تقارير

الإمام “الصادق المهدي” .. سيناريو وتبعات المغادرة والعودة

أعلن استعداده للمحاكمة عقب عودته ديسمبر المقبل

تقرير : هبة محمود سعيد
قبل أن تبارح ردود الأفعال مكانها جراء قرار الإمام “الصادق المهدي” الأخير بعودته للبلاد في التاسع عشر من ديسمبر القادم، تزامناً مع ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في العام 1955، وبين ترحيب الحكومة بذلك، أعلن “المهدي” أمس الأول خلال مقابلة مع راديو دبنقا جاهزيته للمحاكمة وأنه على استعداد لمواجهة أي مساءلة قانونية فور وصوله، نافياً تأطير عودته في اتفاق مسبق مع النظام على شيء أو المشاركة في الانتخابات أو مشروع معين. وعلى الرغم من تلك التصريحات تظل الكثير من التساؤلات العالقة حول موقف (الإمام) و(الحكومة) معاً، وما يدور خلف الكواليس، سيما أن قرار العودة يأتي في ظل بلاغات جنائية تصل حد الإعدام حررها جهاز الأمن ضد “المهدي” على خلفية اختياره رئيساً لتحالف قوى نداء السودان، المكون من تشكيلات سياسية وعسكرية، قبل أن يطلق “الإمام” خمسة محددات بعينها رهن فيها مشاركته ومشاركة الأحزاب الأخرى الممانعة في الانتخابات القادمة 2020م، تمثلت في: (كفالة الحريات العامة ـ قانون انتخابات قومي ـ مفوضية قومية للانتخابات ـ إيجاد فاصل مابين السلطة الحاكمة واستغلال مال الدولة في رعاية الانتخابات ـ ضرورة وضوح رؤية حول أهلية المرشحين). جميع تلك الاستحقاقات أشار رئيس حزب الأمة القومي إلى أنها جزء لا يتجزأ ينبغي فعله قبل أي انتخابات قادمة، ليطرأ هنا تساؤل حول حقيقة المستجدات التي دعت زعيم الأنصار للعودة رغم تلك البلاغات، وماذا قصد بأن عودته تأتي في إطار التعبئة لتحقيق مطالب الشعب بعد أن فرغ من أعماله في الخارج.
ظلت مطلوبات “المهدي” التي رهن بها عودته البلاد وخوضه الانتخابات المقبلة، مطروحة منذ سني حكم النظام الأولى، دون أن تجد حظها من التنفيذ من قبل الحكومة، أو المجتمع الدولي وذلك بالضغط على الحكومة لتنفيذها، مع الأخذ في الاعتبار دعوات جميع الأحزاب والتحالفات المشاركة في الحوار الوطني والتي لم تشارك بعد، خاصة بشأن الحريات، لتظل مسألة الحريات التي رهن بها “المهدي” عودته قائمة، وهو الأمر الذي شدد عليه اللواء “فضل الله برمة ناصر” نائب رئيس حزب الأمة، مؤكداً استمرار سعي “الصادق المهدي” لتحقيق وتنفيذ هذه المطالب من الداخل ، لافتاً لـ (المجهر) أن الإمام مكانه الطبيعي في بلده بين أهله وقواعده، واصفاً البلاغات المقيدة ضده بالكيدية، وقطع بأن الوطن يمر بحالة أزمات حقيقية ومفترق طرق وبحاجة لجهد كل أبنائه معارضة أو حكومة لإنقاذه ، وقال: على الناس الجلوس وإيجاد مخرج للقضية لأن القضية الآن قضية وطن، وأضاف: العقوبات المفروضة على الإمام لا تمنعه من المطالبة بحقه في ضرورة تهيئة مناخ مناسب لأي حوار وتوفير مستلزماته ومن ضمنها الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتمويل الإغاثات وخلق مناخ مناسب للناس ليلتفوا معاً، وزاد: إذا توفر هذا الأمر سوف يفتح المجال للحوار.
“برمة” قطع على أن عودة الإمام أمر أعلن عنه بنفسه لحظة خروجه عندما ذكر (أنا عندي مهام في الخارج أخلصها وأعود للبلاد وإذا النظام عايز يحاكمني أنا مستعد)، ومضى إلى أن الإمام ما جاي أبداً في إطار أي اتفاق بينه وبين الحكومة، خرج من وطنه ليؤدي مهامه وإذا كان في محاكمات، يجب أن تكون عادلة، الحكومة رحبت ونحن رحبنا وهناك أمران لا ثالث لهما :إما إسقاط العقوبات، أو تقديمه لمحاكمة عادلة.

ويرى مراقبون أن عودة “المهدي” تأتي بسبب الدعوة الصريحة التي أطلقها رئيس الجمهورية للأحزاب المعارضة والحركات الحاملة للسلاح للمشاركة في وضع دستور دائم للبلاد، الأمر الذي عده المفتاح الحقيقي لتحريك جمود العلاقة بين (الوطني) و(المهدي) على اعتبار انه يمثل رأس المعارضة في توقيت جاء متزامناً مع الانتخابات المقبلة وأعطاه ـ الصادق ـ الشرعية في الانتخابات المقبلة، لتصبح التوقعات بحدوث توافق سياسي محتمل بين الحزبين غير واضحة المعالم بعد، في ظل مخاوف من مغادرة “المهدي” مجدداً قبل خوضه الانتخابات سيما أن “المهدي” سبق وأن شارك في الانتخابات الرئاسية 2010 قبل أن ينسحب منها.
رحب حزب المؤتمر الوطني بعودة إمام الأنصار إلى البلاد في أعقاب تصريحات دكتور “فيصل حسن إبراهيم” مساعد رئيس الجمهورية بذلك، وقد استبعد القيادي بالوطني “ربيع عبد العاطي” لـ (المجهر) محاكمة الصادق، قائلاً: لا أفتكر أن يتعرض مواطن يعود لوطنه لمحاكمة والوطن مفتوح له وله الحق في العودة، ومسألة المحاكمة خارج السياق، ليس هناك ترحيب بشخص ومحاكمته في آن واحد، إذا رحب الوطني فإن ذلك يعني الترحيب، والترحيب يعني حسن الاستقبال والمعاملة.
عدم التزام الإمام بأقواله وأفعاله وإمساكه للعصا من المنتصف جعل البعض يشكك في أن تكون عودته ديسمبر المقبل وانضمامه لحكومة الوفاق الوطني وخوضه الانتخابات هي الأخيرة رغم تأكيداته وتأكيدات حزبه، فقد عرف عن الرجل مغادرته المتكررة، ومعارضته المتواصلة، وأرجع مراقبون قرار عودته إلى ضغوط من قبل القوى الغربية على المعارضة بشقيها والنظام على حل الأمور مدنياً وأن تجري الانتخابات في مواعيدها وفقاً لما يقرره الدستور، على اعتبار أنها يجب أن تقوم في بيئة تتمتع بالحرية والسلام، وكان وكيل النيابة الأعلى “معتصم عبد الله” قام بتقييد دعاوي تحت المواد (21/ 25/ 26/ 50/ 51/ 53/ 63/ 66 ) من القانون الجنائي والمواد (5 و6) من قانون مكافحة الإرهاب على خلفية توقيع “المهدي” بوصفه رئيساً لحزب الأمة القومي المسجل مع الجبهة الثورية والحركات المسلحة المتمردة على إعلان دستوري وإصدار بيان ختامي يعلن عن التعامل والتنسيق المشترك من أجل إسقاط النظام بقوة السلاح، بجانب تحريض المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للخروج على الدولة والتمرد عليها وإحداث الفوضى والزعزعة. وقد قضى “المهدي” ثمانية أشهر خارج البلاد متنقلاً بين القاهرة وعمان ولندن، قبل أن يعلن موعد عودته للسودان بقرار من الحزب والتزامه بالقرار فور صدوره وقيادة العمل المعارض من الداخل.
منذ إطاحة حكومة الإنقاذ بحكمه غادر “المهدي” السودان مطلع التسعينيات وهاجر سراً في العام 1996 قاصداً إرتريا في عملية (تهتدون) حسبما أطلق عليها ، ليلحق بالمعارضة السودانية بالخارج، ويبدأ أكبر حملة دبلوماسية وسياسية شهدتها المعارضة منذ تكوينها. وفي الأول من مايو 1999م استجاب لوساطة السيد “كامل الطيب إدريس” للتفاوض مع النظام، فتم لقاء جنيف بينه وبين الدكتور “حسن الترابي”. وفي 26 نوفمبر 1999م تم لقاء في جيبوتي بينه وبين الرئيس “عمر البشير” ليعود للبلاد في نوفمبر 2000م، في عملية أطلق عليها اسم “تفلحون”، وذلك للقيام بالتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام والاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية، بعد ذلك غادر “المهدي” السودان عقب إطلاق سراحه من المعتقل الذي وضع فيه لشهرين عام 2014، إثر انتقاده لممارسات قوات الدعم السريع، وغادر “المهدي” إلى أديس أبابا في فبراير الماضي ، ومنها إلى القاهرة، قبل أن يغادرها وتمنعه السلطات المصرية لاحقاً من دخول أراضيها في الثلاثين من يونيو الماضي، ليتوجه بعدها إلى العاصمة البريطانية لندن في 14 يوليو الماضي وأقام بها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية