية.
لواء طبيب “عبد العزيز همت” مسؤول المكتب العلمي بجمعية مرضى الهيموفيليا، أكد في حديثه لـ(المجهر) أن علاج المرض الذي يتكون من (الدواء) و(المحلول) و(الفلتر)، يجب أن تورّد جميعها عبر شركة واحدة، مع بعضها البعض إلى الإمدادات الطبية، لافتاً هنا إلى نقطة مهمة للغاية بالغة التعقيد قد تسهم في فك طلاسم الملف، وهي أن الشركة التي وردَّت الأدوية وفرت فقط الدواء والمحلول ولم تجلب(الفلتر)!
النقطة أعلاه ربما أسهمت بشكل كبير في فكك التشابك الذي أصاب القضية، إذ بات واضحاً أن عجزاً كبيراً حدث في توفير (الفلتر) لمتلقي العلاج، ليتفاجأ المرضى بتزويدهم (بفلتر) صُنع في إسرائيل! ليطل السؤال هنا مرة أخرى من وفر هذا (الفلتر) للوحدة؟ وواقع الحال يؤكد أن الجهة التي جلبته تعلم وجود نقص فيه خاصة بعد ما أصبح (المحلول) و(الدواء) متوفرين!
د. همت أكد لـ(المجهر) استحالة دخول أي عقار للمرضى عن طريق تجار الشنطة، أو أي طرق أخرى بسبب وضعية حفظ الدواء نفسه الذي يجب أن يكون مجمداً.
حاسبوا المتورطين!
الأمين العام لجمعية حماية المستهلك “ياسر ميرغني”، قال إن على وزارة الصحة الاتحادية والمجلس القومي للأدوية والسموم والإمدادات الطبية تحمل المسؤولية كاملة، وتساءل في حديثه لـ(المجهر) لماذا لم تتدخل تلك الجهات في الوقت المناسب لحماية مرضى الهيموفيليا بتوفير الأدوية اللازمة لعلاجهم حتى لا يقعوا فريسة للمنظمات التي لا تتوانى في إدخال أدوية إما منتهية الصلاحية أو تبقت على مدة انتهائها أشهر ومن جهات مجهولة، مع العلم أن هذا (الفلتر) مسجل في السودان وتصنعه ذات الشركة الأمريكية في (النمسا) وفي جهات أخرى، وطالب “ميرغني” بألا تمر هذه القضية دون معرفة ومحاسبة من ارتكبوها.
حل اللغز
المزيد من التعقيدات تلف خيوط الملف، الوحدة العلاجية للهيموفيليا بـ(مستشفى الخرطوم) نفت علمها بالأمر! وكلاء الشركة الأمريكية التي صُنع (الفلتر) لصالحها نفوا صلتهم به! الجهات المختصة الأخرى التي تمثلت في وزارة الصحة الاتحادية والمجلس القومي للأدوية والسموم، توعدت وفتحت تحقيقاً عاجلاً لحل طلاسم القضية وفك شفرتها، لتدخل القضية في يومها الثالث قبة البرلمان، مما يجعلنا نتساءل، هل تستطيع الجهات المسؤولة وضع النقاط فوق الحروف بكشف المتورطين وتقديمهم للمحاسبة؟!