سفير دولة جنوب السودان بالخرطوم “ميان دووت” في حوار مع (المجهر)
الآن الوضع في الجنوب آمن ونرتب للاحتفال بالسلام نهاية هذا الشهر
“مشار” سيعود إلى جوبا حال الفراغ من تكوين الجيش الواحد
على جميع القيادات السياسية البحث عن الدعم وليس “تعبان دينق” وحده وهذا الأمر مضمّن في الاتفاقية
{ لا توجد مشاريع تنمية قومية في الجنوب
حوار – فائز عبد الله
قطع سفير دولة جنوب السودان بالخرطوم “ميان دووت” بأن اتفاقية سلام جنوب السودان الموقعة في الخرطوم الشهر الماضي، ليست ملكا للقيادات السياسية بالجنوب ولا ملكاً لـ”لام أكول” ولا “دينق ألور” ولا “رياك مشار”، إنما هي ملك للمواطن الجنوبي، وقال في حوارخ هذا مع (المجهر) إن المجتمع الدولي فقد الثقة في القيادات بسبب عدم توظيف الموارد في مشاريع التنمية وبناء المؤسسات والجيش في الدولة، وإنفاقها لتمويل الحرب، وأضاف إن الجنوب يمتلك موارد هائلة لم تستغل بالطريقة المثلى وتوظيفها في المشاريع القومية.
وطالب “دووت” القيادات بنسيان المرارات القديمة والمضي في تنفيذ الاتفاقية بجدية على أرض الواقع.. فإلى نص الحوار.
*سعادة السفير.. بعض القيادات تتخوف من عدم صمود هذه الاتفاقية.. فما هي حظوظها في تحقيق السلام بالجنوب؟
_ اتقدم بالشكر أولاً على هذا اللقاء الذي أتى بعد توقيع الاتفاقية والتنسيق بين أطراف الاتفاق حول عملية السلام، فقد كانت هناك كثير من جولات التفاوض من أجل وقف الحرب وجلب السلام في الجنوب، وتدخلت دول (إيقاد) منذ العام (2013) بداية الحرب إلى العام (2015) وتم عقد اتفاقية في عام (2015) بيد أنها لم تنل القبول ورضا الأطراف، وتم فرضها من قبل دول الإقليم و(إيقاد)، لذا لم تصمد وكانت هشة، فبدأت دول الإقليم في تنشيط الاتفاقية في العام (2016م و2017) وكانت هناك جدية قوية للتوقيع على الاتفاقية من جميع الأطراف، والأطراف عندما ذهبوا إلى أديس أبابا، الطرف الموجود كان دكتور “رياك مشار”، وتم إبعاده إلى دولة جنوب أفريقيا، وقام الرئيس “البشير” بطلب فرصة من دول الإقليم، (وجاب رياك مشار وسلفا كير وعملوا السلام في أقل من أسبوعين).
*لا يزال “رياك مشار” مبعداً من الجنوب.. لماذا؟
_ تم إبعاد “رياك مشار” من قبل دول الإقليم في الاتفاقيات السابقة حسب نظرة وموقف دول الإقليم، حتى اقترح الرئيس “البشير” لدول الإقليم و(إيقاد) أن “مشار” هو طرف في النزاع لذلك أتى به، وقال إن “مشار” سيأتي بالسلام بدلاً عن إبعاده إلى دولة جنوب أفريقيا، وكما ذكرت طلب الرئيس “البشير” فرصة بأن يأتي بدكتور “رياك مشار” والرئيس “سلفا كير” وبعد أسبوعين تم التوقيع على اتفاقية السلام من قبل جميع أطراف العملية السياسية، وحضر “مشار” و”سلفا كير” والرئيس “البشير” كلف وزير الخارجية “الدرديري” ومدير جهاز الأمن الفريق “صلاح قوش” وبذلوا مجهودات كبيرة من أجل أن يتحقق السلام في الجنوب.
*هناك بعض الدول سعت للإمساك بملف الجنوب وفشلت.. فإلى ماذا تعزو ذلك؟
_ صحيح.. بعض الدول كان دورها ضعيفاً في الاتفاقية، لكن الآن السودان ويوغندا هما اللتان تمسكان بملف سلام جنوب السودان، والرئيس “البشير” اقترح أن يمسك السودان ودولة يوغندا هذا الملف، وأثبت السودان نجاحه فيه فقد جمع بين الأطراف وتحقق السلام في وقت وجيز.
*لماذ لم يتم إطلاق سراح المعتقلين كما أعلن الرئيس “سلفا كير”؟
_ الرئيس “سلفا كير” أصدر قراراً بوقف إطلاق النار الشامل في الجنوب، وأمر بالإفراج عن المعتقلين، وتم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والعسكريين لعودة الأمن والاستقرار، والآن الوضع في الجنوب آمن وشرع الناس في الترتيب للاحتفالات بالسلام نهاية هذا الشهر.. (وأنا أقول ليك، نسبة الاستقرار اليوم في الجنوب بعد توقيع الاتفاقية تعادل 90%)، هناك مناوشات لكنها ليست كثيرة.
*زيارة “سلفا كير” اختلفت عن سابقتها؟
_أولاً هناك زيارات رسمية وزيارات شبه رسمية، وزيارة الرئيس “سلفا كير” للخرطوم كانت من أجل الاحتفال بالاتفاقية والتوقيع عليها، و”سلفا كير” أتى إلى الخرطوم بعد توقيع الأطراف على الاتفاقية، وهذا التوقيع منح الرئيس “سلفا كير” حماساً للاحتفال مع الأطراف، فكانت زيارة مختلفة عن سابقاتها.
*كيف تنظر لتذبذب الثقة لدى قيادات الجنوب؟
_ حديثك صحيح (الناس كانوا في فترة حرب وحقو الناس تبني الثقة من جديد).. مسألة الثقة مهمة، لكن لا يوجد شيء اسمه الثقة على الأوراق.. والآليات التي تم تأسيسها لتنفيذ الاتفاقية واللجنة التي تم تشكيلها تعني ذلك.. هذه هي الثقة بين الأطراف وفق الاتفاقية.
وعندما أتى رئيس أركان هيئة الجنوب إلى الخرطوم عقد لقاءً واجتماعات مع رئيس هيئة أركان قوات “مشار” واتفقا على وقف المناوشات وتبادلا الاتصالات فيما بينهما، وإذا مضت الأوضاع وفق الوفاق والاتفاقية والتزم الأطراف بالعودة إلى الجنوب كما فعل “دينق ألور” الذي وصل إلى جوبا وفق الاتفاقية، فستعود الثقة وتنفّذ الاتفاقية.
*ما هي الضمانات التي قدمت لعودة القيادات المعارضة إلى جوبا؟
_ هذا ما نريده.. إرادة سياسية والضمانات.. فالاتفاقية ليست ملكاً للقيادات وليست ملكاً لـ”سلفا كير” ولا “رياك مشار” ولا “لام أكول” ولا “شيرتون” ولا “دينق ألور” إنما هي ملك للشعب الذي لجأ إلى السودان والكونغو وإثيوبيا وكينيا، ونزح في الداخل من منطقة إلى أخرى حتى أنه احتمى بمعسكرات الأمم المتحدة، لذلك الاتفاقية يجب تنفيذها، وتقبل القيادات بعضها البعض وتلتزم بالاتفاقية.
*المجتمع الدولي اشترط على قيادات الجنوب الالتزام من أجل الدعم؟
_ المجتمع الدولي فقد الثقة في القيادات والتزامها، لجهة أنه يقوم بدعم الأطراف وينفق الأموال وتعود الأطراف إلى المربع الأول الحرب.. والمجتمع الدولي يرغب في أن تتوفر لدى هذه القيادات الإرادة السياسية والجدية لتنفيذ الاتفاقية، لذا اشترط تنفيذ هذا الاتفاق الموقع في الخرطوم، ومن ثم يقوم بتقديم الدعم المالي لتوظيفه في عملية البناء والتشييد وإنشاء المشاريع القومية.. هذا ما يطلبه المجتمع الدولي.. لذا عودة الثقة بين الأطراف مهمة لتنفيذ الاتفاقية من أجل توفير الدعم المطلوب للتنمية.
*لماذا لم توظف الموارد من أجل السلام وفق الاتفاقية؟
_ الجنوب يملك موارد هائلة، ومنذ الانفصال هناك موارد لم تستغل، آبار بترول في منطقة (بلوكبن) التي تربط بين بور وجروم، وفي منطقة مهادن، وفي رومبيك وراجا، وهناك مورد الذهب في كبويتا.. كلها موارد لم يتم توظيفها في التنمية، وحتى الزراعة لم توظّف وكان يمكن استغلال قصب السكر وإنشاء مصانع في منقلا وملوط.. وهناك مشاريع قديمة في أنزارا منذ العام 1983م لم تستغل.
لم تستغل الموارد الموجودة في الإنتاج والإنتاجية، والآن لا توجد مشاريع قومية في الجنوب.
*هل يشكل انتشار السلاح في أيدي المجموعات والمواطنين مهدداً للاتفاقية؟
_ هذا مهم.. بعد السلام يجب أن تعمل الدولة على جمع السلاح، ويفترض أن يكون هناك صلح بين المواطنين، هذا الصلح إذا تمّ لن يكون هناك خوف من عدم الأمن، وإذا جاء السلام فالمواطن سيشعر بالأمن، وتبقى مسؤولية توفير الأمن حصراً على الشرطة والمؤسسات الرسمية الأمنية هي التي توفر الحماية والأمن للمواطنين، ولابد أن يعرف المواطن أن الدولة ستحميه وتحمي ماشيته ومعيشته.. يعرف أنه محمي من قبل الأمن والشرطة.. لذا، حال تحقُّق السلام سيجمع المواطن سلاحه لأنه سيشعر بالأمن.
*هناك ملفات لا تزال عالقة في الجانب الاقتصادي؟
_ السلعة الوحيدة التي كانت تربط بين دولتي السودان هي البترول، وفي اتفاقية التعاون المشتركة التي تضم (9) اتفاقيات، والموقعة بين الخرطوم وجوبا في أديس أبابا قبل خمس سنوات، الطرف السوداني قال: ننفذ اتفاقية البترول وباقي الملفات معاملات تجارية، بيد أن ضخ البترول توقف في عام 2013، وعاد إلى التدفق الشهر الماضي، وأتوقع نهاية هذا الشهر فتح المعابر بين البلدين، وأن يكون هناك تعاون واتفاق بين البنكين المركزيين للدولتين ووزارتي المالية، وهذه الجهات هي من يحدد الرسوم.
*يظل ملف الترتيبات الأمنية حجر عثرة في طريق الاتفاقية؟
_ ملف الترتيبات الأمينة (مش كويس) وتم عقد ثلاثة اجتماعات، والترتيبات الأمنية بمثابة مفتاح الاتفاقية.. المرة السابقة كان هناك جيشان، والآن بعد (8) أشهر سيكون هناك جيش واحد، ووفقاً للاتفاقية “رياك مشار” سيعود إلى جوبا بعد تكوين الجيش الواحد وهذا ما قام به الرئيس “سلفا كير” لتكون هنالك ثقة بين القيادات، ووجه “سلفاكير” دعوة إلى “رياك مشار” للمشاركة في احتفالات السلام المقامة بجوبا.
*ما صحة قصة لجوء النائب الأول “تعبان دينق” إلى الإدارة الأمريكية لطلب المال؟
هذا واجب عليه طبعاً كشخص مسؤول، وبما أنه الرجل الثاني في الدولة فلابد أن يطلب الدعم، لأن الاتفاقية بدون المال لا تستطيع أن (تمشي لقدام).. (لأن عندك جيش عايز تأسيس ومؤسسات تتطلب المال).. ومن حق كل واحد منا وليس الحكومة وحدها، بل القيادات، أن يطرق جميع الأبواب، وهذا- أي طلب الدعم- مشروع في الاتفاقية وموجود.
*كيف تنظر لرفض “باقان” و”توماس شيرلوا” للاتفاقية؟
_ أي شخص لديه موقف، ووفقاً لحديث “دينق ألور” في مطار جوبا عند وصوله فإن “باقان” قبل الاتفاقية و”توماس شيرلوا” ومعه آخر خرجا عنها ولم يقبلاها.. وأصلاً في أي حوار لا يمكن أن تحصل على نسبة (100%)، والحكومة تنازلت عن (14) ولاية من أجل السلام عدا ولاية اكوبو، والآن الحكومة تتنازل لتحقيق السلام، وندعو القيادات التي خرجت عن الاتفاقية للعودة والالتحاق بعملية السلام.. الآن الجميع يبحث عن السلام والاستقرار والتنمية، لذلك أطالب القيادات التي ترفض التوقيع أو الاتفاقية أن تعود إلى السلام.
*ما تعليقك على المواجهات والتفلتات التي تحدث بين الفينة والأخرى بمناطق الاستوائية؟
_ المناوشات موجودة، وعندما زار رئيس الأركان الجنوب التقى بقائدعمليات المعارضة “سايمون قروايج” وتم توقيع اتفاق لوقف هذه المناوشات والتفلتات من أجل تحقيق السلام.
وقال رئيس الأركان إن المناوشات لا تقود عملية السلام إلى الأمام، بل تعيدها إلى الخلف.. وهناك عناصر ترفض السلام، وهي مجموعة “توماس”، تقوم بهذه المناوشات لإحداث خلل في الاتفاقية وتم التنسيق بين القيادات والأطراف الموقعة على اتفاقية السلام بإيقاف هذه المناوشات.
*ما هي رسالتك لقيادات الحركة الشعبية والحكومة؟
_ لابد أن تكون لدى القيادات إرادة سياسية وأن لا ينظروا إلى المقاعد والسُلطة والمصالح الشخصية، بل عليهم أن ينظروا للمواطنين الذين تشردوا ونزحوا إلى المعسكرات وأصبحوا لا يجدون الطعام بسبب الحرب.. وفي المقابل على المواطنين أن يتخلوا عن الإثنية والقبلية في ما بينهم وينسوا المرارات الماضية ويعملوا من أجل إعمار الدولة وتعليم الأجيال ليعمّ الاستقرار.