ليلة تأبين وتخليد ذكرى فقيدة الوطن والعلم والإنسانية، البروفيسور “صديقة عبد الرحيم وشي”، كانت أمسية استثنائية كصاحبتها رحمها الله وأحسن إليها، واللجنة القومية اجتهدت في خروج البرنامج بما يليق بها، فكانت ساحة مكتبة الحفيد بجامعة الأحفاد ملتقى لأهل وأحباب وأصدقاء وطالبات الفقيدة، ففي الوقت المحدد لبى الجميع الدعوة والحزن العميق يسيطر على النفوس رغم محاولات التجمل والتجلد، واعد المسرح بإخراج رفيع زينته صور الفقيدة بابتسامتها الوضيئة ووجها المشرق وكأني بهذا واقفة بشموخها المعهود تستقبل أحبابها، وبدأ البرنامج بزيارة الحضور للمعرض التوثيقي لحياة الراحلة المقيمة منذ طفولتها وشبابها وهي بين أخواتها وإخوتها ووالديها وصور زواجها، ومشاركاتها الداخلية والخارجية وعدد كبير من الشهادات التقديرية والأوسمة والتذكاريات والمجلات والإصدارات والصحف التي احتوت على أخبارها والمقابلات التي أجريت معها، والملاحظة التي اتفقت معي فيها البروف “آمنة الصادق” أن الفقيدة كانت امرأة منظمة ومرتبة، فالحصول على كل ذلك الرصيد كان ميسوراً وكأنها كانت تعده لمثل هذا اليوم، ولا شك أن الإخراج للمعرض داخل أروقة المكتبة أبرز حياة الراحلة بصورة ممتعة رغم الحزن والدموع التي كانت تلازم الجميع وهم يقفون على هذا الرصيد، وسرني حين وجدت الاتحاد العام للمرأة السودانية حاضرا وسط هذا الزحم بهدية تذكارية من الكريستال تجسم بداخلها مركز أنشطة المرأة السودانية (ماما) وشهادة تذكارية أنيقة تحتوي تهنئة بمناسبة انتخابها رئيسة للاتحاد العالمي للاقتصاد المنزلي.
بدأ برنامج التأبين بتلاوة ندية صوت القارئ “إبراهيم كمال الدين” وقدم البرنامج باحترافية معهودة المذيع الإعلامي “طارق كبلو” وكانت كل فقرات البرنامج قد أعدت بطريقة كان الإبداع والصدق هو لسانها حالها بدء بكلمات أهل الدار د. “قاسم بدري” رئيس الجامعة، ود. “أمنة الصادق” رئيسة اللجنة القومية، والتي سردت رحلة الإعداد للتأبين وتفانى الجميع في أداء التكاليف وفاءً للراحلة، وتحدثت د. “سمية قضبي” رفيقتها في رحلتها الأخيرة فبكتها شعراً وجاء الفيلم الوثائقي (عطر الصدق) الذي أبدع في إخراجه الأستاذ “شكرالله خلف الله” فتجلت فيه إبداعاته بدأ من ابتداره بالفيديو الذي وثقته كاميرات المراقبة بمطار الخرطوم، وصوت التنبيه لرحلة الخطوط الإثيوبية ومرورا بلقطات من المؤتمرات الذي ذهبت وجزء من كلمتها في افتتاحه ولقطات من حلقة برنامج (أمنا حواء) الذي وثق لها وبجوارها والدتها، ومشاهد شتى للفقيدة وإفادات من أهلها وزميلاتها في الجامعة وطالباتها، ولم يتمالك الحضور حبس الدموع التي كانت تنهمر تأثراً وحزنا على رحيلها المفاجئ رحمها الله رحمة واسعة وأحسن إليها، وتحدثت د. “نفيسة أحمد الأمين” كما لم تتحدث من قبل بالفصيح والعامية فبكتها بأحرفها الصادقة وختمتها بمرثية حزينة (يا حليلك) جمعت فيها صفات الراحلة فكانت بحق تعبيرا صادقا عن حبها الكبير للفقيدة، وتحدث رئيس جمعية الصداقة الالمانية وتحدثت ممثلة الاتحاد العالمي للاقتصاد المنزلي فالكل عبر عن مكانتها وفقدها الجلل، وتشرفت بالتحدث أصالة عن نفسي ونيابة عن الاتحاد العام للمرأة السودانية، وسردت علاقة بروف “صديقة” بالاتحاد منذ أكثر من عقدين من الزمان ومساهماتها وتعاونها المثمر معه كمؤسسة قومية للمرأة حتى دخولها لأمانته العامة أمينة للبحوث والإحصاء والدراسات، وسردت علاقتي بها التي امتدت لسنوات ترافقنا فيها سويا لعدد من الولايات وأشهرها رحلتنا لكادوقلي منتصف التسعينيات ورحلة البر والطوف وسماع أصوات الرصاص ليلا فالحمد لله الذي بسط السلام والأمن في غالب ربوع تلك الديار، فعرفت معدنها النفيس في السفر ونحن نعمل في شراكة بين اتحاد المرأة والأحفاد واليونيسيف لتشجيع تعليم الفتيات ومحاربة العادات الضارة لصحة المرأة، وطوفت بسهم بروف “صديقة” في ملف السلام ودور المرأة فيه وحوارات المرأة السودانية من الداخل مع نساء الحركة الشعبية حتى تحقق السلام، وختمت السرد بآخر المساهمات الوطنية للفقيدة عندما تولت الرئيس المناوب لوثبة المرأة في آفاق الحوار الوطني وسهمها في إخراج الوثائق الخمس ذلك العمل الجبار الذي نظمته وزارة التنمية والضمان الاجتماعي، بإشراف ورعاية الوزيرة “مشاعر الدولب” ورئاسة الأستاذة “سامية أحمد”، والحديث عن الفقيدة يطول ويطول، ونقلت للحضور محتوى آخر رسالة من هاتفها بعثتها الفقيدة للأستاذة “أميرة الفاضل” بأديس أبابا بعد زيارتهم لها في مكتبها فشكرتها وأبدت استعدادها لأي عمل يخدم الغذاء في أفريقيا أو أي مشروع يخدم السودان فهي على استعداد. لها الرحمة والمغفرة، وفي ختام كلمة الاتحاد ترحمت على إعلام الحركة النسائية اللائي سبقن الفقيدة بالرحيل لدار البقاء خلال الخمس سنوات الماضية عليهن رحمة الله، فرحلت “عزيزة مكي أزرق وسعاد أبو كشوة وخالدة زاهر وليلى خالد وآمنة عبد الرحمن حسن وحاجة كاشف وآمنة رحمة وليلى أحمد سعيد وسارة الفاضل وسوسن دفع الله وعائشة سالم وستنا بدري وخدوم عوض وحاجة كاشف وإحسان فخري”، تقبلهن الله وأحسن إليهم، كما تحدثت في حفل التأبين الأستاذة “سارة نقد الله” حديثا صادقا من القلب وتحدثت الأرحام التي تربطها بالفقيدة، رحم العلم والإنسانية والوطن ورحم الدم، وقبل الختام قدم كورال الأحفاد أغنية مؤثرة وحزينة ومعبرة فكانت عملاً راقيا ابكى الحضور، فلها الرحمة والمغفرة وختمت الكلمات بأسرة الفقيدة حيث تحدث شقيقها بنبرات حزينة وعبرات تجمل كثيرا ليتمكن من إكمال كلمته التي أوفاها حقها وتحدثت عن برها بأمها وأبيها وأخواتها وإخوتها وأسرتها وعموم الوطن، ونقل تبرع الأسرة بمكتبتها كصدقة جارية لجامعة الأحفاد، ووعد بالتشاور مع أسرة الجامعة واللجنة القومية للنظر في المشروع الذي أشارت إليه د. “آمنة الصادق” في كلمتها لتخليد ذكراها، والشكر لأجهزة الإعلام التي كانت شكلت حضورا مميزا وتحية خاصة لقناة النيل الأزرق التي نقلت الحفل على الهواء مباشرة، اللهم ارحم فقيدة الوطن والعلم بروفيسور “صديقة” واغفر لها واكرم نزلها ووسع مدخلها يا حنان يا منان.