متهمو التخريبية .. مصير ينتظر المحاسبة او العفو !!
وكأنه يرد على التحركات والأصوات التي بدأت تعلو وسط قطاع واسع من الإسلاميين داخل السلطة، وتنادي بالعفو عن المتهمين في المحاولة الانقلابية الأخيرة، فقد قطع النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” الطريق عليهم، وأكد أن الحكومة ستتعامل معهم بالحزم والقانون. وقال “طه” الذي كان يعلق لأول مرة على المحاولة التخريبية خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً بمنطقة الرميلة بالخرطوم: (قام بعض أولادنا بالمحاولة ولكن الطريق مقطوع أمامهم. خرجوا على النظام والبيعة والكلمة، ما عندهم مكان بيننا، ما بالخيانة والغدر والخروج عن البيعة، سيعاملون بالقانون والعدل والحزم الكامل حتى يستقيم السير). ويأتي حديث النائب الأول لرئيس الجمهورية، الذي يعدّ أرفع مسؤول يتحدث بمثل هذه اللهجة حول هذا الملف حتى الآن، في وقت بدأ فيه أعضاء في البرلمان بتكوين لجنة خاصة بهم تتوسط بين المعتقلين والحكومة من أجل التوصل إلى حل وسط بينهم، بل إن النائب البرلماني “أحمد الطيب الفنقلو” والناطق الرسمي باسم هذه المجموعة قد أكد أنهم يرتبون للقاء رئيس الجمهورية “عمر البشير” خلال اليومين المقبلين للتوسط لإطلاق سراح المتهمين، وبرر هذا التوجه بأن العفو الرئاسي شمل من قبل من هم أشدّ منهم عداءً للدولة. وأشار “الفنقلو” إلى أن المصلحة العامة تقتضي العفو عن المجموعة لما قدمته من عطاء للدولة ومراعاةً للتحديات التي تمر بها البلاد. ويرى عضو البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي “صديق إسماعيل” أن هؤلاء النواب لا يمثلون إلا أنفسهم، وليس لهم الحق في التحدث باسم البرلمان، مشيراً إلى أنه يفضل أن يقدم المعتقلون إلى محاكمات عادلة وعلنية، ويمنحوا حق الدفاع عن أنفسهم ليكشف الناس إن كانوا فعلاً مخطئين أم لا. وقال إن قصة التوسط هذه لا تفيد، خاصة في مثل هذه القضايا التي تحمل اتهامات خطيرة إن كانت فعلية، وليس أعضاء البرلمان الثلاثين هم الوحيدون الذين يسوقون خط العفو ضد المعتقلين، ولملمة الموضوع برمته فقد سبقهم إليه، أكثر الإسلاميين صوتاً وخال الرئيس “البشير”، “الطيب مصطفى”، عندما كتب قبل أن تظهر مبادرة أعضاء البرلمان للعلن، طالباً من الرئيس العفو عن المعتقلين لأنهم من (أهل بدر) ومن حماة المشروع الإسلامي، وليس من الإنصاف أن يعتقلوا ويقدموا لمحاكمة لمجرد أنهم يريدون الإصلاح. وكتب بالنص: (رجال من الذهب الخالص بل أغلى، حفروا أسماءهم في سجل التاريخ جهاداً وبذلاً بل أزعمُ، ولا أزكِّيهم، أنَّهم كُتبوا في لوحة المجد عند مليكٍ مقتدر بعد أن قدَّموا ما لم يُقدِّم بعضُ القاعدين ممَّن يتناولونهم بالشنآن هذه الأيام قطرةً من بحر عطائهم.. كيف نتعامل مع هؤلاء البدريين ممن خاضوا معارك الفداء من لدُن صيف العبور قبل نحو عشرين عاماً حتى تحرير هجليج قبل أشهر قليلة). ويؤكد القيادي في حزب المؤتمر الوطني– الحاكم “ربيع عبد العاطي” أن الحكومة، ومنذ أن أعلنت عن كشفها واعتقالها للمجموعة التي سعت للانقلاب، أكدت أنها ستقدمهم للمحاكمة العادلة. وقال وهو يتحدث لـ(المجهر) عبر الهاتف: (حديث النائب الأول عن التعامل بحزم مع المعتقلين هو تأكيد لموقف الحكومة المعلن والمعروف لتقديم المعتقلين للمحاكمة.. وما عناه النائب الأول من التعامل بحزم هو أن يعطي رسائل واضحة لكل من يحاول أن يقلد الانقلابيين أو يسعى سعيهم بأن الحكومة ستتعامل معهم بحزم شديد وحسم أشد). وتابع “عبد العاطي”: (من حق أي شخص أن يتعاطف مع من يشاء، وإذا أراد أي شخص من الإسلاميين أن يتحدث عن الإصلاح فله ذلك من خلال أجهزة الحزب أو الحركة الإسلامية وكلها منابر متاحة.. أما الذين يسعون للتخريب والانقلاب فسيتم حسمهم بالقوة). ويعتقد المحلل السياسي الدكتور فاروق محمد إبراهيم، أن الحكومة ستقوم بتقديم المعتقلين للمحاكمة ولن تعفو عنهم وفقاً للمعطيات الحالية. وقال لـ(المجهر) خلال اتصال هاتفي يوم أمس: (حسب التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين وخاصة “على عثمان” أعتقد أن المتهمين في المحاولة التخريبية سيقدمون لمحاكمات وستتم محاكمتهم)، واستبعد “إبراهيم” أن تعفو عنهم الحكومة لاعتبارات كثيرة: (الحكومة تريد أن ترسل رسالة إلى حانقين وغاضبين آخرين داخل منظومة الإسلاميين بأن أية محاولة أخرى سيتم وأدها، وبالتالي لا بد أن تحاكم المعتقلين ليكونوا عظة لغيرهم.. كما أنها لا تضمن إن أطلقت سراحهم في الوقت الحالي أن يقوموا بتكرار المحاولة، خاصة وهي من القيادات النافذة والخطيرة جداً).
واعتادت حكومة الإنقاذ، منذ استيلائها على السلطة بواسطة انقلاب عسكري في العام 1989م، التعامل بحساسية شديدة وحزم كبير مع العديد من المحاولات الانقلابية التي حاول عدد من القيادات العسكرية بواسطتها الإطاحة بالحكم القائم. ولعل أشهر تعامل قامت به الحكومة مع المحاولات الانقلابية هو إعدامها لثمانية وعشرين ضابطاً من القوات المسلحة حاولوا الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري في العام 1990م. وتعدّ المحاولة الأخيرة مغايرة وتختلف عن المحاولات السابقة، ذلك أن قادتها المتهمين فيها هم من أشد المدافعين عن فكرة (المشروع الحضاري)، الذي بسببه جاءت الإنقاذ للحكم. ويكفي أن نشير إلى شخصيتين مثل مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، والشخصية الأكثر قوة ونفوذاً في الحكومة خلال السنوات الأخيرة الفريق “صلاح قوش”، والعميد “محمد إبراهيم عبد الجليل” المعروف “بود إبراهيم”، وهو ذو نفوذ وله صوت مرتفع وسط الإسلاميين، وبدأ صيته يخرج إلى العلن بشكل كبير خلال قيادته لمعركة تحرير منطقة هجليج وطرد الجيش الشعبي منها، ومن قبلها قيادته لمعركة تحرير الكرمك من الجيش الشعبي– قطاع الشمال.