مفاوضات (المنطقتين) .. ضوء لوقف الحرب بعد مبادرة “سلفاكير”
الحكومة والحركة بقيادة "الحلو" ترحبان
تقرير : هبة محمود سعيد
بدا واضحاً أن المبادرة التي طرحها رئيس دولة جنوب السودان “سلفاكير ميارديت” لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، تأتي أسوة بمبادرة الرئيس “البشير” التي أعلن عنها في الخامس من يونيو الماضي، والتي نجحت في لم شمل الأطراف المتناحرة بالجنوب، وحث الفرقاء الجنوبيين على تجاوز الخلافات وتحقيق الاستقرار والتنمية بالجنوب، في خطوة وصفها محللون سياسيون بالجيدة، بالرغم من رفض وفد الحركة بقيادة “عبد العزيز الحلو” في محادثات جوهانسبرج (السرية) بين الوطني والشعبية نهاية أكتوبر الماضي، المرجعيات التفاوضية كافة التي تم التفاوض عليها في (18) جولة محادثات سابقة بما فيها المرجعيات الخاصة بقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن الدولي الخاصة بالسلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتشير التوقعات بأن تلعب حكومة جنوب السودان برئاسة “سلفا” دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر في القضايا العالقة بين الحكومة وقطاع الشمال في الفترة المقبلة، عقب تجاوز الملف الإنساني بعد قبول مبادرة الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين من الحرب بالمنطقتين.
الرغبة في إحلال السلام ..
بالرغم من الفشل الذي صاحب جولات التفاوض السابقة بين الحكومة والحركة، طيلة الفترة الماضية إلا أن الرغبة في إحلال السلام بالمنطقتين وإعادة الأمن والاستقرار لأهالي المناطق المتأثرة بالحرب ظلت حاضرة في كل الجولات سيما من قبل الحكومة التي أبدت رغبتها في إحلال السلام في كل جولة، تمثل آخرها في إعلان وقف إطلاق النار الذي قابلته الحركة الشعبية بدورها بوقف العدائيات.
الحكومة هذه المرة كانت كسابقها من المرات الماضية، أبدت موافقتها على وساطة رئيس حكومة الجنوب ، وعدم ممانعتها لتوحيد الفصائل العسكرية والسياسية للحركة، وأمنت على رؤية “سلفاكير” حول ضرورة وجود جيش وطني واحد لضمان عدم تكرار التجربة الجنوب سودانية وتأكيده بان السلام في المنطقتين سيسهم في استقرار العلاقة بين السودانيين، وبحسب مراقبين فإن أهمية وساطة رئيس دولة جنوب السودان تكمن في أن الحركة الشعبية قطاع الشمال كانت جزءًا من قوات الجيش الشعبي عندما كان السودان موحدًا وكانت تقاتل مع الجنوبيين ضد القوات المسلحة وبعد انفصال الجنوب في العام 2011 ظلت قوات الشعبية مرتبطة بدولة الجنوب بل تتلقى رواتب جنودها من جوبا ، كما أن بعض الحركات المتمردة في دارفور أيضًا لديها علاقات قوية مع جنوب السودان ، وقد اتهمت الخرطوم مرارًا جوبا بإيواء الحركات المسلحة ودعمها وشن الهجمات انطلاقًا من أراضي دولة الجنوب.
ويرى خبير التفاوض في المنطقتين “د.فرح العقار” الأمين العام لتحالف قوى المستقبل، نجاح مبادرة الرئيس “سلفا” بحكم علاقته بالحركة الشعبية، لافتاً في حديثه لـ(المجهر) أن الوضع الطبيعي أن يقود المبادرة الرئيس “سلفا كير” لأنه أكثر شخص مؤهل على اعتبار أنه كان رئيساً و قائداً للمجموعة في وقت سابق، وقال: إن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، ومن المتوقع أن يسهم “كير” في توحيد فرقاء قطاع الشمال بجانب نجاح المفاوضات بين الحكومة والحركة، وزاد: هذا عمل اعتبره بشريات فرح نستقبل بها العام الجديد.
ترحيب الحكومة ..
ترحيب الحكومة قابله ترحيب من قبل الحركة الشعبية قطاع الشمال التي أعلنت عبر بيان ممهور بتوقيع ناطقها الرسمي “مبارك أردول” (أمس) ترحيبها بمبادرة الرئيس “سلفاكير ميارديت” وحكومة جنوب السودان التي ترمي لتوحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان بغية التوصل إلى حل شامل يضع نهاية للحروب في النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور، وأكدت الحركة عبر بيانها استجابة للمبادرة من خلال وصول وفد عالي المستوى من قيادة الحركة الشعبية إلى عاصمة دولة جنوب السودان (جوبا)، للشروع في إجراء المشاورات مع الجهات المختصة، فيما أرجعت الحركة الشعبية تأييدها للمبادرة لأجل التوصل إلى حل شامل للنزاع في السودان يسهم إيجاباً في استقرار دولتي السودان شمالاً وجنوباً، لاسيما وأن الحروب في السودان تدور على طول الحدود المشتركة بين الدولتين، فضلاً عن أن الحركة الشعبية والقوى الأخرى في السودان تربطها علاقات تاريخية مع شعب جنوب السودان، سيما أن الحركة الشعبية في الشمال دعت على الدوام لترسيخ العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين ولمصلحة الشعبين، بل إلى خلق (اتحاد سوداني) بين الدولتين مع احتفاظ كل دولة باستقلالها، وأن يمتد هذا الاتحاد إلى بقية دول الإقليم لمواجهة تحديات العالم المعاصر.
الحركة أكدت عبر بيانها أن اتفاق السلام في جنوب السودان وجد منهم الترحيب، وأن أي اتفاق مماثل في السودان يضع نهاية للحروب عبر حل شامل سيسهم إيجاباً في ترسيخ السلام في جنوب السودان ويعمل على تمتين أواصر العلاقات المشتركة، في وقت أكدت فيه أن ما يخص المنطقتين لا يمكن التوصل لاتفاقيتين حول نفس القضية، والتفاوض حول المنطقتين ولاحقاً تنفيذ الاتفاق يتطلب وحدة الحركة الشعبية، وقالت: من جانبنا وحدة الحركة الشعبية قضية إستراتيجية وهي فوق المواقع والمناصب ونحن على استعداد لإعطاء القيادة لجيل جديد لتوحيد الحركة، وبإمكان القيادة العليا الحالية أن تلعب دوراً استشارياً، فوحدة الحركة هي قضية وجود بالنسبة للحركة نفسها، وأن دولة جنوب السودان ورئيسها بحكم معرفتهم وصلاتهم العضوية بالأوضاع في السودان بإمكانهم لعب دور مؤثر لدعم جهود الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي للوصول إلى سلام عادل وشامل في السودان.
الناطق الرسمي للحركة الشعبية عبر البيان أكد أن مبادرة الرئيس “سلفاكير” تدعم جهود الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي وتعززها وهي تحظى بدعم أطراف مهمة من المعارضة والحكومة السودانية، وقال: نحن ندعو لدعمها من الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بتنسيق وانسجام تام، ومنذ بداية هذه المبادرة قامت قيادة الحركة الشعبية بإطلاع حلفائها وكل من يهمهم أمر الحركة بهذه المبادرة الهامة، في وقت تشهد فيه بلادنا متغيرات عميقة هي الأهم، وكذلك الوضع الإقليمي والدولي ونحن نتعامل مع هذه المتغيرات بما يخدم مصالح شعبنا وقضيتنا.
وبحسب المصادر الالكترونية فإن المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال تكررت في جولات عديدة وظلت تتعثر دائمًا حيث لم تستطع الآلية الإفريقية برئاسة “ثامبو أمبيكي” في إحراز تقدم ملموس في هذه المفاوضات الماراثونية بين الحكومة والحركات المسلحة في جميع جولات التفاوض الماضية، وعلى الرغم من توقيع الأطراف على خارطة الطريق في أغسطس من العام 2016 إلا أنه لم يطرأ جديد بشأن إنهاء الأزمة بين الأطراف المتصارعة، وحدث استقرار كبير في ولايات دارفور التي كانت تشهد حربًا منذ العام 2003. أما جنوب كردفان والنيل الأزرق فتقاتل فيها الحركة الشعبية قطاع الشمال التي كان ينتمي مقاتلوها للحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الجنوب.
بنفس القدر الذي ساعدت فيه الخرطوم جوبا على وقف نزيف الدم بين فرقائها عبر اتفاقية إعلان الخرطوم، فقد طالت الحكومة اتهامات بسعيها لخلق علاقات جيدة مع جنوب السودان، لتمارس الأخيرة ضغطًاً على الحركات المسلحة للدخول في العملية السلمية في السودان، وحسب عدد من المراقبين باعتبار أن حركات التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لديها ارتباطات وثيقة بحكومة الجنوب.
تصريحات “كير” السابقة بالجنوب وإعلانه استعداده التوسط بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة التي تحارب الحكومة في النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور من أجل تحقيق السلام، أرجعها البعض إلى توصل الرئيس “سلفا” إلى أن استمرار الحرب في السودان لن يحقق الأمن والاستقرار ببلاده ولن يجعل اتفاق السلام بينه وبين المعارضة الجنوبية يصمد كثيراً، حينما أشار في تصريحاته إلى أن تحقيق السلام في جنوب السودان واستمرار الحرب في جمهورية السودان لا يحقق الاستقرار الكامل، مبينًا أن اتهامات الخرطوم لجوبا بدعم الحركات المسلحة السودانية تسببت في عدم توسط بلاده في الفترات الماضية.