مدير جهاز الأمن يفجّر معلومات جديدة في مؤتمر الأمن التنسيقي لولايات الشرق
الطائرة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد ركابها الثلاثين من قيادات جهاز الأمن والمخابرات الوطني، كانت تقبع في مطار الخرطوم الدولي ليلة يوم (الاثنين) الماضي تنتظر أمر التحرك إلى بورتسودان تحت جنح الليل.. الهمس والأنفاس يفسران الصمت، والحركة الدؤوبة تفسر حماس رجال المخابرات وهم يتوجهون إلى الشرق للمشاركة في المؤتمر التنسيقي الأمني الأول للولايات الشرقية.
كانت الطائرة تحمل في طياتها ملفات كثيرة ومعقده، تبتدئ بالهجوم الإسرائيلي بين الحين والآخر على قوافل السيارات، وربما في بعض الأحيان تجار السلاح، وفي أحيان أخرى تقاطعات أمنية تنتظر حل الكلمات المبعثرة في طاولة التحليل الاستخباري.
هكذا كان المشهد داخل الطائرة، التي لم تتحمل أسرار رجال المخابرات وضباط الأمن المحترفين الذين ينتظرون المؤامرة تلو المؤامرة، أو الاستهداف من بعد الاستهداف.. وأخيراً وليس آخراً المحاولة التخريبية التي اتهمت الحكومة فيها مدير المخابرات والأمن السابق الفريق “صلاح عبد الله قوش” قبل أن تتحول التهم إلى تدبير انقلاب بكامل العدة والعتاد والبيان الأول للثورة البديلة.. لذلك عادت الطائرة من مطار بورتسودان بعد أن تعذر على كابتن الطائرة رؤية مدرج الهبوط.. كانت الأجواء سيئة مثل الأحوال السياسية والسحب السوداء تغطي المكان، لكن إصرار رجال المخابرات على أن ينفذوا ما خططته أوراقهم وتحويله إلى واقع ملموس يعالج المشكلات الأمنية بالبلاد، أعادنا مرة أخرى إلى مطار الخرطوم صباح أمس الثلاثاء بعد أداء صلاة الفجر، صوت المنادي كان يقول: (حي على الفلاح)، والناس نائمون إلا من يكابد في سبيل الحصول على العيش الكريم أو معلومة.
الصحفيون انقسموا حول مبدأ العودة مرة أخرى إلى الطائرة في اليوم التالي من المهمة مع رجال المخابرات، وأغلبهم فضل سبيل الحصول على المعلومات المنشورة للرأي العام، رغم مخاطر المطارات الولائية التي يتعذر في بعضها استقبال الطائرات في وقت الضرورة.
بانتظام تام وفي ضبط وربط، (ركبت) قيادات المخابرات السودانية وحملت معها ملفات كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وأخفت ملفاتها الأخرى في التنسيق مع دول الجوار رغم التصريح المباشر من المدير العام الفريق أول مهندس “محمد عطا”.
في مطار بورتسودان، كان والي البحر الأحمر “محمد طاهر أيلا” يقف مبتسماً يستقبل ضيوفه، صافحهم بلا استثناء، وعانق منهم من عانق، وظهر أحد رجال المخابرات في آخر الصف يرحب بالقادمين.. لقد كان “أنس عمر” مقدم برنامج في (ساحات الفداء)، واحد المتحدثين الشرسين للحركة الإسلامية في الجامعات.. وبظهور “أنس عمر” تنتفي الشائعات التي راجت حول اختفاء الرجل وعن بعده.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ابتدر “إبراهيم فضل الله قمش” الحديث رئيساً للجنة الإعداد، يقول: (هدف المؤتمر إحكام التنسيق الأمني بين ولايات الشرق الثلاث لتوحيد الرؤى).
{ واليا القضارف وكسلا.. مواجهة المهددات
كانت كلمة والي القضارف “الضو الماحي”، ومن بعده والي كسلا “محمد يوسف آدم” تأكيداً على أن أهل الشرق برغم الظروف والضيق الاقتصادي في الصفوف الأمامية، يستمدون ذلك من تاريخهم العتيق. لم تخلُ كلمتا الرجلين من الإشادة بمنجزات ثالثهما “محمد طاهر أيلا” واهتمامه بالتنمية العمرانية، وفي رسالة سياسية ذكية قال والي كسلا موجهاً حديثه للمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني “محمد عطا”: (دايرين مشروعات الشرق من التنمية والطرق والخدمات عشان نقوي الصف الداخلي ونغيظ الأعداء).
{ كلمة الفريق أول مهندس “محمد عطا”
مدير جهاز الأمن الفريق أول مهندس “محمد عطا المولى” ابتدر حديثه قائلاً: الحمد لله القائل: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).. ثم قرأ آيات أخرى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ). وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا “محمد” عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي أوصانا بمعاني التعاون والمؤازرة حينما قال “صلى الله عليه وسلم”: (إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمده عنه). وقال “صلى الله عليه وسلم”: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).. أشهد أنه نبي الهدى ونور الحق، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك..
السيد “موسى محمد أحمد” مساعد رئيس الجمهورية، السيد الدكتور “محمد طاهر أيلا” والي ولاية البحر الأحمر، الأخوة ولاة ولايات كسلا والقضارف، الأخوة والزملاء في القوات المسلحة والشرطة والأمن، الأخوة الحضور جميعاً.. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إنه من دواعي الغبطة والسرور أن نشهد هذا الجمع المبارك، في هذا الصباح المبارك في هذا الوقت المهم، ولا غرابة أن تخرج هذه الكلمات القوية من شرق السودان ومن البحر الأحمر، وقد صدع بها قبل ذلك ابن الشرق الغيور والمجاهد “عثمان دقنة”، وكان السودان وقتها قد تعرض لما يحاول البعض أن يعيده مرة أخرى ولو بثوب جديد.
{ الأخوة الكرام:
جدير بالتعاون والتنسيق الأمني للشرق أن يحظى بمثل هذا المؤتمر في ظل التطورات الأمنية، وهو أمر يجد منا اهتماماً متعاظماً، إيماناً منا بأنه لا نهضة ولا تطور قبل أن يترسخ الأمن ويعم السلام.. وهذا المؤتمر فرصة كبيرة لتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات بين القيادات المنوطة بالأمن على مستوى المركز والولايات، ويحق لنا أن نفخر بإنجازاتنا على مستوى إرساء السلام في ربوع السودان، وفي شرقنا الحبيب بصفة خاصة، بعد أن عانت بلادنا الأزمات والنزاعات، لأسباب تعلمونها، وغير بعيدة عن قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية التي غابت عبر سياسات ممنهجة خطها المستعمر الذي ترك بلادنا في اتجاهاتها المختلفة ما بين فقيرة وأكثر فقراً، ونعلم كما تعلمون أن السلام لابد أن تعقبه النهضة والتنمية، وهو ما نراه الآن واضحاً جلياً بفضل جهود قادة ولايات الشرق، ونتمنى، بل نطمح في المزيد.
والحديث عن السلام لابد أن يتطرق إلى الإشارة والإشادة والتحية لرئاسة الجمهورية، التي ظلت تتابع تنفيذ اتفاقية الشرق بكل الصبر.. ونحيي السيد رئيس الجمهورية والسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية والسيد نائب رئيس الجمهورية، ونخص بالتحية السيد مساعد رئيس الجمهورية “موسى محمد أحمد”، والتحية خاصة كذلك للسيد الوزير الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” لرعايته وصبره على تنفيذ اتفاقية الشرق التي كما قلت نطمح أن تثمر مزيداً من الخير والنماء على أهلنا في شرق السودان.
{ الأخوة الكرام:
إن أهمية الشرق بالنسبة إلى السودان ليست في حاجة إلى حديث منا، للأهمية ذاتها كان الشرق وما زال أكثر استهدافاً، وهو يقع ضمن منظومة القرن الأفريقي بأهميتها الإستراتيجية، وهو إطلالة السودان على العالم، وهو محط أطماع الكثيرين في خيراته الوفيرة، وكان ولا غرو أن تقع عليه العين الصهيونية بدعاوى مكافحة الإرهاب، وكان طبيعياً أيضاً لموقعه الإستراتيجي أن يعاني ظواهر ومهددات كبيرة مثل الاتجار بالبشر والتهريب بأنواعه المختلفة التي تهدد الأمن والاقتصاد القوميين.
لقد انشغل الرأي العام بظاهرة تسريب السلاح، وأرجو أن اطمئن الجميع في هذا الصدد أن الاتجار بالسلاح وتهريبه ليست لديه أية علاقة بجماعة سياسية، وقد تدخل الجهاز حالياً وبقوة منذ (3) أشهر لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، وبتنسيق محكم مع القوات المسلحة والشرطة الموحدة ووزارة العدل، وقد نفّذنا خلال هذه الشهور عدداً من العمليات كانت أولها في مدينة كوستي في شهر أغسطس الماضي، أعقبتها عمليات أخرى في كل من كسلا والقضارف وعطبرة وصلت بلاغاتها المفتوحة إلى (18) بلاغاً جنائياً طالت (41) متهماً بتهريب السلاح والاتجار فيه، وجدت في حوزتهم مئات القطع من الأسلحة وحوالي (140) ألف طلقة و(40) صندوق ذخيرة رشاش (قرنوف)، بالإضافة إلى مئات الطبنجات على متن (11) عربة مخصصة لترحيل السلاح. وجهودنا مستمرة، ورغم استحداث المهربين لطرق جديدة للتهريب إلا أننا في متابعة لصيقة ومستمرة لهم مع أخوتنا في القوات المسلحة والشرطة، إذ ينظم الجهاز لقاءً راتباً يضم هذه الأجهزة من أجل التنسيق في هذا الصدد، ومثل هذه الجريمة يتولد منها عدد من الجرائم، جرائم تهريب المخدرات والبشر، وأنا أقول الآن بعد هذه التجربة المركزة لمدة (3) أشهر إنها إلى زوال قريباً إن شاء الله.
{ الضيوف الكرام والأخوة المؤتمرون:
امتلك الجهاز بفضل الله وجهد أبنائه تجربة رائدة وكبيرة في معالجة ظاهرة الغلو والتطرف، وقد أنتجت فكرة المراجعات الفكرية التي أرساها الجهاز مبدأ جديداً من الحوار الفكري المثمر الذي أخرج كثيراً من المغرر بهم من دائرة التطرف إلى دائرة الاعتدال بفضل التخطيط الجيد لهذه التجربة، وإشراك ذوي الخبرة والاختصاص في تنفيذها. كما أجهضت العمليات الأمنية التي استهدف الجهاز بها بعض المجموعات المتطرفة عدداً من عمليات التخريب ضد الدولة والمجتمع، وكان آخر هذه العمليات الناجحة ما حدث بالأمس القريب بحظيرة الدندر التي تجمع فيها (31) من العناصر الشبابية المتطرفة بعضهم اشترك في جرائم سابقة.. تجمعوا للتدريب على عمليات إرهابية تستهدف بعض رموز الدولة وبعض المصالح الغربية من بعثات دبلوماسية وأفراد من القوات الدولية في العاصمة الخرطوم، وقد ضبطت بحوزة هذه المجموعة في تلك المنطقة النائية من الحظيرة كميات من الأسلحة والذخائر والمواد المعدة للتفجير وأجهزة الاتصالات، حيث تم اعتقال المجموعة بعد ملحمة أبطالها أبناؤنا من هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وشرطة الحياة البرية وشرطة ولايتي القضارف وسنار.
{ الأخوة الكرام:
نما إلى علمكم في الأيام القليلة الماضية ما سمي بالعملية التخريبية، وهي محاولة انقلاب على الحكم كاملة الأركان والإعداد، وقد اشترك فيها عدد من ضباط القوات المسلحة والأمن ومن السياسيين يكفي لتنفيذ هذه العملية وإكمال مراحلها لولا يقظة الساهرين على أمن هذه البلاد، وقد أعدت هذه المجموعة عدتها لتنفيذ الخيانة وحررت بيانها كثورة بديلة ولكن هيهات، ونعدكم وعداً حقاً وصادقاً بأنهم سيُعاملون بالعدل وبكل الحسم، لأن الخيانة هي الخيانة مثل الطعم المر العلقم أياً كان مصدرها، وأن العدالة هي العدالة لا تتجزأ ولا تستكبر أحداً.
قاطعته الهتافات: (لا لا للعملاء.. لا لا للعملاء.. لا لا للخونة).
{ الأخوة المؤتمرون:
إن للسودان دوراً كبيراً وقديماً في أمن البحر الأحمر، وفي ذلك مستعدون لمواصلة التعاون مع الشقيقة المملكة العربية السعودية ولتحويل البحر الأحمر إلى منطقة سياحية لفائدة الشعبين نستثمر فيها ثروات هذا البحر ومكنوناته، ومستعدون لمواصلة التعاون مع الشقيقة مصر التي يشكل لها السودان عمقاً إستراتيجياً يعرفه العدو جيداً لذلك سعى إلى ضربه.
ومستعدون لمواصلة التعاون مع أخوتنا في اليمن وجيبوتي، لقناعتنا أن الأمن الحقيقي للبحر الأحمر أن تشهد هذه الشواطئ نشاطاً اقتصادياً نافعاً لنا ولغيرنا، وحركة دائبة دخولاً وخروجاً، وهذا جزء من بنية الأمن الأساسية لسواحلنا وشواطئنا.
إننا على استعداد لتقديم الخدمات والتسهيلات لكل السفن العابرة بكرم سوداني أصيل، فمرحباً بالسفن والبواخر الإيرانية، ومرحباً بالسفن والبواخر الباكستانية، ومرحباً بالسفن الهندية وكل سفن دول العالم عدا إسرائيل.
ستجدون في بورتسودان الخدمة هي ذات الخدمة، والوجه البشوش والكرم السوداني الأصيل.
{ “أيلا”: الشرق آمن ومستقر
كانت كلمة والي البحر الأحمر “محمد طاهر أيلا” للتطمين بأن الشرق آمن ومستقر، وعزا ذلك إلى وحدة أبنائه، وقال لمدير المخابرات: (لن تجد مدافع ورشاشات تحرسكم، بحمد الله هذه الولاية تحرسكم برعاية الله ووحدة أهلها وإصرارهم على السلام والاستقرار).
وختم “أيلا” حديثه عن التنمية وسط هتافات عالية تمجده، ولفتت الأنظار في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأمني الأول لولايات شرق السودان.. ومن بعده كان الحديث لمساعد الرئيس “موسى محمد أحمد” الذي دعا للاعتراف بوجود ظواهر أمنية ماثلة، تتمثل في تهريب البشر وانتشار وتهريب السلاح والوجود الأجنبي غير المقنن.
انتهت الجلسة الافتتاحية، وأمسك ضباط المخابرات بحقائب أسرارهم يبحثون داخل تقارير المعلومات من مصادرهم عن مستقبل التنسيق في شرق السودان.. فهل ستمنحهم أشعة الشمس علم الحقيقة دون تضليل ليضعوا خطط المستقبل؟؟