حوارات

عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ السابق عميد معاش بحري “صلاح كرار” لـ(المجهر) 1/2

*شركات الحكومة هي الأكثر شراءً للدولار ويصعب على الآلية الجديدة منعها
*الدولة أخطأت عندما اعتقدت أن (لجنة صناع السوق) ستسيطر على الدولار
* مشكلة السيولة سببها تعطل مطابع العُملة وتوجيه ما يتوفر من نقد محلي لشراء الذهب لتوفير العُملات الصعبة لتشغيل وصيانة المصفاة
*اتوقع زيادة القيمة المضافة ورفع الدعم عن بعض السلع في موازنة 2019م

حوار: فاطمة مبارك

يتابع المراقبون والمواطنون الإجراءات الاقتصادية الأخيرة باهتمام بالغ، ويختلفون في تقديراتهم تجاه هذه القرارات، البعض يرى أنها كسابقاتها، والتي فشلت في حل الأزمة الاقتصادية، لجهة إجرائها  معالجات مؤقتة لاقتصاد  يعاني من إشكالات أساسية، فيما يرى البعض الآخر أن  الإجراءات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء “معتز”، يعتقدون أنها  تجاوزت مراحل معالجة العرض إلى تشخيص المرض والشروع في معالجته رغم مرارة الدواء، يدللون على ذلك برجوع الدولة إلى الإنتاج وتحفيز الصادر، وكل السياسات التي كان ينبغي تطبيقها بعد انفصال الجنوب، ويشيرون إلى أن هذه الإجراءات بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاقتصاد السوداني بعد أن توفرت معظم شروط الانهيار .
يبدو أن هذه الإجراءات لم تكن وليدة اللحظة فـ”معتز” قبل أن يشغل منصبي رئيس الوزراء، ووزير المالية، كان مسؤولاً عن القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني، وهي الجهة المسؤولة عن وضع الخطط ورسم السياسات الاقتصادية، ما يشير إلى أن هذه السياسات كانت نتاج نقاش وتداول مستفيض، لكن يبقى السؤال هل تستطيع هذه الإجراءات الخروج بالاقتصاد إلى بر الأمان؟ للإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة أجرت (المجهر) حواراً شاملاً مع عميد معاش بحري “صلاح الدين كرار”، الذي لعب دوراً بارزاً في ثورة الإنقاذ، وكان عضواً بمجلس قيادة الثورة، ومن ثم تقلد  مناصب تنفيذية مهمة.
فإلى نص الحوار..
{كيف قرأت القرارات الاقتصادية الأخيرة، ما الجديد ،وماهي النتائج المتوقعة ؟
لم أجد موقعاً لهذه القرارات لا كبرنامج اقتصادي ولا خطة اقتصادية لأنها لم تشخص المشكلة ثم تنطلق إلى المعالجات، ثم أين هذه القرارات من الإستراتيجية الربع قرنية التي تبنتها الدولة وأين هي أيضا من البرنامج الخماسي وهو خطة الدولة الاقتصادية السارية نظريا منذ ثلاث سنوات وتبقى لها عامان.
{إذن القرارات لم تلامس الواقع الاقتصادي حسب رأيك؟
في رأيي أن تشخيص المشكلة الاقتصادية يتلخص في الآتي: الأول ركود اقتصادي ادى إلى تدهور الإيرادات الجمركية والضرائبية مما ادى إلى خلل في إيرادات الدولة مع ثبات منصرفاتها الأمر الثاني في تشخيص المشكلة هو الفجوة في ميزانية النقد الأجنبي أو ما يُسمى المكون الخارجي للميزانية، حيث تبلغ ميزانية النقد الأجنبي في ميزانية ٢٠١٨ ما يقارب (٩) مليارات دولار، بنيت عليه الإيرادات الجمركية والضرائبية لهذا العام المالي، بالإضافة لرفع الدولار الجمركي من ستة جنيهات إلى ثمانية عشر جنيهاً للدولار، ادى ذلك إلى زيادة الطلب على الدولار وتصاعد سعره إلى ١٠٠% منذ يناير ٢٠١٨ وحتى أكتوبر الحالي.
{دعنا نتعرف على آثار تصاعد الدولار حتى وصل (47.5) في الأيام الأولى لعمل لجنة صناع السوق؟
أهم آثار تصاعد سعر الدولار، ارتفاع التضخم إلى أكثر من (٦٠%) وادى ذلك لارتفاع مضطرد في أسعار السلع. الأثر الثاني والخطير هو مضاعفة دعم السلع والخدمات فإذا كان حجم دعم سلعة مثل الخبز في ميزانية ٢٠١٨ هو واحد جنيه لكل قطعة خبز، فعندما تسعر الدولة الدولار بـ(47.5) يصبح على الأقل رغيفة اليوم مدعومة بجنيهين، وينطبق هذا التصاعد على باقي السلع مثل الوقود والكهرباء، وسوف يتصاعد هذا الدعم مع تحريك (لجنة صناع السوق) لسعر الصرف الذي سيكون للأعلى وسوف تضطر الدولة حتما في ميزانية ٢٠١٩ إلى رفع هذا الدعم.
{هل هناك آثار أخرى؟
هناك أثر ثالث لارتفاع سعر الصرف للدولار يظهر فيما يُسمى بخدمة الدين الخارجي ويتلخص في أن الدولة ملتزمة مع صناديق عربية ودول أجنبية لتسديد أقساط ديون حلت أقساطها والدولة تسددها حتى تضمن استمرار تدفق أقساط مشروعات متفق عليها مع هذه الدول والصناديق.
{مثل ماذا؟
مثلا وزارة الكهرباء لديها خطة لرفع توليد الكهرباء إلى خمسة آلاف ميغا وات حتى ٢٠٢٠ وقد وافقت على تمويلها عده صناديق عربية شريطة دفع الأقساط التي حلت، فإذا كان المال المرصود في ميزانية ٢٠١٨ بسعر الدولار ( ١٨) جنيهاً فسوف ترتفع خدمة الدين هذا إلى الفرق بين (47.5 و18) ج للدولار، هذه بعض الأمثلة لما يترتب على تصاعد سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل الدولار.
{ما توصيفكم لما تقوم به (لجنة صناع السوق) هل هو تحرير كامل أم جزئي؟
لا فرق عندي إلا في المُسميات، لأن اللجنة يحكمها العرض والطلب، وهذا مثل تحرير السلع الآن يحكمها العرض والطلب، والخطأ الذي تقع فيه الدولة هو أنها اعتقدت بإدخال تجار العُملة داخل (لجنة صناع السوق) سوف تسيطر على الدولار.
{الم يكن دخولهم مهماً للسيطرة على الدولار؟
الدولار في أيدي المغتربين وانسيابه يحكمه السعر وسهولة تداوله، واعتقد صعوبة تداوله عبر القنوات المصرفية الرسمية هي الأولى بالمعالجة فلجنة صناع السوق هي لجنة تعويم كامل.
{كيف تنظر إلى السياسات النقدية الجديدة وفرص نجاحها في حل مشكلة النقد ؟
فجوة النقد الأجنبي تحل بردم الفجوة بين العرض والطلب وهو حوالي أربعة مليارات دولار، وذلك بتقليل سفر الوفود وتكلفة نفقات السفارات وتحويلات العمالة الأجنبيه التي وحدها قدرها اتحاد أصحاب العمل بحوالي مليار ونصف دولار سنويا. ومكافحة تهريب الذهب والمحاصيل الزراعية إلى خارج الحدود، أما السيولة أو الكتلة النقدية اللازمة لتحريك الاقتصاد فهي محكومة بقاعدة تحددها في الاقتصاد وهي نسبة الدخل القومي من سلع وخدمات إلى معدل دورة النقود في الاقتصاد، الشح الحالي مفتعل، شأنه شأن السياسات المرتجلة التي تلجأ لها الدولة لحل مشكلة دون النظر إلى آثارها المترتبة على مكونات الاقتصاد.
{ما هي الأسباب التي ادت إلى مشكلة السيولة، حسب متابعتك ؟
مشكلة السيولة الحالية، سببها أولا تعطل مطابع العُملة وثانياً شح النقد الأجنبي اللازم للطباعة بالخارج وثالثاً توجيه ما يتوفر من نقد محلي لشراء الذهب لتوفير العُملات الصعبة لتشغيل وصيانة المصفاة واستيراد المواد البترولية والقمح وبعض السلع الحرجة مثل الدواء واحتياجات الأمن والدفاع.
{ ما هو أثر سياسة تحرير سعر الصرف على المستوردين وشركات الدواء ؟
لا اعتقد أنهم سوف يتأثروا إلا بمقدار توفر هذا النقد لمقابلة احتياجات استيرادهم أما الأثر الأكبر فسيقع على المستهلك لتصاعد أسعار السلع المستوردة والمحلية.
# برأيك هل يقف البنك المركزي بعيداً عن تحديد سعر الصرف ؟ نظريا نعم، لكن عملياً هو الذي يدير استخدام المصارف التجارية لكل الأموال المتدفقة عبر غرفة صناع السوق، كما أنه المؤثر الرئيسي على السوق بتوفير السيولة المحلية لشراء العُملات ومحاصيل الصادر والذهب. # هناك توقعات بتخفيض الدولة للدولار الجمركي والقيمة المضافة ما قولك؟ هذا يعتمد على نجاح السياسات الجديدة فإذا نجحت فهذا يعني تدفقات من النقد الأجنبي تزيد الاستيراد وبالتالي زيادة في الإيرادات الجمركية والضرائبية وربما تلجأ الدولة لخفيض الدولار الجمركي والقيمة المضافة لتخفيض الأسعار وخفض التضخم .وهو أمر نتمناه بالرغم من أنه صعب المنال، لذا اتوقع زيادة في القيمة المضافة في ميزانية ٢٠١٩ .
{هناك حديث حول أن شركات الحكومة هي المتسبب الأول في تصاعد سعر الصرف إلى أي مدى هذا القول دقيق؟ عامة الحكومة أكبر منفق في الاقتصاد، وشركاتها هي الأكثر شراء للدولار من السوق الأسود ومن بينها تحويلات شركات الاتصالات ويصعب على الآلية الجديدة منعها لأن أغلب هذه الشركات لها مكاتب خارجية تشتري عبرها الدولار.
{ الإجراءات الاقتصادية الجديدة من بين أهدافها جذب تحويلات المغتربين ؟
تحويلات المغتربين يحكمها السعر المجزي وسهولة وصول الأموال إلى المحول إليهم، وهذا ما فشلت فيه البنوك ونجح فيه القطاع الخاص (تجار العُملة). {ماذا بالنسبة لحصائل الصادر ؟
المصدرون هم الأكثر استفادة من هذه السياسات حيث إن السعر الجديد مجدٍ بالنسبة للمصدر، تبقى مشكلة التزام المصدرين بالأسعار العالمية للمنتجات المصدرة وعدم التجنيب، بمعنى البيع بسعر أقل في الأوراق الرسمية والاستفادة من الفرق للأغراض الخاصة، وهنا يأتي دور وزارة التجارة والبنك المركزي.
{ما فائدة طباعة فئات كبيرة من العُملة المحلية ١٠٠ ج و٢٠٠ ج ؟. لجأت الدولة إلى طباعة الفئات الكبيرة نسبة لأن تكلفة طباعة خمسة جنيهات ورق وخمسين جنيها متقاربة، لذا في ظل عجز مطبعة العُملة المحلية وعدم توفر العُملات الحُرة اللازمة لطباعة كميات تفي باحتياجات الكتلة النقدية تلجأ الدولة لطباعة الفئات الكبيرة. وربما تسحبها مستقبلا بعد انسياب السيولة أو تلجأ لتغيير العُملة بالكامل للسيطرة على السيولة.
{هناك تشابه بين الوضع الاقتصادي الآن والوضع في بدايات الإنقاذ فكيف تعاملتم قديماً مع مثل هذه الأوضاع؟
واجهت الإنقاذ في أيامها الأولى وضعا صعبا تغلبت عليه بالآتي: حشد جميع الموارد ثم ترتيب الأولويات وتوزيع الموارد عليها. وللتاريخ كانت ميزانية النقد الأجنبي لا تتجاوز مليار وثمانمائة مليون دولار، تغطي كل الاحتياجات من بترول ودواء وقمح واحتياجات الأمن والدفاع ومواد بناء وغيرها. استمر الحال إلى ١٩٩٩ وهي سنة نهاية البرنامج الثلاثي للإنقاذ الذي استمر تسع سنوات، مع بداية ضخ البترول السوداني وصلت ميزانية النقد الأجنبي لأكثر من ثمانية مليارات دولار سنوياً. وبعد انفصال الجنوب لم تستطع الدولة إلى تخفيض ميزانية النقد الأجنبي السنوي لأن الإيرادات وبالتالي المنصرفات تأسست عليها. وهذا هو جوهر أزمة الاقتصاد الحالية.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية