الطريق الغربي المؤدي إلى شمال كردفان على وشك الانتهاء.. ومن رأى ليس كمن سمع
تجانى حاج موسى
وأنا شاهدت الطريق بالأمس القريب.. أقلتنا حافلة صغيرة سارت عليه ووجهتنا ولاية غرب كردفان تلبية لدعوة كريمة وجهها نفر كريم من محلية بابنوسة.. جمعية أهلية رفعوا شعاراً (بابنوسة مدينتي).. كنت في معية صديقي الشاعر الإعلامي “مختار دفع الله” والفنان “عوض كسلا” الحائز علي المرتبة الأولى في مهرجان الأغنية الوطنية، الذي نظمته وزارة الثقافة الاتحادية، إنفاذاً لمبادرة الفنان الموسيقار “محمد الأمين” والذي أشرف عليه المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون.. حركة دءوبة من العمل. والطريق يبدأ من أم درمان حتى مدينة بارا.. عند وصولنا بارا أرسلنا رسالة للصديق والي شمال كردفان مولانا “أحمد هارون”.. رد علينا مرحباً بنا وأبان أنه بالعاصمة.. احتفى بنا الأصدقاء هناك. وبارا الجميلة بطبيعتها الخلابة وأهلها جنة من جنان السودان.. ساعات والحافلة الصغيرة تشق طريقها وسط زحمة من الخضرة والرمال والجمال.. يا الله!! كم هي شاسعة وممتدة أطراف بلادنا هذه!! الزراعة المطرية أتت أكلها من دخن وسمسم وفول.. لكن المحصلة كانت ستكون أوفر لو زادت الرقعة المزروعة.. يبدو أن المواطن في تلك سوا العليهو.. والأمر كان سيختلف في ما لو زرع مساحات أكبر.. فالعائد قطعاً سيكون أكثر.. والصادر منها كان سيدر النقد الأجنبي.. وجنيهنا كان سيسترد عافيته.. العافية درجات.. الجمال.. الضأن الأبقار بصحة جيدة.. وإناثها ممتلئة ضروعها وأعدادها مهولة.. طيب المشكلة وين؟؟ نصدر وأصحاب ملايين الرؤوس من أنعامنا من أجود الأنعام.. إذن الطريق إنجاز كبير سيدعم الاقتصاد.. من بارا وصلنا بالليل. والصباح شفنا عامة ولاية غرب كردفان الجميلة والتي تنعم بالسلام ولا تشكو من أزمات عاصمتنا القومية.. ومن الفولة إلى بابنوسة أو القميرة أو الأبنوسة.. تلك زيارتنا الأولى لها.. في طريقنا إليها احتشدت كل مظاهر الجمال بالخضرة والأشجار المتنوعة والأزهار البرية.. ثراء فاحش في عناصر الجذب السياحي ومجال للاستثمار بقليل من همة وعزيمة من المركز والولاية.. وعلى مشارف بارا وقف المعتد الشاب “آدم عقيدات حمودي” وأركان سلمه وأصحاب المبادرة وحفاوة الاستقبال.. وذهبنا مباشرة إلى جامعة السلام.. ثلاث كليات. واستقبال للطلاب الجدد.. قاعة كبيرة امتلأت بالطلاب.. ألقى مختار عليهم محاضرة عن تاريخ الغناء السوداني ودور الثقافة في المجتمع وقرأ بعض أشعاره، وحاضرتهم أيضاً في مفهوم الثقافة وقرأت بعض أشعاري ، وصدح “عوض كسلا” و”عز الدين الطيب”.. وفي المساء كان الحفل الجماهيري الذي ضاق نادي السكة حديد علي سعته بالجماهير.. وحضرنا افتتاح مكتبة عامة.. وحتى ساعة متأخرة سهرت بابنوسة العروسة. وبعد الحفل تسامر معنا أصحاب المبادرة وتحدثوا عن ماضيها وحضارة أهلها حينما كانت ملتقى طرق للسكة حديد تربط الشمال بالغرب والجنوب والشرق.. وبأم عيني شاهدت حقول النفط في تلك الولاية الغنية وقد دارت ماكينات التشغيل والشعلات البرتقالية يشع ضؤوها البرتقالي الجميل.. وعقدت الدهشة لساني في قرية الكجيرة حينما زرناها تلبية لدعوة من أهلها على مائدة سمك محمر(شفتو كيف) القرية ترقد على بحر من المياه والصبية يسبحون ويصطادون الأسماك.. صادفنا حصاد الفول والسمسم والدخن والخضر والفاكهة.. طيب المشكلة وين ؟؟ وكيلو السمك بثلاثين جنيهاً!! وعسل النحل والسمن.. أما اللحم فحدث ولا حرج راقد ورخيص.. وزرنا حماة العرين بالفرقة 22 ، الذين وضعوا البندقية وشرعوا في مد يد العون للتنمية.. أما قصة مصنع بابنوسة الضخم العريق الذي توقف. .علمت أن إمكانية إعادته للحياة سهلة وميسورة وكافة إسبيرات الماكينات متوفرة بمخازن المصنع العملاق، والأمر يحتاج إلى زيارة من حكومة المركز والقطاع الخاص.. هنالك ثراء في الإعشاب الطبية وغابات من الأشجار النادرة.. وثراء في اللوحات الفنية الاستعراضية الراقصة وإنسان المنطقة راقٍ ومتحضر ويؤمن بثقافة العمل والنفير، والولاية يمكن أن تسد فجوات وفجوات.. وصادف أن كان القمر حاضراً لكل ذلك الجمال الذي احتشد في بابنوسة.