شهادتي لله

أمريكا المبتزّة .. تجاهلوا هذا الملف

{ دلّت تجارب العالم من حولنا، أن أفضل منهج يمكن أن تتبعه حكومتنا في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية في ما يتعلق بملف رفع العقوبات عن السودان وتطبيع العلاقات بين البلدين، هو تجاهل هذا الملف وعدم التعويل عليه كثيراً في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
{ فقد أكدت كل مشروعات التعاون السابقة بين “الخرطوم” و”واشنطن” في المجالات كافة، وعلى رأسها محاربة الإرهاب منذ العام 2001م، أن أمريكا تأخذ.. ولا تعطي، وتحرص أيّما حرص على تطبيق المقولة المرشد لوزير خارجيتها الأسبق أحد كبار منظّري سياستها الخارجية “هنري كيسنجر”: (إن أمريكا لا تدفع ثمن ما يُهدى إليها)!!
{ وقد أهدينا إلى أمريكا (نيفاشا).. وأهدينا إليها انفصال جنوب السودان.. دولة جديدة أخذت معها (ربع) شعبنا و(ربع) دولتنا الكبيرة، و(ثلاثة أرباع) ثروتنا النفطية، وأهدينا إليها سلسلة طويلة ومستمرة من العطايا في مجال مكافحة الإرهاب، ثم أهدينا إليها اتفاق السلام الأخير في جنوب السودان دون أن تبذل فيه جهداً أو تقدم له دعماً معنوياً، أو مالياً، ولا شكرت عليه رئيس دولتنا ولا حكومتنا!!
{ وغير مساراتها الخمسة، وشروطها الجديدة الستة لرفع عقوبات قائمة الإرهاب عن كاهل بلادنا، فإن حادثة اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية بمدينة “أسطنبول” التركية، قد كشفت بصورة فاضحة السلوك الابتزازي القبيح الذي تمارسه الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس “ترمب”، بل والخارجية الأمريكية نفسها.. مطبخ السياسات الدولية وحامية حمى القانون الدولي وحقوق الإنسان في العالم، فقد سافر الوزير “بومبيو” إلى “الرياض” مبعوثاً من “ترمب”، وبدا من مقابلاته وتصريحاته في السعودية مجرد (سمسار) يتأبط حقيبة سوداء، ويسعى لإنجاز صفقة مالية، وليس وزير خارجية دولة محترمة تعمل على إرساء القيم والمبادئ!!
{ إذن.. من يظن في حكومة السودان أن التعامل مع الولايات المتحدة يكون وفق منطق وقواعد السياسة الدولية ومطلوباتها، فهو إما واهم وساذج.. أو متواطئ ضد وطنه.. السودان.
{ إن اللهث وراء مطلب رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، يكلف بلادنا الكثير، ولن تجني منه سوى السراب، والمزيد من الصدمات والكذبات.
{ الطريق الصحيح هو طريق الاعتماد على الذات، كما حدث خلال سنوات استخراج وتصدير البترول من نهاية العام 1999 وإلى عام الانفصال الأسود 2011م، فطيلة تلك السنوات لم يكن يحدثنا أحد عن عقوبات أمريكية وعن آثارها على الاقتصاد الوطني، كان الدولار بثلاثة جنيهات، وكان الجنيه السوداني بثلاثة جنيهات مصرية، بينما انعكس الحساب الآن ليصبح الجنيه المصري بأكثر من ثلاثة جنيهات سودانية!!
{ نحن لا ندعو إلى مواجهة أمريكا أو معاداتها، لا.. ولكننا نطالب حكومتنا بإهمال ملف العقوبات الأمريكية ونسيانه، والتركيز على معالجة الوضع الاقتصادي والانفتاح على دول الإقليم عبر توسيع تجارة الحدود، وإبرام تحالفات اقتصادية مع جيراننا، والبحث عن خيارات وبدائل بين الدول العظمى، بما فيها بريطانيا، لمحاصرة الحصار الأمريكي وإضعاف تأثيراته على البلاد.
{ وعندما نعالج مشكلاتنا الداخلية وينتعش اقتصادنا، ستأتي إلينا أمريكا يوماً ما طائعة مختارة، لتبلغنا قرارها.. إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية