مطر الشتاء
{ في ليلية شتوية دافئة أمطرت الصحافة وزير المالية بسيل من الأسئلة التي استعصى عليه الرد على بعضها لوقوعها خارج دائرة الاختصاص والصلاحيات كإيقاف الحرب وتحسين العلاقات مع الدول الأخرى، وأفاض في الإجابة على كثير من الأسئلة الساخنة والباردة، وبدا وزير المالية أكثر صراحة وعافية نفسية، حينما جهر بحقيقة واحدة تمثل المفتاح لكثير من القضايا الاقتصادية الشائكة، حيث اعترف الوزير بشجاعة وصراحة شديدة بأن المشكلة التي يعيشها الاقتصاد حالياً أسبابها سياسية وليست اقتصادية مجردة، وتعبير مشكلة اختاره وزير الدولة د. “عبد الرحمن ضرار” في توصيف حالة الاقتصاد السوداني بقوله: (اقتصادنا الآن في مرحلة المشكلة ولم يبلغ مرحلة الأزمة بعد).. والوزير يقول إن قضية إعفاء الديون قضية سياسية ترتبط بعلاقة السودان بالولايات المتحدة التي تضع شروطاً تعجيزية في وجه الحكومة السودانية حتى يتم إعفاء الديون.
{ ولم يشأ وزير المالية الاعتراف جهراً بأن الحرب التي تمتص ثلاثة أرباع الإيرادات هي (أس) الداء وسبب البلاء، لكنه قال في حياء: (لكم أن تعلموا أن أكبر الإنفاق في الدولة على الجيش والشرطة والأمن) ورسم الوزير مشهداً لراجمات الصواريخ التي تقذف فوهاتها ملايين الدولارات في ساعات محدودة، ولم يشأ الوزير الإجابة على سؤال صريح جداً عن التكلفة اليومية للحرب التي تدور الآن؟ !! مع أن ذلك حقٌ من حقوق الشعب السوداني الذي صبر على الإنقاذ لمدة ثلاثة وعشرين عاماً ينتظر الرخاء ويتمسك بالأمل والعشم، ولا يزال صابراً على أخطائها ويرجو فيها ما لا ترجوه شعوب كثيرة في حكومات، من حق هذا الشعب معرفة التكلفة الكلية للحرب التي تدور الآن ؟ حتى يقرر الشعب الطريقة التي تنهي دورة العنف الحالية!!
{ وزير المالية لم ينثر الأماني العذبة ويمني الناس بعام سعيد يفيض خيراً على الشعب وإن تبدت عليه وطاقمه المعاون الثقة في تجاوز المشكلة الاقتصادية في حال تسوية الخلاف مع دولة الجنوب وتدفق عائدات البترول وزيادة حجم الاستكشافات النفطية وعائدات الذهب التي أنقذت البلاد والحكومة من مصير معلوم.. والوزير حينما (اقتاده) الصحافيون حيث مخبأ صغار النمور الذي تدافع عنه اللبوة بشراسة وتلتهم كل من يقترب من صغارها اعترف “علي محمود” (لأول مرة) (بتجنيب) الدولة باختيارها أموال عائدات الكهرباء بسبب هيكلة الهيئة القومية للكهرباء وتقسيم أصولها بين شركات لا سلطان للمالية عليها” وتمثل عائدات الكهرباء موارد ضخمة ولكنها بأمر الحكومة تم إخراجها من ولاية المالية لتتصرف الشركات في تلك الأموال كما شاءت.. ولم ينسَ الوزير .. الداخلية وشرطة المرور من محاولات (الالتفاف) على الإيرادات بالأرانيك غير القانونية، وحتى الساعات الأولى من الصباح الوزير يتحدث والصحافة بعضها يشكو حاله وآخر يندب حظه وثالث يصف الدولة بالفشل، وقد تبدت في لقاء “علي محمود” بالصحافيين روح الوزير الرياضية وسعة صدره ولكن إحباطات الصحافة والصحافيين من الواقع تمددت في حي (الراقي الراقي) حينما سهرت السلطة المالية مع السلطة الرابعة.