حوارات

مدير قطاع التجارة وشؤون المستهلك بولاية الخرطوم د. “عادل عبد العزيز الفكي” في حوار مع (المجهر)

حاجة البلاد اليومية لدقيق القمح تقدر بـ(100) ألف جوال، والخرطوم تستهلك وحدها (43) ألف جوال دقيق يومياً و(35) مليون جنيه الدعم اليومي
بنصف دعم الدولة للدقيق يمكن أن تدعم الذرة، وتصنع منه رغيفاً ممتازاً، وتمزق فاتورة استيراد القمح.
أزمة الخبز سببها قلة كمية الدقيق الموزع لولاية الخرطوم من المطاحن خلال الأسبوع الماضي.
السمة الغالبة في موجهات الموازنة العامة الجديدة الواقعية في تشخيص أوضاع الاقتصاد السوداني

حوار: رقية أبو شوك
بدأت أزمة الخبز في الانحسار بعد أن عاشت البلاد حالة من الندرة لهذه السلعة الإستراتيجية، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء القومي، “معتز موسى” للاعتذار عبر تغريدة على (تويتر)، مؤكداً أن البلاد عاشت هزة عابرة في وفرة الخبز، وقال (نأسف لما حدث) ووعد في الوقت نفسه بمضاعفة الجهد لضمان عدم عودة الأزمة.
ولنتعرف على الأسباب الحقيقة التي أدت إلى الأزمة وعودة الصفوف مجدداً، (المجهر) التقت بمدير قطاع التجارة والتعاون وشؤون المستهلك بوزارة الصناعة والتجارة، بولاية الخرطوم، د. “عادل عبد العزيز الفكي” بالإضافة إلى كونه خبيراً اقتصادياً، ووضعت أمامه عدداً من الأسئلة عن أسباب الأزمة وكم تبلغ حاجة السودان من الدقيق كما تناولنا خلال الحوار موازنة 2019م، فإلى إفاداته.
* في البدء حدثنا عن أزمة الخبز ولماذا عادت من جديد وما هي الأسباب الحقيقة للأزمة؟
السبب الرئيسي هو قلة كمية الدقيق الموزع لولاية الخرطوم من المطاحن خلال الأسبوع قبل الماضي، لهذا ظهرت الصفوف، والأحد الماضي أصدر مجلس الوزراء قراراً باستمرار الدعم، عليه عادت المطاحن لتوزيع الحصة الكاملة للولاية ونتوقع انحسار الصفوف بصورة نهائية وذلك نظراً لانتظام تسليم حصص الدقيق لأكثر من (3) آلاف مخبز وهي جملة المخابز العاملة بولاية الخرطوم.
{ كم يبلغ حجم الاستهلاك اليومي للبلاد وولاية الخرطوم على وجه الخصوص من الدقيق؟
حاجة البلاد اليومية من دقيق القمح تقدر بـ(100) ألف جوال زنة (50) كيلو جرام، فالدولة تدعم الآن كل جوال بمبلغ (350) جنيهاً، وعليه فإن الدعم اليومي لدقيق الخبز يبلغ (35) مليون جنيه، ويبلغ استهلاك ولاية الخرطوم لوحدها (43) ألف جوال يوميا.
* حجم الدعم الحكومي للدقيق؟
كلما انخفضت قيمة الجنيه السوداني أو بلغة أخرى كلما زاد الدولار يزيد الدعم لأن هدف الحكومة هو الإبقاء على سعر جوال الدقيق للمخبز بمبلغ (550) جنيهاً حتى ينتج خبزاً يباع للمواطن بواقع جنيه للقطعة الواحدة أي رغيفة بجنيه واحد فقط.
كما أن مبلغ الدعم المقدر بـ(35) مليون جنيه يومياً بنصفه فقط يمكن أن ندعم الذرة ليصبح الجوال بمبلغ (100) جنيه فقط، ومن الذرة يمكن أن نصنع رغيف ذرة ممتاز، وبالتالي نمزق فاتورة استيراد القمح ونرفع الضغط الهائل عن سعر الصرف.
*هذا الحديث يقودنا إلى الاقتراح بإنتاج خبز خليط ما بين القمح والذرة.. هل تتوقعون أن يجد المقترح القبول من المستهلك؟
إن خطة إنتاج الخبز من الذرة، التي تتوفر في السودان بكميات هائلة، عوضاً عن القمح، الذي نستورده من الخارج بمبالغ طائلة. هي فكرة قديمة، وقد عمل فيها معهد بحوث الأغذية بشمبات (بروفيسور ست النفر وزملاؤها) في ثمانينيات القرن الماضي، وقد حققوا نجاحاً معقولاً غير أن التجربة توقفت أو تم إيقافها لأسباب مجهولة.
استمر القمح ودقيقه في استنزاف احتياطي البلاد من العُملات الأجنبية بصورة متصاعدة حيث نستورد منه سنوياً كميات متفاوتة تتراوح قيمتها ما بين (مليار إلى 750 مليون) دولار، حيث ترتفع قيمة استيرادنا كلما قلَّ إنتاجنا من القمح المحلي، والعكس بالعكس.
{ما هي مزايا الخبز المخلوط وكم يوفر؟
اقتراح استخدام الذرة في إنتاج الخبز سوف يوفر على البلاد هذا النزف المتواصل للعُملات الأجنبية، لهذا يؤيده الكثيرون، حيث علمت من الدكتور “عبد الله الرمادي” مدير مؤسسة التنمية السودانية الأسبق، أنهم سبق وأجروا في مؤسسة التنمية السودانية (المحلولة) تجارب ناجحة بخلط 5% فقط من القوار مع 95% ذرة، وأنتجوا منها رغيفاً فاخراً، بل جاتوه، في مركز بحوث الأغذية بشمبات في ذلك الوقت أعطت التجارب نتائج باهرة، ولكن هناك من تضررت مصلحتهم فعملوا على وأد المشروع.
* وهل يمكن إعادة التجربة؟
نعم حيث يرى د. “عبد الله الرمادي” أنه يمكن إعادة التجربة والاستفادة من معدات المصنع بسنجة، بعد إجراء الصيانات اللازمة إذا توفرت الإرادة.
إن اتخاذ قرار استخدام الذرة لصنع رغيف الخبز يعود على المواطن والمزارع والوطن بالخير الوفير، ولو نجحت المساعي في تصنيع الخبز من الذرة، وصناعة المعجنات والمخبوزات منه، فسيكون ذلك منعطف إستراتيجي للاقتصاد السوداني.
*ماهي متطلبات نجاحه واستمراريته طالما أنه كان تجربة سابقة ولكنها توقفت؟
قرار بهذه الخطورة يحتاج إلى تأمين نجاحه بوضعه في إعداد القرارات الإستراتيجية المهمة للدولة، وبذل الحماية له أمنياً وسياسياً ومالياً، وتوفير الكادر البشري العلمي والاقتصادي له.
ومن هذا المنبر ادعو فخامة رئيس مجلس الوزراء، وزير المالية لطلب المعلومات الكافية من الوزارات والمؤسسات المسؤولة في الدولة عن موضوع تصنيع الخبز من الذرة، وسيندهش فخامته لتأخر اتخاذ القرار في هذا الموضوع الإستراتيجي.
*بوصفك خبير اقتصادي حدثنا عن موجهات موازنة 2019م؟
موجهات إعداد موازنة العام ٢٠١٩م ركزت على معالجة أوضاع الاقتصاد الكلي بسياسات تستهدف خفض التضخم، واستقرار سعر الصرف، للوصول للاستقرار الاقتصادي. وعلى أساس هذه النظرة الواسعة تم طرح أكثر من ثلاثمائة موجه تم إجازتها وستتنزل للوزارات والولايات والهيئات والمؤسسات لإعداد موازنة ٢٠١٩م على ضوئها.
*الجديد فى موازنة 2019م؟
السمة الغالبة في هذه الموجهات هي الواقعية في تشخيص أوضاع الاقتصاد السوداني، واقتراح معالجات واقعية أيضاً. الجديد وما يهم عامة المواطنين في موازنة 2019 هو التأكيد على استمرار الدعم للمواد البترولية والخبز والدواء والكهرباء، وعدم فرض أي ضرائب جديدة، ومعالجة الغلاء وارتفاع الأسعار عن طريق دعم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والإنتاجية، ومراجعة الأجور والمعاشات.
لقد تم التأكيد على أهمية ولاية وزارة المالية على المال العام، على أن تعد خطط الوزارات على أساس موازنة البرامج، والتركيز على زيادة الإنتاج والإنتاجية، وزيادة الصادرات خاصة المنتجات البترولية، ومتابعة تنفيذ مصفوفة الصادرات التي تم الاتفاق عليها مع اتحاد أصحاب العمل، وزيادة كفاءة الأداء بديوان الضرائب، وتوسيع المظلة الضريبية بابتكار أنماط ذكية والاستفادة من التقانة الحديثة في حصر الأنشطة والتحصيل، والاستمرار في جهود منع الجبايات والتحصيل غير القانوني بالمركز والولايات.
* ثم ماذا؟
إن الموجهات جاءت مناسبة وقد حافظت على الروح التفاؤلية التي تسود الآن في الأوساط الاقتصادية عامة ويقترح التأكيد على أهمية برنامج الفاتورة الإلكترونية الذي ينفذه ديوان الضرائب لأنه عنصر أساسي في ضبط الأسعار وتخفيف العبء المعيشي.
كما يقترح توجيه دعم مباشر وفعال للجمعيات التعاونية، وتشجيع البنوك على تمويلها، والتنسيق مع اتحاد العمال من جهة واللجان الشعبية من الجهة الأخرى لتلعب الجمعيات التعاونية دوراً أساسياً في تخفيف العبء المعيشي.
* وماذا عن الخدمة المدنية؟
زيادة فعالية الخدمة المدنية بتشغيل وتفعيل تطبيقات إدارة موارد الحكومة، وهي تطبيقات على أنظمة الحاسوب تتيح إدارة الموارد والتصديقات المالية بكفاءة عالية، وتوجد منها نسخة مسودنة أنتجها مركز النيل للأبحاث التقنية، وتُنصح الوزارات والولايات والمؤسسات والهيئات بالاستفادة منها.
كما يقترح تكوين صندوق للبحث العلمي تسهم فيه الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية المهتمة بالبحث العلمي.
* والقطاع الخاص ماذا بشأنه؟
ولاستمرار الشراكة مع القطاع الخاص على نحو مستقر وسليم يقترح إجازة قانون الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص الذي يعرف اختصاراً بـ(P.P.P) وهو قانون ضروري لضمان حقوق القطاع الخاص في ظل اقتصاد غير مستقر.
* اذاً كيف يمكن أن يتحقق النمو الاقتصادي بالسودان في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة؟
في تقديري أن النمو الاقتصادي في السودان يجب أن يرتكز
على البرنامج الخماسي للإصلاح الاقتصادي 2015-2019 وهو خطة الدولة المرحلية المجازة في الجانب الاقتصادي.
حيث تشير أغلب التحليلات إلى أن هذا البرنامج الذي مضت منه أربعة أعوام قد واجهته عقبات وتحديات حالت دون تحقيق لأهدافه بالكامل، غير أن الحراك الكبير هذا العام يجعلنا نتفاءل بإمكانية أن يحقق البرنامج جزءاً مقدراً من أهدافه خلال العام المتبقي من عمره. خاصة وأن الحكومة قد التفتت للشريك المهم في إنفاذ البرنامج وهو القطاع الخاص الذي كلفه البرنامج بإنفاذ 83% من المشروعات التنموية المطلوبة لتحقيق الأهداف الكمية للبرنامج.
* تبقى عام واحد فقط على نهاية البرنامج.. ما الذي تحقق؟
أهم الأهداف الكمية المستهدفة من البرنامج تمثلت في الارتفاع بإجمالي الناتج المحلي من (66.6) مليار دولار في العام 2015 إلى (113.5) مليار دولار في العام 2019 ليرتفع نصيب الفرد الاسمي من (1797) دولاراً إلى (2657) دولاراً سنوياً خلال نفس الفترة.
من الناحية التنفيذية أشار البرنامج لاتخاذ إجراءات وسياسات حازمة تتعلق بولاية وزارة المالية على المال العام، وحدة الموازنة العامة للدولة، زيادة الجهد المالي الضريبي ليصل ما بين (18%-20%) من الناتج المحلي الإجمالي (هو حالياً في حدود 8% فقط من الناتج)، ترشيد الإنفاق الحكومي، إعادة هيكلة دعم المحروقات والقمح والكهرباء وتحويل عائد إعادة الهيكلة لصالح الفئات الفقيرة، وتوفير التمويل غير التضخمي لبرامج التنمية.
*إذاً كيف يتحقق الاستقرار الاقتصادي؟
إنفاذ هذا البرنامج يحتاج للتركيز على الموجهات التي تم طرحها وتتضمن استكمال بناء نموذجنا الاقتصادي، الذي يعتمد في النمو على قاعدة عريضة من المواطنين، وفي إطار دور ريادي للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، لقيادة النشاط الاقتصادي في إطار شراكة إستراتيجية مع هذا القطاع بشقيه المحلي والأجنبي، لتنفيذ الأهداف التنموية المعلنة، على أن يرتكز الدور التنموي للدولة في عناصر أساسية وهي سياسة اقتصادية كلية لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، تقوم على إصلاح القطاع العام عن طريق تحسين إدارة المصروفات العامة وتحديد مجالات عمل الحكومة، وترك مجالات أخرى بذاتها للقطاع الخاص.
إنفاذ برنامج محدد وفق ميقات زمني معلوم وقابل للقياس والتقويم لإصلاح الخدمة المدنية، لاســيما في قدرتها على سهولة أداء الأعمال والإسراع في توفير البنيات التحتية الداعمة لكافة الاستثمارات بشقيها المحلي والأجنبي.
أخيراً.. كيف يتحقق ذلك؟
بالنظر للموارد الهائلة التي يتمتع بها الاقتصاد السوداني، والفرص الكبيرة المتاحة أمامه مثل مبادرة الأمن الغذائي العربي، والموقع الجغرافي المتفرد كمنطقة عبور لتجارة الدول المجاورة المغلقة، فإن القدرة على تحقيق المعدلات الكمية المشار إليها ليست صعبة على الإطلاق، شريطة تحقيق الاستقرار السياسي، وتحقيق الوفاق الوطني، ومحاربة الفساد، واستعادة العلاقات الطبيعية مع الدول الشقيقة والمجتمع الدولي.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية