وهن الذاكرة وضعفها.. ما هي الأسباب؟ وبحث عن الحلول!!
رغم أن الكثيرين يعتبرونه نعمة لما له من سلوى، وعامل مساعد في تضميد الجراح ورتقها، إلا أن النسيان أضحى في الآونة الأخيرة نقمة قد تفضي إلى أعراض نفسية بعد أن ابتليت به شريحة كبيرة من (الناس) نتيجة لتضافر العديد من العوامل، وما تناسي المحن والملمات التي اجتاحت نفوس المواطنين، إلا بفضل هذه (المذمة) فيما لو كان هذا التوصيف دقيقاً، حيث أن النسيان كما أسلفنا (محمدة) أيضاً.
لكن الشاهد وبحسب مواقف متنوعة ندرج غيضاً من فيضها من خلال هذا الاستطلاع الذي يُبين ويعكس هذه الحالة التي تحولت إلى (شبه مرضية) في ظل الأوضاع المزرية التي يمر بها المواطنون، التي أنهكت عقولهم وسحقت ذاكرتهم التي طرقتها واستهلكتها المصائب المتتالية، فأضعفتها ما أفقد أصحابها البوصلة التي يهتدون بها في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
(المجهر) وقفت على بعض تلك المواقف المدهشة والمضحكة المتصلة بالنسيان، والتي رواها أصحابها وهم في حالة ذهول من حدوثها، ومن ثم أخضعتها لتحليل علم النفس حتى تتقصى أسبابها، وتنظر إلى كيفية العلاج.
النسيان قد يفضي إلى الجنون
بحسب السيدة “أحلام سالم” وهي ربة منزل، أنها ظلت تعاني مشكلة النسيان بصورة أخافتها، ووصفتها بأنها ربما بوادر عرض لمرض نفسي، على سبيل المثال، تمسك بجوالها وبعد أن تسمع رنين الطرف الثاني تسرع بإغلاقه، لأنها ببساطة تكون نسيت من تريد التحدث إليه، ومن ثم تقوم بمراجعة الرقم مرة أخرى ومعاودة الاتصال مجدداً، كما أنها كثيراً ما تقرر القيام بعمل ما، وبمجرد الشروع فيه تنسى ما تود فعله، فتجوب غرفتها جيئة وذهاباً وهي تضع أصبعها على خدها دون هدف محدد، وغير ذلك كثير من المواقف المفضية إلى الجنون، غير أن “أحلام” عادت لتؤكد أنها باتت تستعين بالدعاء (اللهم رد إليّ ضالتي) وتُكثر من الاستعاذة بالله.
خارج نطاق الشبكة
قصة الموظفة “فائزة” التي روتها لـ(المجهر) تجعلك تجزم أنها مُقدمة على مرحلة (الزهايمر)، وبحسبها فإن لديها من قصص النسيان والسهو ما يدفعها لجمعها داخل مؤلف كامل تحت عنوان (مذكرات امرأة خارج نطاق الشبكة)، قالت “فائزة”: إن شقيقها قدم دعوة عشاء لزملائه وجلب أصنافاً من الطعام الجاهز، طلب منها وضعه على الأطباق، بدلاً من ذلك قامت بإفراغ كل المحتويات في سلة القمامة، وضعت ورق اللف (الفويل) على الصحون إلى أن أكملت مهمتها، ثم نادت على شقيقها بأن العشاء جاهز، ولما فوجئ بالحاصل وضع يديه على رأسه واكتفى بعبارة (عملتيها).
موقف آخر روته “فائزة” حيث قالت: إن ضيفاً جاءها في مكان عملها، فقررت أن تكرمه بمشروب غازي، لكنها أثناء (الونسة) قامت (بشفط) قارورة البارد وحدها إلى آخر قطرة، بينما الضيف في ذهول، وكانت بين الفينة والأخرى تدعوه لرفع المشروب، وعندما ملَّ تكرارها رد عليها (أشرب شنو هو أنتي خليتي فيهو حاجة).
ذاكرة خربة
دعونا من تلك السيدة، وقولوا لنا ما هو رأيكم في نساء نسين أطفالهن، داخل عربة أجرة أو سياراتهن الخاصة حتى كادوا أن يختنقوا، وما رأيكم/ رأيكن في نسيان اللبن على البوتاجاز حد تدفقه، أو تصفية الشوربة على حوض المطبخ بدلاً عن (الطنجرة)، أو حريق البصلة وغيرها من المتاهات الأنثوية التي لا حصر لها، ومن بين كل ذلك حكت “عائدة يوسف” موظفة بنك، عن أنها ذهبت يوماً ما إلى مدرسة ابنتها لتسديد الرسوم، وأضافت: عندما سألتني المحاسبة عن اسمها (طار مني) تماماً، فطفقت اضغط جبيني وأضرب على جبهتي، ما حدا بها إلى سؤالي (أنتي متأكدة أنها بتك)، فضحكت بعد أن أسعفتني الذاكرة، وأجبتها (العتب على الذاكرة الخربة).
أسباب النسيان نفسية
وفي السياق يرى البروفيسور “علي بلدو” أن النسيان وعدم القدرة على التركيز والتذكر بالصورة الطبيعية ما هو إلاّ انعكاس للحالة البدنية، والنفسية والاجتماعية، ويمثل التعب والإرهاق البدني والشعور الدائم بالإعياء المتواصل والآلام الجسدية، إضافة إلى الأمراض العضوية المزمنة كالسكري والضغط وغيرها، وهي تحتاج لعلاج ومتابعة من الطبيب المختص حتى لا تتدهور الحالة ويصعب تلافيها لاحقاً.
أما مجموع الأسباب النفسية، فتشمل التوتر والقلق والغضب والانفعال، وكذلك الشعور بالاكتئاب والإحباط وانخفاض الروح المعنوية والشعور باليأس، وعدم القدر على التواصل مع الآخرين وعلى أداء المهام اليومية والروتينية، كما تمثل الأمراض النفسية والعصبية مثل مرض الفصام والخرف والزهايمر أسباب شائعة للنسيان الشديد، حتى أنها تكاد تؤدي إلى نسيان الشخص لأهله وأسمه.
واستطرد ” بلدو” قائلاً: عدم التوافق الاجتماعي والحراك الكثيف والضغوط الاقتصادية والتفكك الأسري والمعاناة المعيشية تجعل الشخص يُحدث نفسه وينسى أبسط الأشياء، ويهيم على وجهه أحياناً فينسى وجهته، وما خرج لأجله بسبب تلك الضغوط العصرية. وأضاف أن النسيان قد يحدث نتيجة لمحاولة انجاز عدد من الأعمال في وقت واحد ما يؤدي لتشتت التركيز ويضعف الذاكرة، وبالتالي يؤدي إلى النسيان، وقد ينجم عن النسيان عدم الرغبة في عمل أي شيء، كما يبدو جلياً في أيام الامتحانات مثلاً، يعجز الطالب عن الاستذكار بصورة طبيعية.
إلى ذلك أكد “بلدو” أنه لا يمكن تحديد سبب بعينه للنسيان، وإنما هي مجموعة عوامل متداخلة محصلتها النهائية ظاهرة تفشي النسيان بالصورة الحالية، وما لم يتم علاج ذلك وترميم الذاكرة وتمرينها وتقويتها بإتباع وسائل السلامة كالراحة البدنية والنفسية، فنحن موعودون بجيل أكثر نسياناً.